مونديال 2022.. “المثلية الجنسية” تضع “مبادئ” قطر في ورطة!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

في الوقت الذي تتوالى فيه الصعوبات على قطر بشأن العوائق التي تواجهها من أجل تنظيم مونديال 2022، جاءت قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” لتفاقم الأوضاع سوءًا بقيود وضعت الدوحة في ورطة جديدة، وكأنها جاءت خصيصًا لتزيد “الطين بلة”.

قيود الاتحاد الدولي لكرة القدم والتي تتمثل في قوانينه بشأن “الجنسية المثلية”، التفّت حول عنق الدوحة وضيقت الخناق عليها مجددًا بتلك القضية المثيرة للجدل، خاصة في البلاد العربية والإسلامية، لينتظر الجميع قرارات قطر الحاسمة للخروج من هذا المأزق، خاصة وأنها بلد تميز قوانينه ضد مجتمع المثليين.

قوانين “فيفا” تجبر قطر على قبول “المثليين جنسيًّا”

قطر البلد العربي -الذي فاز بحق استضافة مونديال 2022 لكرة القدم في الثاني من ديسمبر 2010- أصبح مكلفا وبشكل رسمي من قبل “الفيفا” الإعلان عن قبوله “المثليين” جنسيًّا، وأن لا يمارس أي تمييز ضدهم، تنفيذًا للقوانين.

الالتزام بقوانين الفيفا وخاصة في أجواء مثل هذه البطولة الأشهر عالميًّا لم يكن هو المأزق الحقيقي بالنسبة للدوحة، ولكن في الوقت الذي تثير فيه قضية “المثلية الجنسية” زوبعة من العواصف لمناهضة هذه الظاهرة ورفضها في البلدان العربية والإسلامية، بالإضافة إلى القوانين التي تسنها قطر نفسها للتمييز ضد مجتمع المثليين، اشترط “فيفا” عليها أن تتقبل “المثليين جنسيًّا” إذا كان لمباريات كأس العالم أن تنعقد فيها، مؤكدًا أن الحكومة القطرية سبق لها وأن وافقت على ذلك رسميًّا.

وتشمل قوانين الفيفا “حقوق الإنسان” بما فيها قضية “المثليين جنسيًّا” بموجب المادتين 3 و4 من نظامها الأساسي وسياستها المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي من شأنها تعتبر أن التمييز من أي نوع “محظور تمامًا ويعاقب عليه بتعليق العضوية مؤقتًا أو الطرد”.

الرقابة القطرية.. واشتعال الأزمة

قرار “فيفا” -الذي وجه للدوحة بشأن هذه القضية- كان قد أثير بعد أن أشعلت الرقابة الصحفية القطرية تلك الأزمة، بحذفها لعدة إشارات وردت في تقارير من صحيفة “نيويورك تايمز” عن الشذوذ الجنسي في المونديال.

وجاء للناطق باسم “فيفا” حينها، بيان قال فيه -بحسب عدة تقارير إعلامية- أن المنظمة الدولية الموكلة بالمونديال تبلّغت بما فعلته الرقابة الصحفية القطرية في ثماني مرات مؤخرًا، عندما حذفت من صحيفة “نيويورك تايمز” -التي تصدر في الدوحة- إشارات وردت في تقارير تتحدث عن الشذوذ الجنسي في المونديال، وكيف أنه سيشكل مشكلة اجتماعية في مونديال الدوحة 2022″.

وتابع البيان: “الفيفا موقفها من الشمول وحماية حقوق الإنسان ثابت لا يتزعزع، وأن التمييز من أي نوع هو أمر مرفوض”، مضيفًا: “فيما يتعلق ببطولة كأس العالم في قطر لعام 2022، فإن اللجنة العليا للمشاريع والتراث في قطر مدركة تمامًا لمسؤوليتها تجاه الالتزام بقوانين الفيفا الخاصة بحقوق الإنسان وعدم التمييز والمساواة والحياد”.

وأضاف البيان: “فريق الفيفا الموجود في الدوحة يتابع هذا الموضوع، وسيتخذ قراره على ضوء ما يلتزم به القطريون تنفيذًا لما كانوا قد وافقوا عليه عندما تم الاتفاق معهم على استضافة مباريات كأس العالم”.

وفي هذا السياق قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” آنذاك: اليوم على قطر أن تغير قوانينها لوضع حد للرقابة التعسفية على المقالات المتعلقة بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية، وأن تلغي أحكام قانون العقوبات التي تعاقب العلاقات الجنسية المثلية بالسجن بين سنة و3 سنوات”.

ردود الأفعال.. ما بين الرفض والقبول

تباينت ردود الأفعال ما بين الداعمة والمناهضة، بعد تلك الأزمة التي فرضت على الدوحة قبول “المثلية الجنسية” خلال فعاليات المونديال، فمن جانبها كانت منظمة العفو الدولية، قد أكدت أنها ستُلزم أمير قطر -خلال زيارته إلى لندن، آنذاك- بإعلان قانون المثلية في دولته كتشريع قانوني دائم، وليس مقتصرًا على فترة كأس العالم فقط.

