استراتيجيات الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة غير الشرعية القادمة من أفريقيا

مراسلو رؤية

دراسة بقلم / أسامة عبد الرحمن أبو بكر
باحث بمركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية

لم تكن الهجرة بمختلف تكييفاتها القانونية أمرًا مستجدًا في القارة الأوربية أو في أفريقيا، فقد ظلت حركة البشر بين القارتين منذ أمد بعيد نشطة، وحديثا ظلت الدول الأوربية تغض الطرف عن الهجرة غير المقننة بل وتشجعها في أحيان كثيرة نسبة لحاجتها الماسة للأيدي العاملة الرخيصة. الحديد في أمر الهجرة غير الشرعية الذي أثار حولها ضجة كبيرة هو التصورات الجديدة للأوربيين الذين يرون أن المهاجرين سوف يهددون مصالحهم الاقتصادية وينافسوهم في الوظائف، وغلفت هذه الدعوى بنوع من الحركة القومية التي بدأت تخوف الأوربيين من اندثار هويتهم الثقافية وإحلال مجموعات دخيلة محلها الأمر الذي أدى إلى ظهور موجة اليمين المتطرف المعادي للأجانب في أوربا.

وظاهرة الهجرة غير الشرعية تعد إحدى الظواهر الدولية التي باتت تشغل الدول والحكومات بل والمنظمات الدولية والقارية، والهجرة غير الشرعية من القارة الأفريقية إلى القارة الأوربية مثلت ظاهرة مقلقة للحكومات في القارتين، والتصدي لهذه الظاهرة اتخذ أشكالا مختلفة، وهذه الورقة تسعى للإجابة على تساؤل أساسي مفاده؛ هل وضع الاتحاد الأوربي من الاستراتيجيات والسياسات والإجراءات للحد من الهجرة غير الشرعية القادمة من القارة الأفريقية؟ 

وتهدف الدراسة إلى الوقوف على الاستراتيجبات التي وضعها الاتحاد الأوربي للحد من الهجرة غير الشرعية، وكذلك مدى ملائمة السياسات والإجراءات المتبعة لمعالجة حركة الهجرة غير الشرعية إلى أوربا، والتعرف على مدى اتساق أو تباين الرؤى بين دول الاتحاد حول التعامل مع الهجرة غير الشرعية.

أولا: مفهوم ظاهرة الهجرة غير الشرعية
تعد الهجرة إحدى الظواهر البشرية المتعلقة بانتقال البشر من مكان إلى مكان آخر بهدف البحث عن الأمن أو تحسين مستوى المعيشة، ولم تتحول الهجرة إلى قضية قانونية إلا بعد تشكل الدولة القومية حيث ظهرت الحدود وتصاعدت مشاعر القومية بين سكان الدولة. وتعرف الهجرة في علم السكان (الديموغرافيا  (Demography بأنها الانتقال – فرديا كان أم جماعيًا – من موقع إلى آخر بحثًا عن وضع أفضل اجتماعيا أم اقتصاديا أم دينيا، أما فى علم الاجتماع فتدل على تبدل الحالة الاجتماعية كتغيير الحرفـة أو الطبقة الاجتماعية وغيرها وتعد الهجرة السرية أو غـير القانونيـة أو غير الشرعية أو غـير النظاميـة ظـاهرة عالميـة موجــودة في الــدول المتقدمــة كالولايــات المتحدة الأمريكية، والاتحـاد الأوروبـي أو في الـدول الناميـة بآسـيا كـدول الخلـيج ودول المشرق العربي، وفي أمريكـا اللاتينيـة حيـث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنـزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قـادمين مـن دول مجــاورة، وفي أفريقيــا حيــث الحــدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بتاتا بالنـسبة للقبائل المجاورة حـواجز عازلـة وخاصـة في بعـض الـدول مثـل سـاحل العـاج ونيجيريا.[1]

