“المنطقة الآمنة” .. ماذا تضع أنقرة نصب عينيها؟

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

يستمر الوفد الأمريكي الذي يترأسه مبعوث واشنطن إلى سوريا جيمس جيفري، في مباحثاته مع المسؤولين الأتراك بمقر الخارجية التركية في أنقرة.

الأطراف تناولت الأوضاع في إدلب والمنطقة الآمنة، ومسار تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد.

وبينما كان الوفد الأمريكي في مباحثاته مع المسؤولين الأتراك، كان أعلى قائد أمريكي في الشرق الأوسط كينيث مكينزي يجتمع في رأس العين مع شاهين جيلو، أحد قادة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” (تمثل وحدات الحماية الكردية YPG عمودها الفقري)، وهو ما يعكس حجم الخلاف الكبيرة بين أنقرة وواشنطن. 

وتتطلع تركيا لإقامة المنطقة بعمق 32 كيلو مترًا من الحدود التركية باتجاه الأراضي السورية، وتولي السيطرة عليها، وإخراج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” منها.

الموقف التركي

وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده ستقوم بعملية عسكرية شرقي نهر الفرات في شمال سوريا، وأضاف، “سندخل إلى شرق الفرات كما دخلنا إلى عفرين وجرابلس والباب بشمال سوريا”، مشيرًا إلى أنه أخبر روسيا والولايات المتحدة بذلك، الأمر الذي حذرت منه واشنطن في بيان اليوم.

ووزيرا الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي أكار أبلغا نظيريهما الأمريكيين أن محادثات أنقرة لم تتمخض عن شيء، وفي هذه الحالة ستنهي تركيا بمفردها الخطوات التي تم الإقدام عليها من أجل تأسيس دولة في شمال سوريا وستقضي على الكيانات والتنظيمات القائمة هناك. 

من الواضح أن الأتراك لم يعودوا يصدقوا الوعود الأمريكية من قبيل “سنجري دوريات مشتركة في منبج” و”سنسحب قواتنا من سوريا” و”لا نريد الأسد” و”حان وقت صياغة الدستور الجديد في جنيف”، وباتت النظرة لواشنطن أنها لا تريد حلًّا في سوريا، وأنها تريد تقسيمها.

المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي: إذا لم نتمكن من الاتفاق مع الولايات المتحدة، عندها سنضطر لإنشاء منطقة آمنة بمفردنا (في سوريا) يجب أن تمتد المنطقة الآمنة بعمق 32 كم من الحدود التركية باتجاه الأراضي السورية، وتولي تركيا السيطرة على هذه المنطقة، وإخراج وحدات الحماية الكردية.

وشدد أن تركيا لن تسمح بتحويل المباحثات المتعلقة بالمنطقة الآمنة إلى ذريعة للمماطلة، وإذا لم يتم تلبية تتطلعاتنا، فإننا نمتلك القدرة على اتخاذ جميع أنواع التدابير لضمان أمننا القومي”.

قوات سوريا الديمقراطية

من جهته، انتقد “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) الجناح السياسي لـ”قسد” البيان الختامي لمحادثات “أستانة 13″، بعد وصفه مشروع “الإدارة الذاتية” بمناطق شمال شرقي سوريا بـ “الانفصالي”.

وقال المجلس في بيان، “تم الاتفاق على إشعال فتيل الحرب على مناطق شمال وشرق سوريا، حيث اعتبر بيان (أستانة 13) أن مشروع الإدارة الذاتية يحمل أجندات انفصالية تستهدف الأمن القومي للبلدان المجاورة لسوريا”.

وأضاف، “إننا في مجلس سوريا الديمقراطية في الوقت الذي نرحب فيه بأي قرار من شأنه إنهاء الحرب وتجنيب المدنيين ويلات ومآسي الحرب، فإننا نرى أن مثل هذه المبادرات الدولية لم تنجح في الإحاطة بكامل الوضع السوري ولا تراعي مصلحة سوريا كجغرافية واحدة”.

واختتم البيان بقوله “يأسف مجلس سوريا الديمقراطية لتجاهل بعض الأطراف الدولية مثل هكذا حقائق، حيث هدفنا الوصول إلى سوريا الموحدة الديمقراطية التعددية، وقوات سوريا الديمقراطية هي قوات دفاع عن الوجود السوري بتنوعه الثقافي والقومي، وكل ما تقوم به تركيا هي محاولات لخداع الرأي العام”.

