لدعم الاقتصاد الإيراني.. ميليشيات الحشد تحرق محاصيل العراق الزراعية

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

الحرائق المتكررة في حقول بالعراق منذ نحو شهر؛ تثير تساؤلات بشأن تورط جهات بافتعالها لصالح أطراف معينة؛ لاسيما وأنها تأتي لتنهي انتعاش الموسم الزراعي بضياع عشرات الآلاف من الدونمات التي تمثل سلة الحبوب الرئيسة في البلاد.

والغريب أن الحرائق المتعمدة أصابت محاصيل زراعية حقق فيها العراق الاكتفاء الذاتي، وبعض هذه المحاصيل كان يتم استيرادها من إيران في كل عام، وبالتالي فإيران صاحبة الاقتصاد المنهك نتيجة الععقوبات الدولية المتصاعدة هي المتهم رقم واحد فيما يجري.

ومما يعزز شكوك المزارعين والتجار العراقيين في توجيه أصابع الاتهام نحو إيران ومليشياتها، هو امتلاكها لمليشيات الحشد الشيعية الإرهابية داخل البلاد، حيث لدى تلك الميليشيات سطوة كبيرة على المحافظات السنية تمكنها من إشعال الحرائق من دون حسيب أو رقيب.

وسجلت المحافظات السنية المسيطر عليها أمنيا من قبل ميليشيات الحشد الموالي لإيران، أعلى نسبة حرائق، بعد أن جاءت محافظتا نينوى وصلاح الدين في مقدمة المحافظات المتضررة.

طريقة “خبيثة”

وقد نشرت وسائل إعلام عراقية صورا لمزرعة محترقة في مدينة الموصل بمحافظة نينوى، وشرحت الصور الطريقة “الخبيثة” التي استعملها الفاعلون لإشعال الحريق.

وأوضحت الصور قيام مجهولين بوضع “عدسة مكبرة” بين المحاصيل الزراعية لإشعال النيران فيها.

مهمة العدسة المكبرة كما هو معروف، عكس أشعة الشمس وتحويلها إلى شرارة تتسبب باندلاع الحرائق داخل المحاصيل.

وزارة الداخلية العراقية

ولم تقدم وزارة الداخلية العراقية، ممثلة بمديرية الدفاع المدني، أيا من الجناة الحقيقيين ممن يقفون وراء إشعال الحرائق، للعدالة، رغم تقديمها جملة من الأسباب، التي أدت إلى إحراق مساحات بلغت أكثر من 37 ألف دونم زراعي.

وأبرز الأسباب التي عرضتها مديرية الدفاع المدني، والتي تقف بحسب المديرية خلف 272 حادثا خلال شهر واحد، كانت على النحو التالي:

74 حادثا نجمت عن عطب في أسلاك كهربائية، 35 حادثا متعمدا، 25 حادثا نتيجة شرارة نارية من الحاصدات الزراعية، 32 حادثا نتيجة مصدر ناري خارجي، و84 حادثا يتم تحديدها جنائيا.

وحسب الجدول، الذي نشر إحصائية الحرائق خلال شهر، “تصدرت محافظة صلاح الدين المحافظات بنسبة اندلاع الحرائق فيها والتي بلغت 94 حريقا، تلتها نينوى بـ55 حريقا وكركوك بـ51 حريقا”. فيما شهدت العاصمة بغداد ستة حوادث حريق للمحاصيل الزراعية.

ولفت البيان إلى أن “عدد المساحات المحترقة خلال الفترة الماضية بلغت أكثر من 37 ألف دونم�. وأشار إلى أن �عدد المساحات التي أنقذت من النيران بلغت أكثر من 992 ألف دونم زراعي”.

وقال الإعلام الرسمي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني: إن “النيران انتشرت بسرعة كبيرة جدا في أغلب مزارع الحنطة والشعير قرب قضاء شنكال (سنجار باللغة الكردية)، في مناطق صولاخ، وجنوبي جبل شنكال”، مشيرا إلى أن �الحرائق كبيرة ويصعب السيطرة عليها والتهمت مساحات زراعية واسعة”.