 تطور مفهوم الهجرة غـير الـشرعية في الأدبيات القانونية، فبعد أن كـان يطلـق عليهــا في بدايــة الأمــر الهجــرة غــير الموثقــة (Undocumented Migration) تطــور المفهــوم ليـــصبح الهجـــرة غـــير الـــشرعية Illegal Migration)) وبعد ذلـك ارتـبط هـذا المفهـوم بمصطلح الأمن البـشري (Migration and Human Security) ثم أخذ مصطلح الهجرة غير الشرعية يـرتبط إلى حد كبير بتجـارة البـشر (Human Trafficking) وأيـــضا بالجريمـــة المنظمـــة عـــبر الوطنيـــة ((Transnational Organised Crimes.[2]
تعرف المنظمة الدولية للهجرة  مفهوم الهجرة غير الشرعية على أنها)حركة افراد تنتهك قواعد دول المصدر والعبور والاتجاه، فمن ناحية الدول المتجه اليها فالدخول غير الشرعي يعني الإقامة أو التوظيف في بلد لا يملك فيه المهاجر الوثائق القانونية التي يتطلبها الدخول للبلد، ما يعني أن الفرد عبر حدودًا دولية دون أن يحمل جواز سفر أو وثيقة سفر صحيحة أو عدم امتثاله للمتطلبات الإدارية للخروج من هذا البلد).[3]

الاتحاد الأوربي يستخدم مفهوم الهجرة غير الشرعية في السياسة العامة الأوربية للهجرة غير الشرعية على أنها (الدخول والبقاء غير الشرعي في الدول الأعضاء). أما المفوضية الأوربية للهجرة غير الشرعية فتعرفها على أنها (ظاهرة متنوعة تشمل أفرادًا من جنسيات مختلفة يدخلون إقليم الدولة العضو بطريقة غير مشروعة عن طريق البر أو البحر أو الجو بما في ذلك مناطق العبور والمطارات، ويتم ذلك عادة بوثائق مزورة أو بمساعدة شبكات الجريمة المنظمة من المهربين والتجار)[4]

يمكن تعريف الهجرة غير الشرعية في هذه الورقة على أنها عملية التخطيط المسبق ومن ثم الشروع في تنفيذ انتقال من دولة إلى أخرى تسللا دون تأشيرة دخول، أو تصريح بالإقامة، أو العمل، أو المرور، من قبل السلطات المعنية بتنظيم الهجرة والجنسية، والبقاء بتلك الدولة بطريقة لا يبيحها القانون المحلي للدولة[5]

ثانيا: الاقترابات النظريات المفسرة لظاهرة الهجرة غير الشرعية:

يرجع هذا الاتجاه اندفاع بعض السكان إلى تغيير مواطنهم وتضطرهم إلى الهجرة ولو كانت غير شرعية أو غير قانونية إلى عوامل اقتصادية جمة من أهمها البطالة وعدم توفر فرص العمل التي تكفل لهم خاصة فئة الشباب تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، أيضا فإن البحث عن مســتوى اقتصادي وحياتي أفضل من بين العوامــل التي أكدت النظريات الاقتصادية أهميتها في فهم هذه الظاهرة، كذلك النظريــة الاقتصادية دور الأزمات الاقتصادية التي يشــهدها المجتمع، فهذه الأخيرة تنعكس ســلبًا على الأحوال المعيشــية للأفراد، الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عن أماكن أخرى يتوقعون أن يحققوا فيها طموحاتهم بسهولة وبطرق مشروعة وآمنة.

تقوم فرضيات هذه النظرية على تاثير عوامل الحذب والطرد، فتشــكل العوامل الاقتصادية بالنســبة للهجرة عامة وغير الشرعية خاصة عوامل جــذب في مجتمع ما، وعوامل طرد في مجتمع آخر، فتردي الأوضاع يدفع الأفراد خاصة من فئة الشباب إلى الهجرة ولو كانت بشكل غير شرعي، في المقابل فإن الرخاء، وتحسن الظروف المعيشية في المجتمع وارتفاع مستوى الدخول وتوفر فرص العمل جميعها عوامل جــذب لأولئك المحرومين والعاجزين عن تحقيــق طموحاتهم في مجتمعاتهم القريبة أو المجاورة وهذه تقودهم لتبني اتجاهات إيجابية نحو الهجرة للمجتمعات الأحســن حظا في التنمية والتقدم.

