ذاكرة الحج.. مشاهد قديمة لرحلة إيمانية يكسوها الجمال وتحفها المخاطر

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

شعوب من كل مكان تجمعت حول بيت الله الحرام لأداء واحدة من أقدم شعائر عبادة الله على وجه الأرض تلبية لنداء إبراهيم عليه السلام منذ نحو 4 آلاف سنة عندما أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج وأن يجعل أفئدة منهم تؤوي إلى بيته العتيق.

وشاءت إرادة الله أن يستجيب الناس لهذا النداء، فجاؤوا إليه من كل فج عميق راجلين وراكبين ساعين إلى مغفرة الله وثوابه.

رحلة إيمانية لا تخل من المشقة

رحلة الحج في الماضي لم تكن ميسرة وسهلة كما هي اليوم، فقبل الوصول بالطائرات والسفن والسيارات الحديثة، كانت وسائل النقل تنحصر في الإبل والسفن القديمة.

الحج قديماً رحلة شاقة كلها مخاطر، فقد كان الحجاج يواجهون مخاطر الجوع والعطش في سفرهم، ويتعرضون أيضا لبعض الكوارث الطبيعية، ومن ذلك العواصف والبرد القارس والأمطار الغزيرة والسيول الجارفة، إلا أن جمال وبهاء الاشتياق كان يجعل كل تلك العقبات عتبات نحو الأمل الجميل.

ويذكر ابن الجوزي صاحب كتاب “مرآة الزمان” في حوادث سنة 692 هـ  تعرض قافلة الحجاج الشامية إلى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، واشتغل كل حاج بنفسه، وحصلت لهم مشقة عظيمة، وكثيراً ما كانت السيول تداهم قوافل الحج أثناء سيرهم لمكة، ورغم ما كان يتعرض له الحجاج من مصاعب، فإنهم دأبوا على السفر إلى الحج، وكيف يمتنعون والله تعالى يأمرهم.

طرق الحج

على مدار التاريخ اشتهرت للحج طرق رئيسية كان أشهرها 5 طرق برية، مضيق الحج الشامي ويسلكه حجاج المناطق الشمالية ابتداءً من روسيا وامتداداً بتركيا وبلاد الشام إلى المدينة المنورة.

أما طريق الحج التاريخي الثاني فكان ينطلق من اليمن عبر تهامة إلى مكة المكرمة، والطريق الثالث طريق الحج العراقي وقد حظي باهتمام كبير في العصر العباسي وكانت فيه محطات مضاءة على امتداده وصولاً إلى مكة المكرمة.

والطريق الرابع يبدأ من شرق الجزيرة العربية على الخليج العربي ويسير باتجاه الغرب إلى مكة المكرمة، والطريق الخامس طريق الحج المصري وكان ينطلق من المغربي الأقصى وصولاً إلى مصر فصحراء سيناء وفي الشمال من خليج العقبة ينضم إلى الحج الشامي.

وكان هناط طريقان بحريان كبيران، الأول من السويس في مصر عبر البحر الأحمر وينطلق حجاج مصر وأفريقيا إلى جدة، وتم تفعيل هذا الخط بعد افتتاح قناة السويس، والخط الثاني كان الخط الهندي الذي كان لنقل حجاج هذه البلاد وما يجاورها بما في ذلك حجاج الصين ووسط آسيا وكان يمر في بحر العرب ومنه إلى البحر الأحمر وصولاً إلى جدة.

البتراء وكر اللصوص

على أطراف الصحراء تقع مدينة البتراء الأثرية المنحوتة في الصخور كانت في ذلك الوقت مخبأ للصوص الذي كان يغيرون في ذلك الوقت على قوافل الحجاج.

لكن سلطات شرقي الأردن بدأت بتسيير الفرسان لحماية طريق القوافل والإغارة على أوكار اللصوص داخل آثار البتراء الوعرة.

وسائل النقل التقليدية فوق الدواب ظلت على حالها لمئات السنين سواء باستخدام العربات أو من دونها وكان مشهد الحجاج الراجلين مألوفا على امتداد الطرق في مؤشر على حجم المعاناة حيث يسافر الحجاج مشياً على الأقدام مكشوفي الرأس تحت أشعة الشمس الحارقة تعكس الشوق لبيت الله الحرام بكل ما كان يصاحب ذلك من مناسك ومخاطر.

السيارات بدأت تقطع طريقها للحج منذ القرن العشرين وهذا دفع إلى تحديد الطرق، ورغم أنها ظلت رملية، إلا أنها شكلت تطورا مهما في نقل الحجاج.

لم تكن تأدية فريضة الحج في القدم أمرا هينا، بل كانت رحلة شديدة محفوفة بالمخاطر والمهالك، تتطلب مالا وجهدا ووقتا يبلغ أضعاف ما يبذله الحاج في زمننا عكس الساعات القليلة التي نمضيها في الطائرات والسيارات حتى نبلغ مكة، كانت رحلة الحجاج الأوائل تستغرق أسابيع وشهوراً وسنوات، نظراً، لبعد المسافة ولمحدودية وسائل النقل.
https://www.youtube.com/watch?v=2LpIi6lw-M4

ربما يعجبك أيضا