كيف رسمت صورة المرأة السينمائية ملامح عصرها؟

أماني ربيع

أماني ربيع

سلكت السينما المصرية مسارًا موزايًا للسينما العالمية تقريبا منذ بدايتها، فبعد عام تقريبا على العرض الأول لـ”الإخوة لوميير” في باريس ديسمبر 1895، كانت الإسكندرية مدينة العرض الثاني في نوفمبر 1896في بورصة طوسون أو كما أصبحت اسمها الآن “محطة الرمل”، وعرضت نفس أشرطة العرض في القاهرة في نوفمبر من نفس العام أيضا.

وجاءت  باكورة إنتاجات السينما الروائية الطويلة عام  1927 بفيلمي “قبلة في الصحراء” ثم فيلم  “ليلى” إخراج إستيفان روستي، بعدها في عام 1930 خرج إلى النور فيلم “زينب” أول فيلم روائي مأخوذ من عمل أدبي للأديب محمد حسين هيكل، وأخرجه محمد كريم.

ورغم تزامن بدايات السينما المصرية مع بدايات القرن العشرين في وقت كانت المرأة فيه لا تزال واقعة تحت طائلة الكثير من القيود التي تحول بينها وبين الحرية، كانت المرأة أحد أعمدة هذا الفن الوليد في مصر ودعمت هذه الصناعة كمنتجة ومخرجة ومؤلفة، وهو الدور الذي ظل يتناقص بمرور الوقت عكس ما هو متوقع.

ولعل أول اسم يحضر في هذا الصدد هو اسم الرائدة عزيزة أميرة صاحبة أول فيلم مصري صامت “ليلى” التي لم تكتف بالإنتاج فأخرجت فيلم “بنت النيل”، وخاضت أيضا تجربة التأليف من خلال 16 عملا أهم “ابنتي” عام 1944، و”عودة طاقية الإخفاء” عام 1946.

ومنذ فيلم “ليلى” عام 1927، وحتى الآن مثلت المرأة جزءا كبيرا من نجاح الأفلام السينمائية بوصفها أنثى، وتدرج حضورها من مجرد وجودها كعنصر جمالي يعتمد على الشكل والملابس والغنج إلى معنى ورمز يواكب التطورات المجتمعية التي تحدث في البلاد وهو ما سنتناوله في التقرير التالي باستعراض ملامح تطور صورة المرأة في السينما المصرية.

بدايات تائهة

كانت عزيزة أمير أول بطلة نسائية في السينما بفيلم”ليلى” عام 1927، واستمرت في السنوات اللاحقة كممثلة ثم منتجة، ثم ظهرت أم كلثوم عام 1935 في أول أفلامها “وداد” وكان ظهورها معتمدا على شهرتها كمطربة أكثر منها كممثلة.

في تلك المرحلة لم تكن للبطلة ملامح محددة، وكانت السينما المصرية لا تزال تتلمس الطريق وتبحث عن هوية بعيدا، وكانت فاطمة رشدي ربيبة المسرح أحد نماذج الفيديت الهامة منذ فيلمها الأول “فاجعة فوق الهرم” مرورا بـ “العزيمة” عام 1939، لكن لا نستطيع أن نقول أن تجربتها كانت ناجحة جدا لأنها كانت مشتتة بين المسرح صاحب الفضل الأول على نجوميتها وبين السينما التي لم تكن طبيعتها تتناسب مع طبيعة الأداء المسرحي المبالغ الذي يعتمد على الإلقاء أكثر من التعبير بملامح الوجه.

الأربعينيات.. ثنائية الراقصة المطربة

ظهرت ليلى مراد لأول مرة في فيلم “يحيا الحب” مع المطرب محمد عبد الوهاب عام 1937، لتستمر بعد ذلك في الأربعينيات كنموذج للبطلة صاحبة الصوت الجميل التي تصنع لها الأفلام ليستمتع الجمهور بأغانيها المواكبة لمواضيع الأفلام، وتصدرت الأفلام الغنائية والاستعراضية تلك المرحلة التي كانت ليلى نجمتها بامتياز، حتى إن الأفلام كانت تسمى باسمها “ليلى بنت الفقراء”، “ليلى بنت الريف”، “ليلى بنت الأكابر” وغيرها.