في المقابل، وفي شهر يوليو من العام الماضي، كانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا قد عبّرت عن استنكارها لموافقة وقبول اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بقطر، برئاسة علي بن صميخ المُرِّي والحكومة القطرية، على شرط “فيفا”، بأن تعلن بشكل رسمي وواضح أنها تقبل “المثليين”، وطالبت السلطات القطرية باحترام الدين الإسلامي والدستور والقيم والعادات في المجتمع القطري.

هل تتعمد قطر إخفاء الحقائق؟

في أغسطس من العام الجاري، وبعد أن تداولت صحيفة “نيويورك تايمز” قضية حذف فقرات من نسختها التي توزع وتنشر في قطر، والخاصة بقضية “المثلية الجنسية”، طرحت الصحيفة تساؤلًا هامًّا للغاية، هل كان الحذف مقصودًا بنية إخفاء هذا الموضوع عن المواطن القطري؛ كونه يشكّل حرجًا اجتماعيًّا وسياسيًّا للنظام، عندما يعلم المواطنون أن الحكومة أقرت والتزمت بالسماح للشذوذ بأن يكون علنيًّا.

وفي ذات الوقت نقلت صحيفة ” ذي هيل” عن الناطق باسم الحكومة القطرية، قوله -في بيان  لشبكة “إيه بي سي” التلفزيونية الأمريكية- “إن تحقيقًا سيتم بالموضوع”.

وكذلك تضمن بيان الحكومة القطرية كما نشرته “ذي هيل”: “الموافقة على استضافة الشاذين بدون تمييز عن بقية الرياضيين والمشجعين، والقول بأن “مونديال 2022 تريده الحكومة القطرية أن يكون فرصة ثمينة لتجسير الفوارق الثقافية في العالم”.

وأضاف البيان، “إننا نتطلع إلى استضافة وخدمة الجميع من دول وثقافات العالم من دون تمييز بين الأعراق واللغات والأديان والثقافات”.

وبذلك، وبحسب البيان، فإن هذا التزام قطري بأنها لن تمنع المثليين من ممارسة الشذوذ علنًا، كما في الدورات السابقة وآخرها في موسكو، إذ كان المثليون يتجمعون وسط العاصمة ويرفعون أعلامهم الخاصة “بشعار قوس قزح” ويمارسون طقوسهم بموافقة رسمية.

الشركات الراعية.. وكابوس “المثلية الجنسية”

ردود الأفعال التي جاءت بعد هذه الأزمة، لم تتعلق فقط بالمنظمات والهئيات الحقوقية التي تدعو للقبول أو الرفض، إضافة إلى استهجان الدول التي تطالب بتطبيق القيم والعادات العربية والإسلامية، بل إن الأمر قد تطرق إلى فعاليات الحدث ذاته كونه حدثًا رياضيًّا له إجراءات تنظيمة، وحقوق للبث المباشر، بالإضافة إلى الشركات الراعية للحدث الكروي الأشهر على الإطلاق.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “ذي تايمز” البريطانية، تقريرًا حول وضع مذيعي ورعاة البطولة الذين “يخاطرون بالبطاقة الحمراء” بسبب قوانين مكافحة المثليين، في إشارة للجدل الثائر حول قبول أو رفض الفكرة في المونديال القطري، وتأثيرها على البطولة.

وفي هذا التقرير تقول “ذي تايمز”: إن شركة استشارية دولية لتقييم المخاطر، قد طالبت محطة RTE التلفزيوينة وبقية المحطات بالضغط على قطر لتعليق قوانينها المناهضة للمثلية الجنسية قبل تنظيم المونديال.

وذكر التقرير، أن الشركة التي تدعى “Cornerstone Global Associates” للاستشارات -والتي يوجد مقرها في لندن- قالت: “إن قطر ستكون أول دولة مستضيفة لبطولة كأس العالم تحظر المثلية الجنسية، وتعاقب ممارسيها بالسجن”.

وأشارت الصحيفة إلى أن تقرير صادر عن الشركة قد قالت فيه “أنه بالرغم من أن البعض في القيادة القطرية يرغب في تعليق القانون أثناء البطولة، إلا أن المسلمين المحافظين يقاومون هذا”، وأن ذلك قد يعرض الرعاة والقنوات الرسمية التي ستبث البطولة، بالمخاطرة بسمعتها لارتباط اسمها ببطولة مُقامة في بلد تميز قوانينه ضد مجتمع المثليين.

كما قالت الشركة الاستشارية: إن محطات البث الوطنية في الدول الأوربية التي أظهرت تسامحًا أكبر تجاه مجتمع المثليين، مثل المملكة المتحدة وآيرلندا، “ستشعر بضغط أخلاقي لاتخاذ موقف ضد القضايا الراهنة” في قطر.

ومن المرجّح أن تحتجّ الجماعات المدافعة عن حقوق المثليين ضد محطات البث والرعاة الذين سيوصفون بأنهم دعموا أو شرعنوا تمييز قطر ضد المثليين.

وما بين هذا وذاك.. هل ستكون ردود الأفعال المتباينة بالرفض أو القبول لفكرة تقنين قطر لقضية “المثليين جنسيًّا” ملزمة لأبناء تميم بتشريع قانون رسمي لإدماجهم في المجتمع بشكل دائم، أم ستكون هناك قوانين مستثناه لهذا الحدث الرياضي الضخم؟ أم ستقف قطر في وجه الجميع معلنة التزامها بمبادئها كدولة إسلامية وعربية مناهضة لمثل هذه العادات؟

ربما يعجبك أيضا