الإنترنت السيادي.. لماذا تسعى روسيا لعزل نفسها عن العالم الافتراضي؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

في الوقت الذي تورطت فيه موسكو بشن هجمات سيبرانية على أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، شرع البرلمان الروسي في تدشين مشروع “الإنترنت السيادي” بما يعني عزل الإنترنت المحلي عن الشبكة العالمية، وذلك لحمايتها من القرصنة الإلكترونية. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تنفصل فيها دولة عن الشبكة العالمية، فقد سبقتها لمثل هذا السيناريو كل من الصين وكوريا الشمالية.
 
وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الأربعاء مشروع قانون “الإنترنت السيادي” الذي يسمح للسلطات الروسية بعزل إنترنت البلاد عن العالم، في خطوة استنكرتها المنظمات الحقوقية، ويشدّد المشرّعون الروس على أنّ القانون الجديد ضروري لضمان أمن شبكات الإنترنت الروسية، لكنّ المعارضين يقولون: إنّ هذا القانون الذي يحوي نصوصاً مبهمة يعطي سلطات رقابية للأجهزة الحكومية، ونشرت السلطات الأربعاء نص القانون الذي لن يدخل حيّز التنفيذ حتى نوفمبر.

وينص القانون على استحداث آلية لمراقبة حركة مرور الإنترنت في روسيا وإبعادها عن الخوادم الأجنبية، ظاهرياً بهدف منع بلد أجنبي من التأثير عليها، ويعتبر واضعو هذه المبادرة بأنه على روسيا أن تضمن أمن شبكاتها، وذلك بعد أن كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي عن استراتيجية أمريكية جديدة لأمن فضاء الإنترنت تستند على أنّ روسيا قامت بشنّ هجمات إلكترونية وأفلتت من المحاسبة.

المشروع الروسي، هو جزء من البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي التابع للحكومة الروسية (DENP)، والذي تدعي أنه سيساعد في حماية البلاد من الهجمات السيبرانية العدوانية من الخارج. وفي حالة تعرض روسيا لهجوم إلكتروني، فإن المشروع سيكون قادرًا على مواصلة العمل بشكل طبيعي حتى لو تم قطع اتصالات الإنترنت الدولية.

انتقادات داخل روسيا

وتظاهر آلاف الأشخاص في روسيا مؤخراً ضد مشروع القانون هذا الذي يقول مراقبون إنه يهدف إلى تقييد المعلومات والاتصالات عبر الإنترنت، ووقع بوتين في مارس قوانين أخرى مثيرة للجدل تسمح للمحاكم بتغريم وسجن الأشخاص الذين يظهرون عدم احترام تجاه السلطات، وبحظر وسائل الإعلام التي تنشر “أخباراً مضللة”.

وتعدّ هذه القوانين جزءاً من حملة مستمرة للكرملين على وسائل الإعلام وحريات الإنترنت التي شهدت سجن أشخاص لتشاركهم منشورات ساخرة. والأسبوع الماضي دعت 10 منظمات حقوقية دولية روسيا إلى إلغاء قانون الإنترنت.
 
وأورد بيان، دعمته منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومراسلون بلا حدود وغيرها، أن “القانون أنشأ نظاماً يعطي السلطات القدرة على منع الوصول إلى أجزاء من الإنترنت في روسيا”. وأضاف البيان أنّ الحظر سيكون “خارج نطاق القضاء ويفتقر إلى الشفافية”. وبموجب القانون الجديد، سيحتاج مزودو خدمة الإنترنت في روسيا أيضاً إلى ضمان امتلاك شبكاتهم الوسائل التقنية “للتحكّم المركزي في حركة المرور” لمواجهة التهديدات المحتملة.

وستمر هذه المراقبة بشكل خاص عبر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي “أف أس بي” والهيئة الروسية للرقابة على الاتصالات “روسكومنادزور” المتهمة بأنها تحجب المحتوى على الإنترنت بشكل تعسفي. وفي السنوات السابقة حجبت السلطات الروسية مواقع مرتبطة بالمعارضة وأخرى رفضت التعاون معها مثل “دايلي موشن” و”لينكدان” و”تليغرام”.