على جانب آخر كانت هناك أو البطلة الراقصة، وأهم  نماذجها تمثل في تحية كاريوكا، ربيبة بديعة مصابني التي خرجت من الصالات لتنطلق سينمائيا، ثم سامية جمال التي مثلت ثنائيا سينمائيا ناجحا مع فريد الأطرش، ونعيمة عاكف.

وكانت أبرز ملامح البطلة الراقصة نعومة الملامح ورشاقة القوام، إلى جانب خفة الظل والحركة.

الخمسينيات.. براءة ورومانسية

مع بداية الخمسينيات، ظهر نجم فاتن حمامة طفلة ومراهقة الأربعينيات بقوة بعد نضوجها وتحولها إلى فتاة جميلة ورقيقة أصبحت نموذجًا مثاليًا للبطلة في ذلك الوقت بملامحها الهادئة البريئة وقوامها النحيف وصوتها الرقيق، فتاة “مكسورة الجناح” تبحث عن حبيب أو تجاهد للبحث عن حقوقها، وهو ما تم استنساخه مع بطلات أخريات مثل ماجدة ومريم وفخر الدين وشادية.

وبالتوازي مع هذا النموذج البريء ظهرت نجمة الإغراء ذات القوام الممشوق الذي نطلق عليه الآن “كيرفي”، شاهدنا هذا النموذج مع هند رستم في فيلم “الجسد” عام 1955، صباح في فيلم “وكر الملذات” عام 1957، وهند رستم، ثم هدى سلطان في “امرأة على الطريق” عام 1958.

واستطاعت ماجدة الصباحي أن تخرج عن هذا الإطار الذي حصر البطلة في أدوار لا تقدم جديدًا وقررت اقتحام عالم الإنتاج لتقدم المواضيع التي تستهويها ووقع اختيارها على رواية “أين عمري” للأديب إحسان عبد القدوس، الفيلم الذي أنتج عام 1957 يحكي عن فتاة بريئة تقرر التمرد على واقعها وتقول لا في وجه كل القيود، وقدمت أيضا فيلم “بنات اليوم” الذي تناول إشكالية حرية البنت في المجتمع المصري بالتعرض للتناقض بين شخصيتي الأختين سلوى وليلى.

وظهرت فكرة حرية المرأة بشكل أكثر نضجا في فيلم “أنا حرة” إنتاج عام 1959 عن قصة إحسان عبد القدوس، وهنا قد نعزو الطور في صورة المرأة بالسينما إلى لجوء المخرجين إلى النصوص الأدبية ما جعل مواضيع الأفلام أكثر عمقا وأقل سطحية من السابق.

الستينيات.. جرأة وتمرد

شهد عقد الستينيات موجات تحرر شملت كل المجالات، وليس الفن عنها ببعيد، وبدأت السينما في توجيه اهتمامها لقضايا الشباب والمرأة وتناول القضايا الاجتماعية المختلفة تغيرت معها صورة البطلة لتظهر على الشاشة أكثر جرأة، حتى نجمات الخمسينيات أنفسهن تغيرت ملامح شخصياتهن على شريط السينما مثل فاتن حمامة التي اتسمت أعمالها في تلك الفترة بالنضج ومعظمها مأخوذ عن أعمال أدبية مثل “دعاء الكروان لطه حسين، و”الباب المفتوح” 1963 للطيفة الزيات، و”الحرام” 1965 ليوسف إدريس، كذلك شاهدنا شادية في أدوار تؤكد على دور المرأة في المجتمع المصري الجديد بعد الثورة مثل “مراتي مدير عام” وإشكالية المرأة العاملة، و”كرامة زوجتي” و”شيء من الخوف”.

في تلك الفترة أيضا بدأ بزوغ ظاهرة سعاد حسني كفتاة شقية شابة مليئة بالحيوية تبحث عن صوتها ودورها في المجتمع مثل فيلم “الزواج على الطريقة الحديثة” 1968.

السبعينيات.. أدوار مركبة وإغراء

تأرجحت السبعينيات بين الجرأة والملائكية، فاستمرت ظاهرة السندريلا سعاد التي تخلت عن الصورة المثالية للبطلة  في كثير من أفلامها بدأت في الظهور بأدوار مركبة مثل دورها في “غروب وشروق” 1970، وفي فيلم “بئر الحرمان”  والصديقة الخائنة في “الحب الضائع” 1970.

