توترات متصاعدة.. إيران تحتجز ناقلة نفط ثالثة

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي 

بعد أسابيع من احتجازها لناقلة ترفع علم بريطانيا في مضيق هرمز، أعلنت إيران اليوم احتجاز ناقلة نفط أجنبية، قالت إنها كانت تهرب الوقود لدول عربية. الناقلة كانت تقل 7 بحارة من جنسيات مختلفة تم احتجازهم.

قال التلفزيون الإيراني اليوم الأحد (4 أغسطس 2019)، إن الحرس الثوري الإيراني احتجز ناقلة نفط أجنبية في الخليج كانت تهرب الوقود لبعض الدول العربية، مضيفا أن سبعة بحارة كانوا على متنها احتُجزوا.

ونقل التلفزيون عن رمضان زيراهي القيادي بالحرس الثوري قوله: “احتجزت بعض القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط أجنبية في الخليج الفارسي كانت تهرب الوقود لبعض الدول العربية”. وأضاف “كانت تحمل 700 ألف لتر من الوقود وتم احتجاز سبعة بحارة من جنسيات مختلفة كانوا على متنها”. وتم نقل السفينة إلى ميناء بوشهر و”تسليم شحنتها من الوقود المهرب إلى السلطات” بالتنسيق مع القضاء الإيراني.

وهذه ثالث سفينة تحتجزها إيران منذ 14 يوليو في الخليج حيث يعبر ثلث النفط المنقول بحرا في العالم، بحسب الوكالة الأمريكية لمعلومات الطاقة. في 14 يوليو، اعترضت إيران ناقلة النفط “رياح” التي ترفع علم بنما، متهمةً إياها أيضاً بنقل نفط مهرب. وبعد خمسة أيام، في 19 يوليو، احتجزت البحرية الإيرانية ناقلة النفط “ستينا ايمبيرو” السويدية التي ترفع علم بريطانيا، والتي يشتبه بأنها “خرقت قانون البحار الدولي”.

وجاء احتجاز “ستينا ايمبيرو” بعد 15 يوماً من احتجاز السلطات البريطانية في جبل طارق ناقلة النفط الإيرانية “غريس 1”. وتم اعتراضها، بحسب لندن، لأنها كانت تنقل نفطاً إلى سوريا في خرق لعقوبات أوروبية على هذا البلد، لكن إيران تنفي ذلك. وأمرت بريطانيا بعد ذلك بحريتها مرافقة السفن المدنية التي ترفع علمها في مضيق هرمز.

ومنذ شهر مايو الماضي، شهدت المنطقة حوادث مقلقة كانت إيران طرفا بها في الغالب، حيث تعرضت سفن لهجمات واحتجزت ناقلات نفط وأطلقت النيران من طائرات مسيّرة، بينما بات على أصحاب ناقلات النفط قرب مضيق هرمز رفع إجراءات التأمين ضد مخاطر الاحتكاك العسكري.

تحالف بحري لتأمين مضيق هرمز

قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الأحد، إنه “واثق للغاية” في قدرة الولايات المتحدة على بناء تحالف بحري في الخليج على الرغم من الاستجابة الفاترة من الحلفاء الأوروبيين والآسيويين.

وكان بومبيو يتحدث في سيدني خلال زيارة له مع وزير الدفاع مارك إسبر إلى أستراليا. وكانت الولايات المتحدة طلبت، من بريطانيا وفرنسا وألمانيا المشاركةَ في التحالف البحري لحماية الملاحة في مضيق هرمز.

وتأتي المساعي إلى إنشاء هذا التحالف بعد قيام إيران باختطاف سفينة ترفع علم بريطانيا في مضيق هرمز، وبعد اعتداءات أخرى استهدفت ناقلات نفط قرب المياه الإيرانية.

حرب الناقلات.. في مصلحة من؟

ربما لا يعرف الكثيرون أن الوجهة الأساسية للصادرات النفطية السعودية والخليجية حاليا ليست أوروبا التي تعتمد على مصادر طاقة روسية ونرويجية وجزائرية وليبية وأفريقية أخرى بالدرجة الأولى، كما أن هذه الوجهة ليست الولايات المتحدة التي تحولت مؤخرا من مستورد للنفط والغاز إلى مصدر لهما. وهكذا فإن القسم الأكبر من الصادرات المذكورة يتوجه إلى دول شرق وجنوب شرق آسيا وفي مقدمتها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. فاليابان وحدها على سبيل المثال تستورد يوميا 3.5 مليون برميل يوميا تشكل نسبة النفط السعودي منها 40% والخليجي أكثر من 70%.