وبناء عليه يمكن القول: إن الهوة الشاسعة بين حال الشعوب وأوضاعهم في الدول المتقدمة من جانب والدول الفقيرة من جانب آخر أســهمت في دفع الكثيرين إلى اتباع دروب الهجرة غير الشرعية بما فيها من مخاطر مجازفة خاصة بعد انتشار الإعلام الفضائي، وشيوع الأخبار والصور عن أوضاع الناس بتلك المجتمعات.[6]

ثالثًا: تطور ظاهرة الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوربا:
جاء في تقرير الهجرة للعام 2018 الصادر من وكالة الأمم المتحدة للهجرة IOM أن تواجه منطقة شمال أفريقيا, باعتبارها منطقة رئيسية لعبور المهاجرين القادمين من العديد من البلدان الواقعة جنوبها تحديات في مجال الحماية ترتبط بالهجرة غير النظامية إلى أوربا. ففي الفترة الممتدة من عام 2011 إلى عام 2016 مر قرابة 630000 شخص عبر ”طريق وسط البحر الأبيض المتوسط” للوصول إلى إيطاليا. وفي عام 2016 وحده لوحظ أن أكثر من 181000 شخص مروا عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط (وهي طريق الوصول الرئيسية التي سلكها المهاجرون غير النظاميين للوصول إلى أوربا في عام ، 2016وصل غالبيتهم إلى إيطاليا .

وكان معظمهم قد انطلق من ليبيا (حوالي ١٠ في المائة) على أن بلدانا أخرى تشكل نقطة المغادرة وتشمل مصر والجزائر وتونس . وقدم أغلب الأشخاص الذين حلوا في إيطاليا في عام 2016 من غرب أفريقيا وشرقها (نيجيريا وإريتريا وغينيا وكوت ديفوار وغامبيا والسنغال ومالي والصومال)، وطلب أكثر من نصفهم اللجوء . وشكلت النساء 13 في المائة (حوالي 24000) من مجموع المهاجرين الذين حلوا في إيطاليا في عام 2016، وتجاوز عددهم 180000 شخص؛ بينما شكل الأطفال 15في المائة منهم (28000) – غالبيتهم العظمى (91في المائة) أطفال غير مصحوبين بذويهم. وقد زادت نسبة الأطفال؛ بمن فيهم الأطفال غير المصحوبين بذويهم. وسافرآخرون من المغرب والجزائر إلى إسبانياء على طول ما يسمى طريق ‘”‘غرب البحر الأبيض المتوسط””. وتتسم هذه الممرات بتحديات كبرى في مجال الحماية وتعرف انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان؛ تشمل الموت غرقا وفي الصحراء وفي أماكن عبور أخرى؛ وفقدان المهاجرين؛ والاستغلال؛ والإيذاء الجسدي والنفسي والاتجار والتهريب والعنف الجنسي والجنساني والاحتجاز التعسفي والسخرة، وطلب الفدية والابتزاز، وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان. وأصبح بعض المهاجرين أيضاً – بمن فيهم اللاجئون – عالقين في المنطقة.[7]

