إسقاط طائرة واشنطن المسيرة.. رسالة إيرانية جديدة تعزز التوتر

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

غيوم جديدة تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ومسار جديد من التوتر بضرب العلاقات بين الدولتين، بعدما أسقط صاروخ سطح/ جو إيراني طائرة أمريكية مسيرة فوق مضيق هرمز كانت على مسافة 17 ميلًا من الأجواء الإيرانية، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية. وقال مصدر في البنتاجون، إن الطائرة من طراز إم. كيو-4 سي (MQ-4C) وتتبع للبحرية الأمريكية كانت في مهمة استطلاع، واصفًا إسقاطها بأنه عمل استفزازي.

وقال قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، إن بلاده “ليس لديها أي نية لخوض حرب مع أي بلد، لكننا مستعدون للحرب”. ويأتي الحادث بعد أيام من تأكيد الجيش الأمريكي أن إيران حاولت إسقاط طائرة أمريكية مسيرة، الأسبوع الماضي؛ وفي السطور التالية حاولت “رؤية” أن تلقي الضوء على آراء عدد من الخبراء والمتخصصين حول الحادث وتبعاته وتأثيره على العلاقات الأمريكية الإيرانية في المرحلة المقبلة.

رد واشنطن

وقال الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، إن هذه ليست المرة الأولى التي تسقط فيها الدفاعات الإيرانية طائرات مسيرة أمريكية، فقد حدث هذا من قبل في العام 2011؛ وهي الحادثة التي منحت إيران فرصة لأن تتعرف على الكثير من تقنيات تصنيع هذه الطائرات، الأمر الذي ساعدها على أن تطور من إمكانياتها في هذا المجال فيما شهدنا أيضًا محاولة آخر لإسقاط طائرة أمريكية مسيرة فوق المنطقة التي شهدت استهداف ناقلتي نفط في بحر عمان قبل أيام.

وأضاف الهتيمي في تصريحات لـ”رؤية” في اعتقادي أن إسقاط إيران لهذه الطائرة يحمل رسالتين في غاية الأهمية تبعث بهما بالأساس إلى الولايات المتحدة، الأولى أن أمن إيران وحدودها خط أحمر ومن ثم فإن أية محاولة مهما كانت للاقتراب من هذه الحدود لا بد وأن تواجه وبلا تردد بقوة وبحسم إذ التراخي في هذه الحالة سيدفع الأمريكيين إلى استباحة المزيد.

وأما الرسالة الثانية – والتي ربما تكون الأخطر – هو أن إيران أعلنت عن امتلاكها القدرة العسكرية لاستهداف مثل هذه الطائرات المسيرة التي يصعب على الدفاعات الصاروخية استهدافها يدعم ذلك ما شهدناه في المملكة العربية السعودية طوال الأسابيع الماضية؛ إذ نجحت العديد من الطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون في استهداف بعض من المنشآت الحيوية داخل المملكة دون القدرة على إسقاطها من قبل الدفاعات الصاروخية أمريكية الصنع، الأمر الذي سيدفع الأمريكيين بطبيعة الحال إلى التفكير جيدًا في حقيقة القدرات الإيرانية وعدم الاعتماد على التشكيك الدائم في هذه القدرات بعد أن تبين مرات ومرات أن الكثير من الدعايا الإيرانية لا يعدو عن كونه “بروبجندا” فحسب.

مشيرًا إلى أن هذه الحادثة الجديدة تأتي إهدارًا جديدًا لماء وجه الولايات المتحدة؛ إذ وعلى مدار الشهرين الماضيين تم وضع أمريكا في مأزق سياسي لا تحسد عليه إذ مارست الكثير من الضغوط السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية عبر الحشد العسكري في المنطقة ومع ذلك فإن الرد الإيراني دائمًا كان يتسم بالصمود والتحدي بل واتخاذ إجراءات استفزازية دون رد فعل مناسب من قبل أمريكا أو حلفائها؛ وهو ما منحها الكثير من الثقة في النفس دعمها التصريحات التي تصدر عن القادة الأمريكيين وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب بأن بلاده لا ترغب في الدخول في حرب مع إيران بل وإثارة حالة من الجدل الشديد في الداخل الأمريكي بشأن صلاحيات الرئيس في التحرك العسكري.

وأما عن رد الفعل الأمريكي، أكد الهتيمي أنه مرهون – حتى اللحظة – بما ستكشف عنه التحقيقات حول أي الروايتين أصدق، الأمريكية أم الإيرانية، فيما يخص المكان الذي كانت تحلق فيه الطائرة عند استهدافها، هل هو فوق المياه الدولية أم بالقرب من الحدود الإيرانية غير أنه وفي حال ثبتت صحة الرواية الأمريكية القائلة بأن الطائرة لم تكن تحلق فوق الأجواء الإيرانية فإن هذا سيكون نقطة ضغط شديدة على القادة الأمريكيين بضرورة اتخاذ خطوات تحفظ ماء الوجه الأمريكي.