وتستورد الصين يوميا أكثر من 8 ملايين برميل يشكل النفط السعودي وحده نسبة 14 بالمائة منها. وتعمل الصين والهند وكوريا الجنوبية على زيادة وارداتها النفطية من السعودية ودول عربية أخرى كالعراق للتعويض عن توقفها عن شراء أكثر من مليون برميل نفط إيراني يوميا خوفا من العقوبات الأمريكية ضد المتاجرة بهذا النفط.

أما اليابان التي توقفت أيضا عن شراء النفط الإيراني، فتستمر في محاولاتها الدبلوماسية لإيجاد حل للنزاع بين واشنطن وطهران بهدف الحفاظ على علاقاتها التجارية ومصالحها الاقتصادية القوية والحيوية مع إيران ودول الخليج. وهو الأمر الذي يفسر توجه رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي بنفسه إلى العاصمة الإيرانية بحثا عن حل سلمي في وقت يتم فيه تصعيد الوضع في الخليج من قبل قوى الصقور المتخفية التي تدفع باتجاه نزاع عسكري.

فرصة ذهبية أمريكية لمواجهة الصين

استفادة الولايات المتحدة ليست فقط بسبب قدرتها على زيادة صادراتها النفطية وحسب، بل أيضا بسبب زيادة الطلب على أسلحتها وقواعدها العسكرية الغالية الثمن بفعل التوترات المتصاعدة في منطقة الخليج. ومن المعروف أن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية تشتري سنويا أسحلة بقيمة أكثر من 100 مليار دولار جلها من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. بالنسبة للنفط تخوض إدارة ترامب منذ أشهر حرب تهديدات ضد منظمة اوبك التي تعد السعودية ودول خليجية أخرى من أبرز أعضائها بهدف كسر احتكار المنظمة لسوق الذهب الأسود.

ويتزامن ذلك مع الزيادة المستمرة في استخراج النفط الصخري بشكل رفع إنتاج الولايات المتحدة مؤخرا بشكل يحبس الأنفاس إلى أكثر 12.3 مليون برميل يوميا لتتفوق بذلك على روسيا والسعودية. ويكفي الاحتياطي الأمريكي البالغ أكثر من 470 مليون برميل حاليا لإمداد السوق العالمية بأكثر من مليوني برميل يوميا على مدى أكثر من سبعة أشهر. ومع زيادة الإنتاج بأكثر من مليون برميل سنويا حسب الوتيرة الحالية سيكون بالإمكان زيادة الصادرات النفطية الأمريكية إلى أكثر من 5 ملاييين برميل في اليوم في غضون خمس سنوات أو اقل من ذلك. وتكمن المشكلة في أن تصدير مثل هذه الكميات غير ممكن في واقع طاقة السوق الحالية إلا إذا تراجعت حصص بعض المصدرين فيها.

ويبدو من التفجيرات الحالية في الخليج أن الحصة ستكون على حساب النفط الخليجي بعد انحسار الصادرات الإيرانية والليبية والفنزويلية.

بالنسبة لإدارة ترامب يعني تحول دول العالم الشرهة للنفط الخليجي كالصين واليابان والهند من الاعتماد على النفط الخليجي إلى الاعتماد على النفط والغاز الأمريكيين فرصة ذهبية من أجل أن تكون لاعبا رئيسيا في سوق الطاقة وفرض المزيد من الضغوط السياسية على التي تعارض سياساتها. ويساعدها على ذلك القوة الضاربة عبر العالم من خلال قواعد عسكرية يزيد عددها على 700 قاعدة. وسيكون الهدف الأساسي احتواء الصعود الاقتصادي الصيني المنافس للهيمنة الأمريكية من خلال التحكم بإمدادات الطاقة إلى جانب فرض الرسوم الجمركية والحظر التكنولوجي.

ربما يعجبك أيضا