على مستوى الداخل الأوربي هنالك مشاعر سلبية متزايدة تجاه المهاجرين بشكل عام والمهاجرين غير الشرعيين بصفة خاصة، وسياسيا يبدوا ذلك في صعود اليمين المتطرف في العديد من الانتخابات المحلية التي جرت مؤخرا داخل دول الاتحاد الأوربي، حيث مثلت قضية مناهضة الهجرة المكون الرئيسي في خطابهم السياسي.  وفي بعض الأحيان بعبارات معادية للمهاجرين في الخطاب السياسي وفي السياسات ووسائط الإعلام. وقد أكدت العديد من الدراسات المسحية أن النظرة إلى المهاجرين في كثير من المجتمعات الأوروبية سلبية، فقد خلصت دراسة استقصائية أجريت في مايو 2015 إلى أن هجرة الأشخاص من خارج الاتحاد الأوربي تثير شعورا سلبيا لدى غالبية الأوربيين (56 في المائة)  وفي ١٠ بلدان أوربية: أفاد حوالي56  في المائة في المتوسط من عامة الناس بضرورة وقف أي هجرة إضافية في بلدهم ولا سيما من البلدان الإسلامية . ويفرط كثير من الأوروبيين في تقدير عدد المهاجرين والمسلمين في بلدهم. ويمكن أن تكون لهذه التصورات السلبية تجاه المهاجرين انعكاسات ملموسة. [8]

ففي نوفمبر 2016 أشارت وكالة الاتحاد الأوربي للحقوق الأساسية إلى أن أعمال العنف والمضايقة والتهديد وخطاب كره الأجانب التي تستهدف طالبي اللجوء والمهاجرين أمور خطيرة سواء كان مرتكبها سلطات الدولة أم الشركات الخاصة أم الأفراد أم مجموعات الحراسة، ويشكل استمرار التصورات السلبية تجاه الهجرة تحديات أمام جهود الحكومات الرامية إلى تعزيز الاندماج. ومع ذلك فإن النقص المتوقع في العمالة والمهارات في الأجلين القصير والمتوسط سيطرح تحديات أمام آفاق العمل والنمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال؛ تقدر التوقعات السكانية نقص أكثر من 41 مليون شخص في عرض اليد العاملة في الاتحاد الأوربي بين عامي 2023 و 2060. وفي سياق شيخوخة السكان الأوربيين؛ يمكن أن يسهم المهاجرون إسهاماً اقتصادياً هاما إذا أدمجوا جيدا في الوقت المناسب بدءا بالإدماج المبكر في التعليم ثم في سوق العمل.[9]

فإذا كانت الهجرة تمثل تحديًا وفرصة في ذات الوقت بالنسبة لأوربا فمن المتوقع أن ينعكس ذلك في استراتيجيات وسياسات الاتحاد الأوربي تجاه هذه الظاهرة.

رابعا: الاستراتيجات الأوربية للتعامل مع الهجرة غير الشرعية:
فـي حـيـن تتمثّل الإشـكـالـيـة الـخـامـسـة والأخـــيـــرة فـي مـحـاولـة معظم دول الاتـحـاد الأوروبــــي ومؤسساته إيجاد نوع من التوازن ما بين )الرغبة في منع وتقييد الهجرة غير الشرعية وطلبات الـلـجـوء السياسي إلـيـهـا(، ومـا بين )احـتـرام قيم حـقـوق الإنـسـان وحـقـوق المهاجرين واللاجئينالسياسيين.
( ففي مجال الهجرة واللجوء السياسي، يمكن التمييز بين نوعين من الأطر النظرية التي تحكم الفكر الأوروبي للتعامل معها: الإطار الواقعي للأمن الداخلي والإطار الليبرالي المتعلق بحقوق الإنسان. يركز الإطار الواقعي على مسألة ّ التحكم في الحدود وعلى فكرة سيادة الدولة. أما الإطار الليبرالي، فعلى النقيض من ذلك، يتبع منظوراً إنسانياً يركز على الأفراد، ويُعلي من قيمة حقوق الإنسان. وبالتالي، يتمحور مركز التفكير في الحفاظ على حقوق الأفراد والإنسان، ويعني ذلـك أن يتمتع اللاجئ السياسي بحقه في الحصول على الحماية والــدخــول في إجـراءات حماية اللاجئين.

