تدخلات إيرانية.. محاولة لاستنساخ حزب الله في نيجيريا

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

تسعى إيران لإيجاد موطئ قدم لها في مناطق جغرافية متعددة حول العالم عبر إيجاد أقليات دينية تدين لها بالولاء، وغالبًا ما تسعى تلك المجموعات للتسليح عبر الدعم الإيراني السخي لتقوم بمواجهة دولتها، والمجموعات العرقية الأخرى، فإيران تمارس نفس الآلية لتعظيم نفوذها؛ ففي لبنان يتواجد حزب الله الذي يعد جيش مصغر داخل الدولة، ويدين بالولاء العلني لطهران، وكذلك في العراق توجد ميليشيات الحشد الشيعي التي يستصعي على الدول العراقية إعادة دمجهم داخل الجيش العراقي، ناهيك عن اليمن وسوريا.

أما عن أفريقيا فتسعى طهران لتعزيز وجودها بها عبر جذب جماعات عرقية تدين لها بالولاء لتعيد تكرار النموذج اللبناني، فنجد في نيجيريا حركة زكزاكي الشيعية، والتي دخلت في مواجهات مسلحة مع قوات الشرطة، وغيرها من الدول الأفريقية كالصومال وجيبوتي.

سقط 20 قتيلاً، على الأقل، في نيجيريا؛ بعد حالة التوتر التي سادت بين الأقلية الشيعية وقوات الشرطة في العاصمة أبوجا، إثر تدخّل إيران، ومطالبتها السلطات النيجيرية بالإفراج عن رجل الدين الشيعي النيجيري المعتقل، إبراهيم زكزكي، ونقله للعلاج في طهران.
وزاد دخول إيران على خط الأزمة الراهنة في نيجيريا حدّة التوتر، وقطع الطريق على إنهاء المواجهات المستمرة منذ أكثر من أسبوع.

نيجيريا؛ تلك الدولة الأفريقية التي تعاني ويلات الفقر والانقسام الداخلي، في ظلّ صراعات ممتدة، قبل أن تنال استقلالها من بريطانيا، عام 1960، ظلّت في صراعات مستمرة يغلب عليها الطابع الديني، لتتضاعف المسألة في العقد الأخير، مع تنامي خطر جماعة “بوكوحرام” المتطرفة، وتزايد المشكلات الاقتصادية بالغة التعقيد، بعد الانخفاض العالي لأسعار النفط، واستشراء الفساد السياسي والمالي، وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة في تقليل إحصائيات الفقر المتنامي.

حركة زكزاكي وإيران

كان المدعي العام الإيراني، حجة الإسلام محمد جعفر منتظري، قد طالب، الأسبوع الماضي، مسؤولي القضاء في نيجيريا بنقل زكزكي إلى طهران للعلاج.

ويطالب زكزكي بثورة إسلامية على غرار تلك التي قادها الخميني، عام 1979، وانتهت بإسقاط نظام الشاه. وتستمد الحركة الإسلامية في نيجيريا فكرها وأنشطتها من الثورة الإيرانية.

وتدعم إيران، سرّاً وعلانية، حركة زكزكي، ما حال دون التوصل إلى حلّ ينهي المواجهات الدموية التي تشهدها نيجيريا من حين إلى آخر.

وذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء، قبل أيام، أنّ منتظري أعرب في رسالة إلى نيجيريا عن أسفه وتأثره من الأنباء التي تفيد بتدهور الحالة الصحية لزعيم الحركة الإسلامية النيجيرية، إبراهيم زكزكي.

وانتقد منتظري ما وصفه بـ”النهج العسكري والأمني في التعامل مع زكزكي”، مطالباً المسؤولين النيجيريين بالعمل على استقلال القضاء وحماية حقوق مواطنهم السجين وتوفير الأرضية لإطلاق سراحه”.

وتحتجز السلطات النيجيرية زكزكي منذ  (ديسمبر) 2015، رغم صدور حكم قضائي، في  (ديسمبر) 2016، بإطلاق سراحه، ويُحاكم رجل الدين الشيعي النيجيري بتهم القتل والتجمهر بشكل غير قانوني، فيما يتعلق بأعمال العنف عام 2015، لكنّه ينفي تلك الاتهامات، ويصرّ على أنّ الحركة الاحتجاجية التي يقودها حركة سلمية.