حرب مدمرة

وقال الباحث اليمني، محمود الطاهر، إن إيران ماضية في التشبث بمواقفها، وتعمل على كسب الوقت رافضة أن تركع لإدارة دونالد ترامب في الوقت الحالي، وهي خيارات ربما تعمل عليها، إضافة إلى رسائل ترسلها بين الفينة والأخرى للولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، تارة بإرسال ذئابها الإرهابية إلى قوافل تجارية التي تمر على خليج عمان أو مضيق هرمز، وتارة بإسقاط الطائرات الاستطلاعية الأمريكية، وهذا يضاف إلى ما يقوم به أدواتها الحوثيين تجاه الأهداف المدنية في الممملكة العربية السعودية، وكذلك المنطقة الخضراء في العراق.

وأضاف الطاهر لـ”رؤية” هذا كله يجعل الجانب الأمريكي يعي تلك الرسائل، واعتقد أن إيران ليس بصعبة على أمريكا، لكن الحرب ستكون كارثية على دول المنطقة، ولهذا تسعى المملكة العربية السعودية ودول الخليج بسعي مسؤول لوقف هذا التوتر.

مشيرًا إلى أن الدخول في حرب مباشرة مع إيران ستكون تكلفتها باهظة والنتائج غير مضمونة العواقب، ولهذا لا بد من تقليم أذرعها أولًا في المنطقة وخاصة الحوثيين وحزب الله وبعد ذلك حصارها في منطقتها، لأن اشتعال الحرب في الوقت الحالي ستكون عبر أدوات وليس موجهة مباشرة، لذا سيكون العرب الخاسر الوحيد من أي حرب تدخلها إيران.

وتابع الباحث اليمني قائلًا: غالبًا ما أتحدث أن إيران تمثل للولايات المتحدة الأمريكية الدجاجة التي تبيض ذهبًا، وهي البعبع الذي يهدد بها الخليج من أجل كسب الأموال، ولهذا منذ أكثر من 20 عامًا، لم تجد أن هناك حربًا بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، إلا في إطار المراوغة وتنفيذ المسرحية علينا نحن كعرب، ولهذا أصبحت المنطقة العربية، كساحة منصوب عليها حلبة مصارعة، والمتصارعان هما أمريكا وإيران، والجمهور العربي هو المشاهد، لكن لا أحد من المتصارعين داس قد الآخر منذ ذلك الوقت.

مواجهة مباشرة

وأكد الباحث في الشأن الإيراني، محمد شعت، أن لجوء إيران إلى إسقاط طائرة مسيرة أمريكية يأتي كخطوة من جانب النظام الإيراني لإثبات الوجود والقدرة على الرد؛ ومحاولة لتحسين صورتها أمام أتباعها وزملائه ووكلائها.

وأضاف شعت في تصريحات خاصة إنه بهذه الخطوة من الجانب الإيراني، انتقلت المواجهة من المواجهة غير المباشرة إلى المواجهة المباشرة مع واشنطن؛ وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد بين الجانبين.

واعتقد أن أمريكا لن تترك الأمر يمر مرور الكرام خاصة وأنه يتعلق بهيبة الولايات المتحدة التي أكدت أكثر من مرة أن قواتها في الخليج للردع وليست للدخول في حرب، مشيرًا إلى أن التصرف الأخير غير المحسوب من إيران يضعها في مأزق خاصة وأنها غير قادرة على مواجهة واشنطن عسكريًا، وبالتأكيد هذا التصرف سيدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات وعقوبات أشد وطأة تجاه طهران.

عقوبات شكلية

وقال الباحث في الشؤون الإيرانية، يوسف بدر، إن إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة تم داخل الأراضي الإيرانية، وهذه ليست المرة الأولى، في حين تبدو التصريحات الأمريكية متخبطة.

وأضاف بدر لـ”رؤية” لا أتوقع نشوب الحرب بعد إسقاط إيران الطائرة الأمريكية، ولكن الأمور في توتر متصاعد، والدليل أن واشنطن ماضية في إجراءاتها التصعيدية لمحاصرة طهران عسكريًا واقتصاديًا، وإن كانت الأمور تشير إلى حزمة قرارات جديدة تتضمن مزيد من العقوبات سواءً اقتصادية أو عسكرية بعد حادث الطائرة.

مشيرًا إلى أن كلا الطرفين باتا مصرين على مطالبهما، وقد تلجأ أمريكا إلى اتخاذ عقوبات شكلية على قطاعات عسكرية إيرانية، وطالما أن الحادث لم يشهد خسارة في الأرواح فهو أشبه بالتشويش.

ربما يعجبك أيضا