الخلاف الأمريكي التركي

العرض الأمريكي بحسب تسريبات صحفية، هو منطقة آمنة بعمق 15 كم بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، بينما مطالب تركيا كامل الحدود السورية من نهر الفرات حتى نهر دجله بعمق 32 كم.

الخبير العسكري نزار عبد القادر رأى أن المنطقة الآمنة، “إذا تم انشاؤها، ستتمكن تركيا من ترحيل قسم لا بأس به من اللاجئين السوريين ويقارب عددهم الثلاثة ملايين”، لافتا الى “لجوء مئات اللاجئين الجدد بسبب القصف الروسي- السوري في إدلب وشمال حلب وسهل الغاب”.

وتابع: “الأمريكيون فاوضوا تركيا على تشكيل منطقة عازلة بعمق خمسة كيلومترات، ما لا يتلاقى مع التطلعات التركية، في الشق الأمني إضافة إلى الخوف من قيام كيان كردي شبه مستقل وإعادة توطين اللاجئين السوريين”.

وقال: “أمام أمريكا الحليف التاريخي لتركيا خيارات عديدة”، مستبعدا أن “تتخلى عن هذه العلاقة التاريخية”، مضيفا: “هناك خيار يمكن اعتماده وهو السماح لتركيا بالتحضير للعملية العسكرية إلى حين ايجاد تسوية معينة”.

وختم: “من الصعب حتى الآن تحديد ماهية التسوية البديلة التي سترضى بها تركيا”.

الأمم المتحدة 

فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، جميع الأطراف إلى الاتفاق حول “المنطقة الآمنة” المتوقع إنشاؤها شمالي سوريا، لدرء أي صراعات قد تنشأ.

وقال غوتيريش، “نشجع جميع الأطراف على الاتفاق حول هذا الموضوع، بغية منع أي صراعات جديدة قد تنشأ”، في تعليقه على “المنطقة الآمنة” المتوقع إنشاؤها شرق الفرات بسوريا، واللقاءات التركية الأمريكية الأخيرة.

وأعرب غوتيرش عن أمنيته بإنهاء الوضع المأساوي في إدلب شمال غربي سوريا.

الدفاع الوطني وقسد في القامشلي

فيما أعلنت ميليشيا الدفاع الوطني التابعة لقوات الأسد في مدينة القامشلي بريف الحسكة والتي تتقاسم قسد وقوات الأسد السيطرة عليها عن تخريج دورة في المدينة من 200 عنصر بهدف إعادة السيطرة على المدينة، وطرد “قسد” منها حسب ما أعلنته ميليشيات الدفاع الوطني على أحد حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي.

ويأتي هذا الإعلان بعد شن مقاتلة يعتقد أنها أمريكية غارة جوية على قاعدة عسكرية للدفاع الوطني في منطقة القامشلي أدت إلى سقوط عدد من عناصره بين قتيل وجريح، وسط اتهامات لمليشيا قسد بالتنسيق مع التحالف الدولي لاستهدافهم. 

وتشهد المنطقة الشرقية حالة من التسخين العسكري بين قوات الأسد وحلفائها الإيرانيين من جهة وقوات سوريا الديمقراطية بدعم التحالف الدولي من جهة أخرى، وسط  معلومات عن قرب انطلاق معركة للسيطرة على مناطق تواجد المليشيات الإيرانية في منطقة البوكمال والميادين والبادية السورية.

وقال مدير موقع الشرق نيوز، فراس علاوي لأورينت نت: “تعتبر الجزيرة السورية من أكثر المناطق في سوريا تشابكاً وتعقيداً سواء من حيث القوى المسيطرة عليها أو من خلال المصالح الإقليمية والمحلية والدولية المتقاطعة والمتشابكة حولها، حيث أنه من مصلحة القوى المحلية سواء قسد أو نظام الأسد خوض معركة مباشرة لأسباب تتعلق في كل منهما على حده، فقسد لا تريد فتح معارك جانبية في ظل التهديدات التركية بفتح معركة وشيكة ضدها ونظام الأسد يخوض معركة في إدلب”.

ربما يعجبك أيضا