صراع غاز المتوسط.. أردوغان يعيد سيناريو الحرب التاريخية مع اليونان

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

لم تفلح سنوات طويلة من الاستثمار التركي في الإرهاب، ولم تُجْدِ محاولات رجب طيب أردوغان نفعًا في إيجاد جماعات تخوض حروبا بالوكالة عنه في عمق الدول العربية، واضطر إلى التقهقهر إلى حدوده بعض الشيء، إلا أنه انتفض فجأة وكأنه الغني الذي أفلس فعاد يبحث في دفاتره القديمة، ليجد ضالته في الصراع التركي-القبرصي، ويحلو هذا الصراع في عينيه بعد الكشف الهام مؤخرًا عن ثروات شرق المتوسط من الغاز المسال.

وفي الوقت الذي تكابد فيه حكومة أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” أزمات متصاعدة في الداخل التركي على المستوى السياسي والاقتصادي، يحاول الرئيس التركي البحث عن أي مخرج من أزماته، فيبدأ في التكريس لإثارة النزعات القومية داخل بلاده للتبرير لخوض حروب صراع على الطاقة مع دول الجوار في قبرص واليونان.

أطماع علنية

وعلى المستوى الداخلي يثير إعلام أردوغان مأساة 45 مليار دولار قيمة الواردات التركية من الغاز المسال، ما يجعلهم يرون في غاز شرق المتوسط طوق نجاة، ومحاولة للبقاء في الحكم والتشبث به في مواجهة معارضة بدأت طريقها نحو الصعود، وهو ما ظهر بوضوح في فوز المعارضة برئاسة ولايتي أنقرة واسطنبول، أهم مركزين للاقتصاد والثقافة والسياسة في تركيا. 

وفي هذا الصدد يصر أردوغان على الاحتكاك بدول شرق المتوسط وإثارة العداء معهم، مدعيًا أن لبلاده حق في الغاز المسال الذي تم الكشف عنه مؤخرًا في بحر إيجه، غير عابئ بحدود دولية أو اتفاقات أممية، ومتذرع بالقبارصة الأتراك، رغم أن البلد نفسه يسعى للخلاص من فتيل الصراع الذي زرعته تركيا في قبرص منذ الخمسينات.

ووسط إصرار أردوغان على استفزاز المجتمع الدولي ودول شرق المتوسط، تحركت السفينة التركية الثانية باتجاه بجر إيجه للتنقيب عن الغاز هناك، غير عابئ بقانون أو حقوق آخرين، في إصرار من أردوغان على أن لتركيا حق في المياه الإقليمية القبرصية، وكأن تركيا ورثت قبرص بالحياة.

وتشير صحيفة “الجارديان” البريطانية إلى مخاوف المجتمع الدولي من مساعي أردوغان المستمرة لزيادة وتيرة النزاع، خاصة وأن قبرص أكدت تمسكها بكافة حقوقها القانونية في مواجهة أي عدوان، وأن السلطات القبرصية كفيلة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية واعتقال أي شخص يقوم بأعمال الحفر والتنقيب في المياه الإقليمية لها.

إدانات دولية

ووفقًا لـ”الجارديان”، فقد زادت حدة التوتر حول موارد الطاقة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بشكل حاد بعد أن هددت تركيا بممارسة ما أسمته حقوقها السيادية في التنقيب عن الغاز في تحد صارخ منها لحلفائها الغربيين.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن تركيا تجاهلت الإدانة الدولية، ونشرت سفن تنقيب تحت حماية فرقاطة بحرية على بعد 39 ميل من الساحل القبرصي، بينما يؤكد الاتحاد الأوروبي أن تركيا تقتحم المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.

باختصار، فإن المؤشرات الدولية تؤكد أن ما فعلته تركيا سيضعها في موقف صعب أمام حلفائها في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهددت قبرص بإصدار أوامر اعتقال دولية وأوروبية لأي شخص يقوم بالحفر في المنطقة الاقتصادية.

تحذيرات دولية

بينما نقلت الصحف الدولية حالة من الاستياء الدولي إزاء التحركات التركية الأخيرة، معتبرة أنها محاولة للسطو دون اعتبار لأي انتقادات دولية أو محلية، مشيرة إلى انتقادات الاتحاد الأوروبي.

وجاءت انتقادات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة صريحة وعلانية للموقف التركي، وتحذيرها لتركيا بسبب إصرار أردوغان على التنقيب قبالة قبرص.

وقالت كل من بروكسل وواشنطن: إن هذه الخطوة تعدٍّ صريح على المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، هذا بالإضافة إلى تأكيدات الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، في اجتماع مجلس الأطلسي حول البحر المتوسط لمطالبة تركيا بالكف عن الاستيلاء على حقوق قبرص في البحر المتوسط، بينما تبقى تصرفات تركيا حالة من الانفصال عن الواقع.

الاتحاد الأوروبي سيرد

في وقت سابق من هذا الشهر، أعربت رئيسة السياسة في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجريني، عن “قلقها الشديد” إزاء نوايا تركيا. أوضحت في بيان لها أنه يجب على تركيا التحلي بضبط النفس بشكل عاجل واحترام الحقوق السيادية لقبرص في منطقتها الاقتصادية الخالصة والامتناع عن أي إجراء من هذا القبيل، فالاتحاد الأوروبي بشكل مناسب متضامن مع قبرص”.

وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، إن “بروكسل تراقب الوضع عن كثب ونقف متحدين وراء قبرص”، وجدد الاتحاد الأوروبي، أمس الإثنين، دعوته تركيا بضرورة احترام “الحقوق السيادية” لقبرص و”الامتناع” عن أي “عمل غير قانوني”، في إشارة إلى نية أنقرة التنقيب عن الغاز في “المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص”.

وقال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف بريكست ميشال بارنييه خلال زيارته الجزيرة المتوسطية: “نعرب عن قلقنا البالغ، ونطالب تركيا بإلحاح بضبط النفس واحترام الحقوق السيادية لقبرص.. والامتناع عن عمل مماثل غير قانوني”،  وأضاف أنه في حال أصرت أنقرة على موقفها، فإن الاتحاد الأوروبي “سيرد بشكل مناسب وبتضامن شامل مع قبرص”.
 

ربما يعجبك أيضا