بالدماء والملايين والملاليم.. ملحمة إنسانية “مصرية عربية” ضد الإرهاب

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر:
القاهرة – سجل المصريون والعرب ملحمة إنسانية في فاجعة الانفجار الإرهابي الذي وقع بمحيط المعهد القومي للأورام في مصر، قبل يومين، مخلفًا وراءه أكثر من 20 شهيدًا و50 مصابًا، منذ اللحظة الأولى لانفجار سيارة الإرهابي، ليعبروا خلالها عن وحدتهم في مواجهة التطرف والإرهاب.

“شباب الخير”

“الشعب المصري أصله طيب وشهم”، مقولة جسدها أبناء مصر بكل معانيها ومفرداتها، منذ اللحظة الأولى لوقوع الحادث الإرهابي، في محيط المعهد القومي للأورام، فهرع العشرات من المتواجدين بالمنطقة، فور انتشار أنباء الحادث على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى قبول وصول قوات الأمن وسيارات الإسعاف والإطفاء، لنجدة المصابين ومساعدة مرضى المعهد الذين اضطروا إلى الخروج من المعهد بعد أن طالته نيران الإرهاب.

ورغم أن صوت الانفجار صم الآذان، إلا أن اللوحة الإنسانية بقيت تزهو كل ثانية عن التي قبلها وسط الرماد، فأطباء وتمريض وعمال المعهد القومي المتضررون أيضا من الحادث، والذين فقدوا اثنين من زملائهم بعد محاولتهم التصدي للسيارة المحملة بالمتفجرات، فانطلقوا هم أيضا رغم إصابات بعضهم “الطفيفة” يحاولون مساعدة مرضى المعهد، والذين يجهلون وجهتهم بعد إخراجهم من المعهد، وآخرون غادروا الأسوار متجهين إلى الجثامين المنتشرة والأجساد المترامية في نهر الطريق وعلى الأرصفة في محاولة لإسعافهم.

دقائق الموت الأولى مرت تاركة عشرات الضحايا والمصابين، وبقي العشرات من رواد المعهد ورفقاء الضحايا يبحثون عن ذويهم، ليبزغ نور شباب إحدى الجمعيات الخيرية في مصر حاملين في أيديهم وعلى أكتافهم وجبات غذائية ومشروبات لتوزيعهاعلى المتضررين من الهجوم الإرهابي، ومبادرين بمحاولة مساعدتهم.

“ساعات ما بعد الكارثة”

في الساعات التي تلت الكارثة الإنسانية، وبداية انتشار العشرات من صور ضحايا الهجوم من رواد المعهد والمارة على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى قبل مناشدة وزارة الصحة المصرية بدأ العشرات من الشباب في التوجه إلى مستشفى القصر العيني بالقرب من موقع الحادث للتبرع بالدم، قبل أن تزيد الأعداد إلى المئات بكافة المستشفيات القريبة وعيادات نقل الدم القريبة من الحادث.

وزارة الصحة المصرية، أصدرت في تلك الأثناء قرارا بنقل مرضى معهد الأورام إلى عدد من المستشفيات ومعهد ناصر، ليقدم أطباء وفرق تمريض تلك المؤسسات الصحية أيضا، محاولين تضميد جراح المصابين، في الوقت التي امتلأت فيه طرقات تلك المستشفيات بالعشرات الذين يحاولون مساندة أسر الضحايا ومساعدتهم.

“ملايين وملاليم”

اليوم التالي للحادثة، شهد أيضا ملحمة كبرى، فدعا العشرات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك وتويتر” إلى التبرع من أجل ترميم ملجأ الفقراء الأخير لمواجهة مرض السرطان، عبر حساباته في البنوك المصرية، وأيضا عبر إرسال رسالة عبر الرقم المخصص للتبرع “9797”، والتي لا تتجاوز 5 جنيهات.

وفي مساء اليوم، بدأت الدعوات عبر عدد من القنوات التلفزيونية المصرية لتجمع في أقل من 24 ساعة حوالي 137 مليون جنيه من قادة عرب ورجال أعمال مصريين وجمعيات خيرية، فضلا عن دعم العديد من أصحاب رؤس الأموال الصغيرة ببضعة آلاف من أموالهم لدعم المعهد وإعادة ترميمه.

وعلى مدار اليومين الماضيين، تسابقت مؤسسات مصرية وعربية على التبرع لصالح المعهد ليصل إجمالي الأموال المتبرع بها حوالي 200 مليون جنيه كان أبرزها لولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والذي تبرع بـ50 مليون جنيه، والنجم المصري لاعب نادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح والذي تبرع بـ3 ملايين دولار لإعادة ترميم المعهد.

“روابط الدم”

سفارة المملكة العربية السعودية في القاهرة، أبت أن تكون بعيدة عن المشهد، إذ أطلقت مبادرة “روابط الدم” على مدار يومين للتبرع بالدم لمصابي الحادث، بالتنسيق مع جامعة القاهرة، استجابةً لدعوة لجنة الصحة بمجلس النواب، بضرورة التوافد على المستشفيات للتبرع بالدم، لتوفير كامل الدعم للمصابين في الحادث.

وتقدم أعضاء السلك الدبلوماسي السعودي في مقدمتهم السفير السعودي بالقاهرة أسامة بن أحمد نقلي، وجميع منسوبي بعثة المملكة في مصر، للتبرع، تضامنا مع مصر قيادةً وحكومةً وشعباً في إطار أواصر الدم التي تجمع الشعبين الشقيقين، وتعبيراً عن وقوف المملكة العربية السعودية وتضامنها مع مصر في مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره.

وعبر السفير أسامة نقلي عن بالغ شكره لسرعة استجابة جامعة القاهرة للمبادرة، مشيراً إلى أن “تدشين السفارة لمبادرة “روابط الدم” ما هو إلا جزء يسير وواجب تمليه علينا تعاليم ديننا الحنيف وتحتمه علينا روابط الأخوة، التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، في إطار العلاقات المميزة بينهما بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وأكد السفير نقلي، أن “الإرهاب آفة خبيثة نعاني منها جميعاً، ولابد من تكاتف الجهود لمحاربة هذه الظاهرة واقتلاعها من جذورها، مضيفا، أن “حادث معهد الأورام، ما هو إلا عمل إرهابي جبان لم يراع إلاً ولا ذمة، ففضلًا عن قتله للنفس التي حرَّم الله إلا بالحق، فإنه ينتهك الأشهر الحُرم التي خصها الله بمزيد تأكيد للتحريم، ويكون الظلم فيها أشد إثمًا وأعظم جريمة، كما أنه ينتهك حُرمة المرضى والأبرياء.

ربما يعجبك أيضا