وفي صورة أقل قيمة فنية تصاعدت الجرأة مع نجمات الإغراء مثل ناهد الشريف وسهير رمزي، مقابل ذلك تصدرت أيضا صورة الفتاة الرومانسية الملائكية مجددا عبر وجوه الجميلات ميرفت أمين ونجلاء فتحي وشمس البارودي ومديحة كامل، وحتى النجمات الأقل شهرة ظهرن بنفس الملامح، وجه بريء وقوام رشيق وملامح رومانسية.

الثمانينيات.. بين الواقعية والشعبية

في الثمانينيات بدأ تيار السينما الواقعية في الانتشار، ولم تعد البطلة مضطرة للظهور في صورة المرأة الجميلة، ولم يعد هناك غرابة في أن تشاهد نجمة كبيرة في دور خادمة أو مدمنة مخدرات، كان لا يزال نجم بطلات السبعينيات نجلاء فتحي وميرفت أمين بازغا، وبدأت نجمات جديدات في الظهور مثل يسرا وليلى علوي وإلهام شاهين وآثار الحكيم.

وشاهدنا نادية الجندي في فيلم “الباطنية” عام 1980، والتي مثلت مع نبيلة عبيد نموذج المرأة القوية التي لا تقهر، وفي تلك الفترة كانت يسرا وليلى علوي وإلهام شاهين وآثار الحكيم نموذجا للفتاة المصرية التقليدية ولم تطغ ملامح معينة على ظهورهن، فتارة نشاهدهن فتيات حارة شعبية، وتارة فتاة من الطبقة المتوسطة مثل “فيلم الحب فوق هضبة الهرم” عام 1986،  وفي تلك المرحلة كانت القصة هي التي ترسم ملامح الفتاة.

التسعينيات.. بلا ملامح

استمرت ظاهرة نبيلة عبيد ونادية الجندي في التسعينيات، لكن نجمات تلك لمرحلة بامتياز كانت يسرا، ليلى علوي وإلهام شاهين، ولم تكن لبطلة تلك المرحلة ملامح  شكلية معينة فبينما يسرا رشيقة ممشوقة كانت ليلى وإلهام ممتلئات، وظلت القصة تفرض على البطلة طبيعة الأدوار التي تؤديها كما كان الحال في الثمانينيات، وبدأت البطولة الذكورية في الهيمنة بشكل تدريجي على الشاشة، خاصة مع بدء تيار موجة الكوميديا التي قادها محمد هنيدي منذ دوره في “إسماعيلية رايح جاي” وحتى تصدره لبطولة “صعيدي في الجامعة الأمريكية” سنة 1998.

الألفية.. زمن البطولة الذكورية

مع نهاية التسعينيات فقدت البطولة النسائية وجودها تقريبا لصالح البطولات الشبابية وأصبحت البطولة النسائية محدودة وإن لم تغب كلية، وكانت منى زكي، حنان ترك وحلا شيحة أهم بطلات هذا الجيل اللاتي استمررن لفترة في تقديم صورة الفتاة الجامعية الطموحة التي تبحث عن مكان لها في المجتمع، لكنهن كن في أغلب الأفلام مجرد سنيد للبطل دون تأثير حقيقي.

بعد ذلك،  ظهرت منة شلبي عام 2001 في فيلم “الساحر”، وهند صبري في “مواطن ومخبر وحرامي” عام 2001، ثم ، نيللي كريم في “سحر العيون” 2002، وداليا البحيري في “محامي خلع” 2002،  وهي أفلام كانت البطلة جزء من الحدوتة وليست سنيدا، وكانت أدوارهم فيما بعد تتفاوت بين السنيد والبطولة الحقيقية حتى لو جماعية كما في فيلم “أحلى الأوقات” 2004، و”بنات وسط البلد” 2005.
ومثل ظهور فيلم “سهر الليالي” حدثا في السينما حيث قدمت البطلات النسائيات الأربع أدوارا موازية للأدوار الذكورية في شكل درامي متوازن، وكنا طرفا رئيسيا في الأحداث، ولسن ظلالا، لكن لم يتكرر الأمر مجددا، وظل ظهور البطلة يتفاوت لطبيعة التي فرضها الإنتاج وشباك التذاكر.

