إطالة أمد الحرب.. تركيا ترسل شحنات أسلحة إلى ليبيا

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

منذ الثورة الليبية في فبراير 2012، والجسد الليبي يتمزق بكثرة التدخلات الدولية إبان مساعدة الناتو للثورة الليبية بسقوط نظام القذافي، وتحولت الدولة من دولة يحميها نظام سلطوي، لدولة تسيطر عليها المليشيات المسلحة، وزاد الوضع سوءا بتعمق التدخلات الإقليمية في الداخل الليبي وإمداد تلك المليشيا بالأسلحة والعتاد.

وفي خضم الحديث الدولي عن توازنات للقوى، وسعي لنبذ التسلّح، ومحاولات إنشاء وإصلاح مؤسسات وطنية قوية تضمن الاستقرار مثل مؤسسة الجيش والبرلمان، أطلّت مؤخرا مسألة سباق التسلّح الهادم لأي استقرار، بعد أخبار جديدة تناقلتها وكالات الأنباء، العالمية والعربية، عن دعم تركي بالسلاح لحكومة (الوفاق) الليبية، فما هي أبعاد هذا الدعم، وفي أي إطارٍ يمكن قراءته؟

الإمداد التركي

تزامناً مع إقرار مجلس الأمن بالإجماع، تمديد حظر توريد السلاح إلى ليبيا، وتفتيش السفن المتجهة إلى البلاد “وصلت شحنة جديدة من الأسلحة إلى ميناء مصراتة الليبي (200 كيلومتر شرق العاصمة)، مقبلة من أحد الموانئ التركية خلال العاشر من حزيران (يونيو) الجاري”. وفقاً لموقع “اندبندنت عربية”.

وكشفت مصادر ليبية عدة معلومات متطابقة للموقع ذاته، تفيد أن “الشحنة وصلت إلى ميناء مصراته مقبلة من ميناء إسكندرون التركي، وتحمل أطناناً من الذخائر والأسلحة الخفيفة، إضافة إلى طائرتين مسيرتَين من بُعد (درون)، وإضافة إلى خبراء عسكريين”.

ومنذ شهر إبريل الماضي، أعلنت تركيا “بشكل واضح وصريح أنّ الرئيس  التركي رجب طيب أردوغان يقدم دعم بلاده لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس. ويشمل ذلك الدعم العسكري الذي قد يغير من موازين القوى على الأرض”، وفقاً لتقرير نشرته “دويتشه فيله” في 30 إبريل الماضي.

ويشير التقرير ذاته، إلى أن هذا الدعم العلني ليس مفاجئا؛ لأنه “أتى بعد دعمٍ خفيٍ سابق.. هو نتاجُ امتداد لصراعات كبرى بين قوى إقليمية ودولية، نقلت خلافاتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية إلى أرض جديدة بعد أن كانت الأراضي السورية هي مسرح تلك الصراعات”، مما يشير بوضوح إلى أن المصالح الإقليمية هي التي تقف وراء هذا الدعم، وليس السعي لاستقرار ليبيا.

ورغم النفي التركي المتكرر لمثل هذه التقارير، أو ما تسميه الدبلوماسية التركية أحياناً (أحداثاً مزعومة)، فقد أعلنت حكومة الوفاق في ليبيا “أنّها عززت قواتها المدافعة عن طرابلس بعشرات المدرعات لصد قوات الجيش الليبي التي تحاول السيطرة على العاصمة؛ حيث أظهرت صور وتسجيلات مصورة نشرتها قوات متحالفة مع حكومة الوفاق وصول عشرات المركبات المدرعة من طراز “بي.إم.سي كيربي” تركية الصنع إلى ميناء طرابلس”، وذلك بحسب تقرير نشره موقع “ميدل إيست” في 18 مايو الماضي.

وكان متحدث باسم حكومة الوفاق قال في حينه “إن الحكومة تتواصل مع تركيا للحصول على “أي شيء يلزم لوقف الهجوم على طرابلس” بما في ذلك الدعم العسكري والمدني”، رغم ما هو معروف أن ليبيا تخضع لقرار يحظر إدخال السلاح الى أراضيها لأي طرف، منذ أحداث العام 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي، بحسب التقرير ذاته.

ورغم تأكيد الأمم المتحدة بحصول انتهاكات متكررة لهذا الحظر من قبل مختلف القوى المتواجدة في ليبيا، إلا أنه قليلاً ما يتم الحديث عن الميليشيات التي تدعمها حكومة الوفاق، والجهات الخارجية الداعمة لها، وما يؤديه ذلك إلى استمرار حالة عدم الاستقرار على أرض الواقع، وحقيقة استقلالية قرار الحكومة في العاصمة.

مستقبل على فوهة مدفع

بالنسبة إلى تركيا، تكمن فكرة توازن القوى في وجود من تراهم منافسين بارزين لها، واستناداً إلى مواقف مصرية سابقة، كالتصريحات التي صدرت عن الرئاسة المصرية عقب لقاء السيسي-حفتر في القاهرة في 14 نيسان (إبريل) الماضي، فإنّ مسألة استقرار حدودها مع ليبيا، إضافة للامتداد الجغرافي والديموغرافي بين البلدين، هي أمور مرهونة بعدم بقاء سيطرة للميليشيات على أراضي ليبيا تحت أي واجهة، ومرتبط كذلك بوجود مؤسسة عسكرية سياسية قادرة على فرض الأمن العام في البلاد، بما يمهد لاستقرار مستقبلي ديموقراطي واقتصادي واجتماعي طال انتظاره، لكن دون وجود ما ينبئ بسقف زمني قريب وواضح لتحقيق كل ذلك، وإصلاح ما أتلفته حروب الميليشيات خلال الأعوام الماضية.

ولأجل هذا كله، كان طبيعيا أن تكون مصلحة مصر بالذات، مع وجود جيش وطني ليبي قوي وحكومة مركزية لا تخضع لأي إملاءات خارجية تفقدها مشروعيتها، بينما تركيا البعيدة جغرافياً عن ليبيا، تولي اهتمامها غالبا لبوابات إفريقيا الاقتصادية، ووجود مصالح متقدمة لها هناك، بغض النظر عن المكاسب التي سيتم إهمالها في ليبيا، وأهمها الاستقرار طويل الأمد.

رغم موقفها العلني الضبابي، إلا أنه يمكن فهم سياسة تركيا المذكورة تجاه ليبيا، من خلال تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نهاية (إبريل) الماضي، وحديثه عن “منع المؤامرة عن ليبيا” وفق تقريرٍ نشرته وكالة “روسيا اليوم” في 30 إبريل الماضي؛ حيث اعتبر مسؤولون ليبيون من الحكومة الوطنية في حينه أن أردوغان يشير بتصريحه هذا إلى “انتهاك واضح للسيادة الليبية”. كما أشار التقرير ذاته إلى “تحضيرات تركية لدعم مقاتلي ميليشيات حكومة الوفاق بطائرات دون طيار ومقاتلين”.

يأتي هذا الموقف التركي منسجماً مع سياستها الخارجية العامة التي لا تنظر إلى عواقب تحقيق مصالحها (الاقتصادية) حتى على حساب إقصاء أطراف أخرى، وفي الحالة الليبية يتجلّى ذلك بعدم مراعاة مصالح دول الجوار في ظل الحرص على استمرار حالة الفوضى ودعم الاستقرار، مما يبقي مستقبل ليبيا في المجهول.

ربما يعجبك أيضا