ولم تقنع هذه الأسباب الكثيرين، خصوصا أصحاب المزارع والجمعيات الفلاحية الذين قدرت خسائرهم بمليارات الدولارات.

وتأتي هذه الحرائق مكملة لسلسلة حوادث مماثلة تستهدف الاقتصاد العراقي، وتصب في صالح الإبقاء على تبعيته للبضائع الايرانية.

نصرة إيران

من جهته اعترف مسؤول حكومي -رفض ذكر اسمه- بأن غالبية الحرائق التي تشهدها مناطق تجارية وزراعية في البلاد تتم بفعل فاعل، وذلك بسبب تأخر أصحابها عن دفع الإتاوات.

وقال: إن “ان غالبية الحرائق التي تعرضت لها المحال والمطاعم التابعة لمواطنين لم تكن ناتجة كما يقال عن تماس كهربائي أو سوء التخزين، وإنما نتيجة اعتراض أو تأخر أصحابها عن دفع الإتاوات”.

وأكد أن الحرائق التي حصلت خلال أيام الأسبوع الماضي لم تشهد بغداد مثلها مسبقاً، اذ لا يتم اخماد حريق بمنطقة معينة حتى يندلع حريق آخر.. لافتا إلى أنه من خلال التحقيقات يتضح أن كثيراً منها تتم بفعل فاعل، وليس بسبب الأخطاء الشائعة مثل التماس الكهربائي وغيره.

الجدير بالذكر أن العاصمة بغداد وباقي المحافظات تشهد بين الفينة والأخرى حرائق مختلفة في المؤسسات والدوائر الحكومية والأسواق التجارية الكبيرة، وغالبا ما تعزو الأجهزة الأمنية أسبابها إلى التماس الكهربائي من أجل التغطية على قضايا الفساد المالي والإداري المستشرية في البلاد منذ ابتلائه بالاحتلال الغاشم وحكوماته المتعاقبة.

تهديدات سبقت الجرائم

فيما قالت هيئة علماء المسلمين في العراق: إن المزارعين العراقيين واجهوا خسائر كبيرة بسبب السياسة الاقتصادية الحكومية وبسبب استيلاء ميليشيات (الحشد) على مساحات زراعية واسعة، وتسلطها على كثير من القرى والتضييق على أهلها، وفرض أتاوات مالية كبيرة على المزارعين للسماح لهم بزراعة أراضيهم، ومن ثم مطالبتهم بأموال أخرى عند بيع محاصيلهم، وهي سياسة تعتمدها الميليشيات في الكثير من المدن العراقية، ومنها أرياف مدينة سامراء -على سبيل المثال-.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد عمدت السلطات الحكومية المعنية إلى أساليب أخرى في العديد من المناطق؛ فبعد أن أصدرت وزارة الزراعة حظرًا لاستيراد محصول (البطاطا) من الخارج لهذا العام، وعند قرب موسم حصادها قامت جهات حكومية متنفذة بإغراق السوق بالبطاطا الإيرانية؛ ما تسبب بهبوط حاد في أسعارها؛ الأمر الذي أوقع خسائر كبيرة بزارعيها في وسط العراق وشماله.

وتأتي هذه الإجراءات الظالمة والتعسفية التي تقوم بها الميليشيات؛ لتزيد من سوء أوضاع الزراعة في العراق، وتعمق مشاكل الفلاحين والمزارعين الذين يعانون منذ الاحتلال في عام (2003م) من الإهمال المتعمد، والإبعاد القسري عن أراضيهم، وغياب الخدمات الأساسية لهم من المؤسسات الحكومية، وفتح الأسواق العراقية على مصراعيها للاستيراد في هذا القطاع الحساس، وانهيار مشاريع الري، فضلًا عن الفساد المستشري في مؤسسات الزراعة والري.

وقد أدت هذه المشاكل المتقدمة جميعًا إلى تخلف القطاع الزراعي العراقي وترديه، وانخفاض الإنتاج المحلي، وقد اضطر الكثير من المزارعين إلى بيع أراضيهم أو تركها لكونها لم تعد منتجة وتسدّ كلفة الزراعة؛ وهو ما يؤثر سلبًا على البلاد وأمنها الغذائي.

 

ربما يعجبك أيضا