مزيد من الحماية الإلكترونية؟

يأتي برنامج DENP الروسي في الوقت الذي يواجه فيه البلد خطر فرض عقوبات على الهجمات الإلكترونية، وسط مزاعم بأن المتسللين الروس الذين ترعاهم الدولة كانوا وراء سلسلة من الهجمات السيبرانية على الحكومات الغربية. ذكرت منظمات إخبارية روسية أن مزودي خدمة الإنترنت في البلاد يدعمون بشكل واسع أهداف مشروع القانون لكنهم منقسمون حول كيفية القيام بذلك. ويعتقدون أن الاختبار سيسبب “اضطرابًا كبيرًا” في حركة المرور على الإنترنت في روسيا، وفقًا لتقرير ZDNet لموقع أخبار التكنولوجيا.
 
كما اتهمت الحكومة الروسية بالوقوف وراء سلسلة من الهجمات السيبرانية على البنية التحتية لأوكرانيا المجاورة التي تقاتل حاليا حربا أهلية مستمرة منذ خمس سنوات ضد المتمردين الانفصاليين المدعومين من روسيا. كما اتهمت أوكرانيا المتسللين المدعومين من الدولة الروسية بالوقوف وراء نشر برنامج Not Petya Ransomware في عام 2017، والذي تسبب أيضا في أضرار واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى اتهامها بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح نجاح الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.

دوافع سياسية

جاء القرار الروسي لعدة أسباب منها تقنية وبعضها سياسي، حيث يمكن أن يكون لديها سيرفرات خاصة من الناحية التقنية، وإن كان لا يمكن فصلها عن الشبكة العالمية، وقد فعلت ذلك الصين من قبل حيث يوجد لديها شبكة ومحركات خاصة بها.

وتأتي هذه الخطوة ضمن منهجية عالمية تبنتها روسيا والصين في مسألة الإنترنت القائم على أساس أن تكون الشبكة خاضعة لسيادة الدولة الخاصة بها، وليس سيادة أمريكا المسيطرة على الإنترنت بوضعه وبنيته الحالية، وهذا ما يرفضونه، ولذلك يسعون لإيجاد بدائل تقنية لحماية معلوماتهم وبنيتهم الرقمية، كما أن أي تحرك يختص بالإنترنت له أبعاد وخلفيات سياسية، خاصة في ظل تدخله في عالم التنافس السياسي منذ أكثر عشر سنوات، وكما ذكرت فإن روسيا والصين تسعيان إلى فرض حالة من الجغرافية الرقمية على الإنترنت ومحاولة أخذه بعيدا عن الهيمنة الأمريكية.
 
وتسعى موسكو لصد أي هجوم مضاد من قبل أمريكا، خصوصا على خلفية الاتهامات الأخيرة لها بأنها قد أثرت على مجرى الانتخابات الأمريكية عام 2016، ووفق تقرير الأمن القومي الأمريكي الأخير، لن تكتفي واشنطن في سياستها السبرانية الجديدة فقط بالدفاع، وإنما تتبنى سياسة هجومية، ولذلك فإن الروس يتوقعون هجمات أمريكية مضادة، وهذا سيجعلهم بموقف الضعف، خاصة إذا أردنا أن نقارن بين القدرات التقنية بين الصين وروسيا من جهة وبين أمريكا من جهة أخرى
 
أصبحت الحماية الإلكترونية التامة أمراً من الماضي وحلما صعب تحقيقه، ولا يمكن أن تكون هناك قدرة تامة على حماية المعلومات والبنية الرقمية، لأن هناك إمكانية للوصول والاختراق حتى لو لم تكن الشبكة متصلة بالإنترنت. ومثال ذلك الهجوم الذي تعرضت له إيران في 2010 حيث كانت الفيروسات قادرة على الوصول للسيرفرات الإيرانية في المشروع النووي، بالرغم من عدم اتصالها بالإنترنت، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة تخفيف الأضرار وتصعيب الوصول إلى الأهداف المطلوبة.

وتجدر الإشارة إلى أن الصين قامت بتجربة مماثلة، حيث أنشأت نظام رقابة واسع باسم “غريت فايروول”، ويمنع هذا النظام المواطنين من الدخول لبعض المواقع منها سياسية وأيضا بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
 

ربما يعجبك أيضا