وتقول منظمات حقوق الإنسان: إنّ نحو 400 من مؤيدي زكزكي قتلوا في المواجهات مع الشرطة منذ 2015، وخرج أعضاء الحركة الإسلامية في نيجيريا في مظاهرات بالعاصمة النيجيرية، أبوجا، للمطالبة بالإفراج عن زعيمهم إبراهيم زكزكي.

وتراهن طهران على حركة زكزكي للتمدّد في أفريقيا، انطلاقاً من نيجيريا؛ التي تشهد اضطرابات أمنية بفعل اعتداءات إرهابية تشنّها جماعة بوكو حرام المتشددة، والتي خلفت مئات القتلى، فيما تواصل الأقلية الشيعية، بدفع من طهران، احتجاجاتٍ تخشى السلطات النيجيرية من خروجها عن السيطرة، وتحوّلها إلى صراع طائفي مذهبي.

الوجود الشيعي في نيجيريا

يعود تاريخ الوجود الشيعي في نيجيريا إلى عام 1980، ويقدر عددهم، بحسب تقارير غير رسمية، بــ 3 ملايين شخص، معظمهم في منطقة “زاريا” بولاية “كادونا”، ويتزعم المجموعة إبراهيم الزكزكي، الحاصل على ليسانس الاقتصاد من جامعة أحمد بيللو، وقد اعتنق المذهب الشيعي، وبدأ في نشره، وأعلنه رسمياً في عام 1995؛ بعد حوار له مع صحيفة إيرانية.

تحظى الجماعة الشيعية بدعم كبير من طهران، من النواحي المادية والتسليح، واستغلت إيران الجماعات الصوفية في نيجيريا للتمدد داخل المجتمعات الفقيرة، وأنفقت على طلاب الخلاوي بسخاء، وتأسست جامعة المصطفى الإيرانية، التي تخضع لسلطة المرشد الأعلى الإيراني بشكل مباشر، وتمددت تلك الجامعة حتى دولة السنغال المجاورة.
جدير بالذكر، أنّ هذه المؤسسات لا تقوم بدور تعليمي فحسب؛ بل لها العديد من الأدوار الثقافية والاجتماعية، واستفادات الدولة الإيرانية من التنازع المتصاعد بين الصوفية والسلفية في التغلغل في المجتمع النيجيري، ومنذ البداية لم تظهر إيران عداء إزاء الجماعات الصوفية؛ بل بذلت بسخاء، وأظهرت تعاوناً منقطع النظير، وهذا ما جعل رموز الطرق الصوفية تغضّ الطرف عن مساعي الانتشار الشيعي، قبل أن تدرك بعد فوات الآوان، أنّ الخطر الشيعي أصبح أكبر مهدِّد للتعايش السلمي في البلاد.
تعمل إيران في أفريقيا، لتحقيق العديد من الأهداف، أهمها: تصدير الثورة المنصوص عليه في الدستور الإيراني، إلى جانب الخروج من العزلة السياسية الدولية، والبحث عن أسواق ومنافذ اقتصادية، ويظلّ الهدف الأهم؛ هو استخدام بعض الدول الإفريقية كمهدِّد إستراتيجي لبعض الدول، خاصة المملكة العربية السعودية، ورغم ذلك، فقد خسرت إيران الكثير من علاقاتها في إفريقيا؛ بسبب تدخلها في الصراعات المسلحة والنزاعات الأهلية، وكشفت تقارير “مركز بحوث تسليح الصراع”؛ أنّ الفترة من 2006 حتى 2010، شهدت تورّط إيران في نزاعات إفريقية، وأنّ كلّ 14 حالة كشف أسلحة إيرانية هنالك 4 حالات مع الجيش الحكومي، و10 حالات مع جماعات غير نظامية؛ حيث كانت إيران تدعم الانفصاليين في منطقة “كاسامانس” في السنغال، ومتمردي ساحل العاج وغامبيا، الأمر الذي تسبب لاحقاً بقطع علاقات تلك الدول مع طهران.

ربما يعجبك أيضا