وهناك ّ توجهان رئيسان في أوروبـا لمواجهة تلك الإشكالية: يطالب الاتجاه الأول بضرورة تقوية ّ التحكم فـي الـحـدود الأوروبـــيـــة، مـن خـلال زيــادة دوريــــات الاسـتـطـلاع وتـدعـيـم دور وكالة فرونتكس، إجراء حدودي جديد: سيتم توجيه الأشخاص الذين تم رفض طلبات لجوئهم خلال إجراءات الحدود مباشرة نحو إجراء مبسط للعودة ، مع عدم وجود فترة للمغادرة الطوعية وحدود زمنية أقصر للاستئناف. وسيضمن ذلك إمكانية تبني قرارات العودة بسرعة وتنفيذها بالكامل على الحدود وفي المراكز الخاضعة للمراقبة ؛، بينما يرى الاتجاه الثاني أن وضع قيود أكبر على الحدود الأوروبية سيؤدي فقط إلى تقليل خيارات المهاجرين المتعطشين للهجرة إلى أوروبا، وسيدفعهم على نحو أكبر وأعمق إلى براثن ّ مهربي المهاجرين ّ وتجار الهجرة غير الشرعية. ويرى خالد قصير أن الاتجاه الأخير هو السائد بين معظم صانعي القرار في أوروبا. ففي قمة المجلس الأوروبي في بروكسيل، في أواخر أكتوبر ٢٠١٣، اعترف قادة الدول الأوروبية بالحاجة إلى تقوية دوريات الاستطلاع مـن خـلال وكـالـة فرونتكس.[10]

خامسا: سياسات وإجراءات الاتحاد الأوربي تجاه الهجرة من أفريقيا:

1.  التعامل الأمني مع الهجرة غير الشرعية:
 وفي سياق  تحول الهجرة إلى قضية أمنية في أوروبا، قررت الدول الأوروبية الأعضاء تأسيس وكالة أوروبية للتعاون وإدارة الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي التي أصبحت تُعرف باسم (فرونتكس FRONTEX)الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود.( وكان قد  تم تأسيس هذه الوكالة فـي  ٢٦تشرين الأول/أكـتـوبـر  ٢٠٠٤بـهـدف رئـيـس هـو دعـم الـتـعـاون مـن الناحية العملية بين الـدول الأوروبية في ما يتعلق بالحدود الخارجية الأوروبـيـة، وذلـك في ضوء تزايد معدلات تدفق المهاجرين غير الشرعيين وتوسع الاتـحـاد الأوروبـــي والـربـط الأوروبـــي المباشر بين المهاجرين والإرهـاب في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر  .٢٠٠١وبدأت هذه الوكالة العمل بالفعل في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٥ وأسست مركزها الرئيس في (وارسو)، وتمثلت مهمتها الأساسية في حراسة الحدود لا سيّما ساحل البحر المتوسط، وتطوير نظام الحراسة على الحدود الخارجية من خلال تنسيق عمليات مشتركة لدولها الأعضاء. [11]

التعامل الأمني ظل هو القاعدة في تناول دول الاتحاد الأوروبـي لقضية الهجرة غير الشرعية، فقد قامت دول الاتحاد الأوروبـــي بإنشاء مراكز اعتقال خاصة بالمهاجرين غير الشرعيين، الذين يتم إلقاء القبض عليهم على السواحل الأوروبية، حيث يُحتجزون بها حتى يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. وقد سمح القانون الجديد، الذي كان قد صـدر عن البرلمان الأوروبـي في العام  ،٢٠٠٨باحتجاز المهاجرين غير الموثّقين، وطالبي اللجوء الـذيـن لـم يُـوافـق على طلباتهم لمدة أقصاها  ١٨شـهـراً، مـع السماح بحظر دخولهم إلى الاتحاد لمدة خمس سنوات.[12]

2.  التعامل القانوني مع الهجرة غير الشرعية:
قـامـت فرنسا كذلك بتغيير قــانــون الهجرة فـي عـام  ،٢٠١٢حيث لـم ُ يعد القانون الجديد يعتبر الهجرة غير القانونية جريمة، كما كان الحال من قبل، وكان القانون السابق ّ يعرض كل مهاجر غير قانوني للحبس الاحتياطي لمدة قد تصل إلـى  ٣٣ يـومـاً. ويتماشى القانون الجديد مع مقررات محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، التي تمنع اعتقال المهاجر غير القانوني إلا في الحالات التي يرتكب فيها مخالفات أخرى يعاقب عليها القانون بالسجن، ّ ويعوض القانون الحالي السجن بالطرد. ويعتبر قانون الهجرة الفرنسي، من أكثر القوانين مرونة في التعامل مع المهاجرين غير القانونيين، إذ يمنح هؤلاء المهاجرين بعض الامتيازات التي لا توجد في القوانين الأوروبية الأخرى، مثل الحق بالعلاج.

