كيف نواجه التطرف والإرهاب في شهر رمضان؟

مراسلو رؤية

كتب – بسام الحومي

شهر رمضان .. شهر البركة ..  شهر الرحمة والمغفرة فيه توصد أبواب جهنم، وتفتح أبواب الجنة، وتُصفَّد فيه الشياطين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة, وغلّقت أبواب النار, وصفدت الشياطين). وهو شهر أنزل الله عز وجل فيه القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} مما يعطيه أهمية كبيرة وميزة رفيعة وقيمة ذات بعد أخلاقي اجتماعي إنساني باعتباره يحمل مضامين ومفاهيم ربانية عظيمة.. ينبغي أن يتمثلها الإنسان في حياته، وسلوكه تدعوه للرحمة والتراحم والود والتسامح، فيضفي على الإنسان هالة إيمانية تنبع من أعماق قلبه وتطفو على ظاهره، ليكون  كما كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – قرآنًا يمشي على الأرض.

وقد نزل القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك ليرفع من قيمة الإنسان والنفس البشرية التي كرمها الخالق منذ أن خلق آدم حين أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فسجدوا} [البقرة: 34] ، وقال أيضًا: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70]. ثم جاء التكريم الأكبر فحرم الله عز وجل قتل النفس البشرية إلا بالحق، بل جعل قتل نفس واحدة بمثابة قتل الناس جميعًا: { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].

ونحن في هذا الشهر الكريم الذي يسمو بالمسلم إلى درجات الملائكة والأنبياء والصديقين، نجد أن هناك في مجتمعنا المسلم من يدعو إلى القتل والإرهاب والتكفير، ويفعلون ذلك تحت عباءة الإسلام ومنبر الجهاد، والإسلام منهم براء، فهاهم ينتهكون حرمة شهر البر والتراحم .. شهر القرآن الذي نزل رحمة ونورًا {أفلا يتدبرون القرآن} إنهم بعيدون كل البعد عن هذا الشهر وعن القرآن الذي نزل في هذا الشهر الذي قال عنه رسول الله (فيه تصفد الشياطين) إلا أننا نجد أن شياطين الإنس لم تُصفَّد ولم ترعوي، بل انطلقت كآلة قتل وتدمير ترهب الآمنين وتقتل الصائمين، تستند إلى حجج واهية باطلة لا تمتُّ للإسلام بأدنى علاقة، بل هي من هوى أنفسهم الدنيئة التي ترفل في الآثام، رغم دعواتهم ليل نهار أنهم يطبقون الإسلام، ويسعون إلى قيام الخلافة الإسلامية في الأرض {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.

إننا، وفي هذا الشهر الكريم، يجب أن نجدد من خطابنا الديني ليواجه هذا التطرف المقيت وهذا الإرهاب الدنيء الذي يسعى إلى إهدار قيمة النفس البشرية ويدك حصون الأمة الإسلامية من داخلها فيؤتى الإسلام من قبلهم لا من قبل أعدائهم.

إن الخطاب الديني في رمضان يجب أن يواجه مثل هذا الفكر السقيم فيبدأ بنشر الثقافة الدينية الصحيحة في المساجد والمنتديات العامة فيميط اللثام عن هذا الوجه القميء للإرهاب وأهله وذلك  الفكر الأعمى الذي يتخفى وراء ستار الدين. وذلك من خلال نشر الفكر الوسطي للإسلام الذي يدعو إلى الدين من خلال القناعة العقلية والروحية، فالدعوة إلى الإسلام لن تكون عبر القتل والإرهاب، بل هي كما قال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125]، وعلى هذا الدرب تأتي أنوار القرآن الكريم ترشدنا إلى سبل الدعوة الصحيحة فلا إكراه ولا عنف بل خطاب وسطي بالحكمة والموعظة الحسنة تتفتح لها آفاق كل ذي عقل سليم ونفس سوية، فقال تعالى: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وقال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

أما ما يدعو إليه هؤلاء المنحرفون فكريًّا ونفسيًّا، الذين يهرقون دماء الأبرياء قربانًا لشياطينهم التي صفدت في شهر رمضان الكريم، فهم يسيرون في درب من الغلو والتطرف والمزايدة الباطلة على ديننا.. دين التسامح والرحمة والتراحم بين الناس.

فلا بد أن يتصدى علماؤنا ودعاتنا لهذه الظاهرة الخطيرة التي ما زادت الأمة إلا فرقة وتشرذمًا، بل لقد فتحت الأبواب أمام تدخل أجنبي في شئون الأمة وهو ما يستدعي الوقوف بحزم أمام ظاهرة التطرف والغلو التي أخذت تتفشى في مجتمعاتنا الإسلامية ومراجعة أفكارها وتعريتها أمام الشباب وهو أمر أضحى واجبًا من واجبات هذا الشهر الكريم شهر الرحمة والتراحم. 

 

ربما يعجبك أيضا