ولعل أبرز الملاحظات في ظاهرة البطولة النسائية بمصر أنه في الماضي كانت البطلة نجمة شباك اسمها يُسوّق للفيلم منذ أم كلثوم وليلى مراد وفاتن حمامة وسعاد حسني مرورا بنجلاء فتحي وميرفت أمين وصولا لنادية الجندي ونبيلة عبيد وليلى علوي ويسرا، بعد ذلك لم يعد هذا موجودا وأصبحت البطولة للرجل أو للبطولة الجماعية، وإن كسرت ياسمين عبد العزيز هذه الحلقة وتبنت صورة الفيديت الكوميدية في افلام “الدادة دودي” عام 2008، ثم “الثلاثة يشتغلونها” عام 2010، واستطاعت إلى بفيلم “أبو شنب” أن تنافس بقوة ذكورية شباك التذاكر وتنفرد ببطولة الفيلم وحدها وتحقق النجاح.

كذلك قدم المخرج محمد خان المنحاز للمرأة تجربتين مهمتين قدمتا نجمتين شابتين هما غادة عادل في “شقة مصر الجديدة” 2007، وياسمين رئيس في “فتاة المصنع” 2014، في صورة مغايرة تصدرتا فيها البطولة، وقدمتا صورة الفتاة المصرية العادية البسيطة.

النقاد.. صورة البطلة تشبه عصرها

ترصد الناقدة ماجدة موريس تطورات صورة “البطلة” في السينما قائلة:”مفهوم البطلة نفسه اختلف عن الماضي، فلم تعد القاعدة مجرد بنت جميلة، فيمكن أن تكون الفيديت شريرة، أو فتاة لعوبًا، تخلت السينما في الوقت الحالي عن كثير من الصور النمطية، فشاهدنا الفيديت البطلة تتخلى عن الماكياج والأناقة لتظهر كامراة مقهورة تماما كما فعلت منة شلبي في فيلم “نوارة” الذي حصدت به أكثر من جائزة، وقبلها ياسمين رئيس في “فتاة المصنع”، وبالتالي أصبحت الفيديت أكثر واقعية.

ومن وجهة نظرها ترى الأستاذة ماجدة أن نيللي كريم هي أكثر ممثلة يليق بها لقب الفيديت في العصر الحالي لتمكنها وقدراتها التمثيلية العالية إضافة إلى جمالها الذي لا تعتمد عليه بالضرورة .

أما الناقدة ماجدة خير الله فترى أن “كل وقت وله مواصفات، ففي الماضي كانت معظم البنات رومانسيات حالمات تبحثن عن بيت وعريس، لكن بعد ثورة 1952 تركيبة المجتمع نفسها تغيرت، وأصبح طموح البنات أكبر فشاهدنا أفلام مثل “أنا حرة” عام 1959، للبنى عبد العزيز، ثم “الباب المفتوح” عام 1963، لأن المجتمع نفسه أعطاها حرية أكبر.

وتضيف خير الله: “السينما مرآة للمجتمع وبالتالي ما يحدث من تغيرات في المجتمع انعكس على السينما، وكانت كل نجمة هي نموذج لبنات المجتمع في ذلك الوقت، سواء فاتن حمامة في الخمسينيات وسعاد حسني في الستينيات والسبعينيات.

وترى أنه بعد سنة 2000 لم تظهر بطلة متكاملة بالمعنى المتعارف عليه، وإن كانت هناك عدد من النجمات ذات الظهور المميز مثل منى زكي ونيلي كريم، وياسمين عبد العزيز التي اتخذت الكوميديا طريقا لها.

أما الناقدة حنان شومان فتقول “لا نستطيع أن نقول تطور صوة البطلة وإنما اختلافها، فكل عصر وله أسلوبه وطبيعته الخاصة”.

وترفض فكرة تدهور الذوق، لأن شكل البطلة الآن يشبه عصرها، من حيث أسلوب الأزياء والجمال، وهكذا كانت طول الوقت، فإذا كانت ليلى مراد نموذجا لبطلة الأربعينيات فهي صورة لبنات المجتمع في تلك الفترة، ونقيس ذلك على فاتن حمامة وسعاد حسني وما تلتهن من نجمات.

أما بطلة هذه الأيام، من وجهة نظرها فهي أمينة خليل، بجمالها الطبيعي الخاص، الذي ليس بالضرورة يجب أن يكون جمالا خارقا، وإنما جمالا يشع من الأسلوب وطريقة التعامل والفكر، وكذلك ياسمين رئيس التي ما زالت في بداية الطريق لرسم ملامح شخصيتها السينمائية.

ربما يعجبك أيضا