بالنسبة إلـى إسبانيا، ّ يـنـص قــانــون  ٢٠٠٩ كـذلـك على طـرد المهاجرين غير القانونيين، ويمكن أن تُعوض عقوبة كل مهاجر غير قانوني ارتكب جناية صدر في حقه بمقتضاها حكم بالسجن لمدة لا تتجاوز  ٦سنوات، بالطرد. ويفرض القانون نفسه غرامة تتراوح بين عشرة آلاف ومئة ألف يورو على كل من يتورط في إدخال مهاجرين غير قانونيين، وهي العقوبة نفسها التي. تُفرض على من يُ ّ شغلهم، مع إقفال محل الشغل لمدة تتراوح بين ( ٦أشهر و ٥سنوات) أمـا أكـثـر الـبـلـدان صـرامـة فـي الـتـعـامـل مـع الـهـجـرة غـيـر الـقـانـونـيـة فـي الـمـدة الأخــيــرة فهي بريطانيا، التي غيّرت قانونها بقانون جديد صدر في مــارس  ٢٠١٣، وهو يسمح باعتقال المهاجرين غير القانونيين، ويحرمهم فتح حساب بنكي، وذلك من خلال إلزام المؤسسات البنكية بالكشف عن هوية كل زبون (مهاجر) يوجد في وضعية غير قانونية، كما أنه يحرمهم العلاج، بما في ذلك الحالات المستعجلة والأمراض المعدية، ويطلب من الأطباء الإبلاغ عن مرضاهم الذين يوجدون في وضعية غير قانونية. ويمنع القانون نفسه أصحاب المساكن، تاجيرها لمهاجرين غير قانونيين، ّ ويتعرض من يقوم بذلك لعقوبات. وتفرض العقوبات بصرامة أكبر، على من ّ يشغل كل مهاجر غير قانوني، بحيث قد تصل الغرامة المالية في هذه الحالة إلى  ٢٠ألف يورو.

3.  التعاون مع الدول الأفريقية المصدرة للمهاجرين:
دعا اجتماع خاص للمجلس الأوروبي إلى عقد قمة دولية لمناقشة قضايا الهجرة مع البلدان الأفريقية الرئيسية المعنية. عُقدت القمة في فاليتا ، مالطا نوفمبر 2015. واجتمع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية والأفريقية في محاولة لتعزيز التعاون، والتصدي للتحديات والفرص الحالية للهجرة بين المنطقتين. اعتمد القادة الأوروبيون والأفارقة إعلانًا سياسيًا يسجل قلقهم المشترك بشأن الزيادة الحادة في تدفقات اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا إلى أوروبا ، والحاجة إلى إدارة تدفقات الهجرة من جميع جوانبها ، بما في ذلك عن طريق:
�  معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية والتهجير القسري.
�  تعزيز إمكانيات الهجرة القانونية والتنقل.
�  تعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية.
�  منع ومكافحة تهريب المهاجرين ، والقضاء على الاتجار بالبشر.
�  تخصيص الموارد المناسبة لهذه الغايات.

رافق الإعلان السياسي خطة عمل مشتركة مبنية على خمسة مجالات ذات أولوية:
أ-  معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية والتهجير القسري ، بما في ذلك عن طريق الاستثمار في التنمية والقضاء على الفقر ؛ ومعالجة عدم الاستقرار والأزمات.

ب-  تعزيز التعاون في مجال الهجرة القانونية والتنقل ، بما في ذلك عن طريق تشجيع القنوات المنتظمة للهجرة والتنقل من البلدان الأوروبية والأفريقية وفيما بينها.

ج-  تعزيز حماية اللاجئين وغيرهم من المشردين ، بما في ذلك عن طريق دعم إدماج اللاجئين والمشردين على المدى الطويل في المجتمعات المضيفة ؛ تعزيز قدرات بلدان اللجوء الأول والعبور والمقصد ؛ وتعزيز الجهود المبذولة لتقديم المساعدة الإنسانية في البلدان الأكثر تضرراً من النزوح القسري.

د-  منع ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر ، بما في ذلك عن طريق صياغة وتنفيذ الأطر التشريعية والمؤسسية المناسبة ؛ تحسين جمع المعلومات الاستخبارية وتبادلها ؛ محاربة الفساد توفير معلومات حول فرص الهجرة القانونية ومخاطر الهجرة غير النظامية ؛ وتحسين نظم إدارة الحدود على الصعيدين الإقليمي والوطني.

هـ-   النهوض بعودة المهاجرين غير النظاميين الذين لا يحتاجون إلى الحماية الدولية ، سواء من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبلدان المنتسبة ، أو من بلدان العبور والمقصد الأفريقية ، وقبولهم وإعادة إدماجهم بصورة مستدامة.

لدعم تنفيذ خطة العمل المشتركة، أنشئ صندوق استئماني للطوارئ من أجل الاستقرار ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية والمشردين في أفريقيا. يهدف الصندوق الاستئماني إلى المساعدة في تعزيز الاستقرار والمساهمة في تحسين إدارة الهجرة. وبشكل أكثر تحديداً ، يهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية لزعزعة الاستقرار والتشريد القسري والهجرة غير النظامية ، من خلال تعزيز الفرص الاقتصادية والمتساوية والأمن والتنمية.[13]

الا ان هذا الجهد لم يحظ باهتمام كبير من الاتحاد الاوربي الامر الذي جعله قليل الاثر على حركة الهجرة غير الشرعية.

�  سادسا: نتائج الدراسة.
أثبتت التقارير الحديثة أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوربا قد ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وأن الاتحاد الأوربي وضعها على رأس أولوياته وكانت مثار جدل وخلاف بين دول الاتحاد الأوربي، وهنالك عاملان أساسيان أثرا على استراتيجية الاتحاد الأوربي في التعامل مع هذه الظاهرة وهي حماية المجتمع الأوربي من مخاطر أمنية قد تنجم من هذه الظاهرة والمحافظة على مبادئ حقوق الإنسان التي تضمن له حرية التنقل بل والحماية، ومن جانب آخر كان للتناقضات الداخلية بين دول أوربا واضحة التأثير في وضع السياسات تجاه الهجرة فبعض الدول الأوربية تعول على المهاجرين كقوة عاملة وتعمل على الاستعاضة بهم بعد تعرض مجتمعاتها إلى الشيخوخة، ودول أوربا التي تعاني من كثافة سكانية ومجتمع حيوي.

كانت معالجات الاتحاد الأوربي لهذه القضية مائلا أكثر إلى التعامل مع أعراض الظاهرة وليس أسباب الظاهرة، فجاءت حلوله أمنية في المقام الأول وكذلك قانونية حتى يتمكنوا من التخلص من المهاجرين غير الشرعيين، سياسات إغلاق الحدود أمام المهاجرين لم تحقق إلا النزر اليسير من أهدافها وظل المهاجرون يتدفقون إلى أوربا دون توقف.

لم يتعامل الاتحاد الأوربي مع جذور المشكلة وهي الأسباب الاقتصادية وما يترتب عليها من عنف وصراعات يجعل البيئة غير مواتية للشباب للاستقرار وبناء مستقبل في مناطقهم الاصلية، وافتقر الاتحاد الأوربي لوضع برامج بالتعاون مع الدول المصدرة للشباب لخلق بيئة مواتية لاستقرار الشباب اقتصاديا واجتماعية.

 ستظل الهجرة غير الشرعية تتدفق إلى أوربا ما لم يجد الشباب الأفريقي حلولا ناجعة لمشاكلهم داخل بلدانهم الأصلية.

وعليه توصي هذه الورقة بضرورة:

�  اهتمام الاتحاد الأوربي بالتنمية والاستقرار في أفريقيا كجزء أساسي لمعالجة الهجرة غير الشرعية.
�  التوسع في إتاحة الفرص للشباب للهجرة المقننة يضمن للمجتمع الأوربي تفادي الآثار السالبة للهجرة غير الشرعية، ويضمن للشباب هجرة آمنة من المخاطر.
�  ضرورة إعادة الاتحاد الأوربي النظر في سياساته الحالية تجاه الهجرة غير الشرعية.

المراجع
[1] CLAUDE-VALENTIN MARIEK , PREVENTING ILLEGAL IMMIGRATION: JUGGLING ECONOMIC IMPERATIVES, POLITICAL RISKS AND INDIVIDUAL RIGHTS, Council of Europe Publishing, September 2002,p 14.

2 سحر مصطفى حافظ، الهجرة غير الشرعية،  المفهوم والحجم والمواجهة التشريعية (مجلة هرمس ، العـدد 2، المجلد الثـاني، ص47).

3 بخوش صبيحة، الهجرة غير الشرعية وتداعياتها على منطقة شمال أفريقيا “الجزائر نموذجا”، (مجلة الدراسات الأفريقية وحوض النيل، المجلد 1 ، العدد الاول، مارس  2018ص.29)

 4محمد عبدالحفيظ الشيخ: السياسات والآليات الأوربية لمكافحة الهجرة غير الشرعية في ضوء تداعيات الثورة الليبية،  (مجلة الدراسات الأفريقية وحوض النيل – المركز الديمقراطي العربي، المجلد الاول- العدد الثالث، سبتمبر 2018،ص 122.)

5 السراني، عبدالله ســعود  العلاقة بين الهجرة غــير الشرعية وجريمة تهريب البشر والاتجار بهم، منشورات جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (الرياض ـ السعودية،2010، ص104).

6 عبدالله أحمد عبدالله المصراتي،  الهجرة غير الشرعية بالمجتمع الليبي: دراسة اجتماعية ميدانية على المهاجرين غير الشرعيين بمركز قنفودة بمدينة بنغازي، (المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، المجلد  ،30العدد ( 1٩3 ) الرياض (2014م)، ص 199.).

7 تقرير الهجرة في العالم للعام 2018، وكالة الامم المتحدة للهجرة، ص 75، على الرابط:  https://publications.iom.int/system/files/pdf/wmr_2018_ar.pdf

8  Moritz Eberla, Christine E. Meltzerb, The European media discourse on immigration and its effects: aliterature reviewJakob, available at:
https://www.researchgate.net/publication/326272166_The_European_media_discourse_on_immigration_and_its_effects_a_literature_review

9 المصدر السابق، ص 50.

10  State of the Union 2018 – Commission proposes last elements needed for compromise on migration and border reform, Strasbourg, 12 September 2018, available at: http://europa.eu/rapid/press-release_IP-18-5712_en.htm

11  أحمد طعــيـبة، الآليات المتخذة لمعالجة الهجرة غير الشرعية ومدى فعاليتها في احترام الحريات والحقوق الإنسانية، ورقة بحثية منشورة على الرابط:
https://revues.univ-ouargla.dz/index.php/numero-15-2016-dafatir/3118-2016-09-20-09-25-42

12 محمد مطاوع، الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة: الإشكاليات الكبرى والاستراتيجيات ّ والمستجدات، مركز دراسات الوحدة العربية، (مجلة المستقبل العربي، مج37, ع431، ص 31.)

13 Cooperation with African countries to regulate entry to Europe, The Andrew and Renata Kaldor Centre for International Refugee Law, at link: https://www.kaldorcentre.unsw.edu.au/cooperation-african-countries-regulate-entry-europe 

ربما يعجبك أيضا