“أساند 910”.. هواوي تتحدى واشنطن وتضيف زخمًا جديدًا للحرب التجارية

حسام السبكي

حسام السبكي

يبدو أن نيران الحرب التجارية، بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، لن ترى السبيل نحو الانخماد، على المدى القريب، على الأقل، خاصةً مع حالة التصعيد المستمر بين الجانبين، والتي بدأت في الحقيقة من الجانب الأمريكي، وبشكل أكثر تحديدًا، مع الإدارة الحالية، التي تتبنى نهجًا أحاديا، لا يريد أن يرى سوى بلد العام سام، في هذا العالم، لتنفرد كما السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، بالقوة الأحادية الجانب.

جديد الأزمة، يتمثل في ضربة تقنية، من جانب الشركة “الأكثر إزعاجًا للرئيس الأمريكي”، ألا وهي “هواوي”، عملاق صناعة معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية والإلكترونيات، فبعد إعلانها عن نيتها، قبل شهور طرح نظام تشغيل جديد، مضاهيا لـ”أندرويد” و”IOS” الأمريكيين، كرد على العقوبات الأمريكية، التي حرمت أجهزة الشركة الصينية من Android، أعلنت الشركة عن طرح وحدة معالجة مركزية جديدة من فئة “أساند 910″، لتسكب مزيدًا من البنزين على النيران المستعرة بين الجانبين.

أساند 910

فقد أعلن العملاق الصيني للتكنولوجيا، هواوي، أمس الجمعة، عن إطلاق أجدد “وحدة معالجة مركزية مصغّرة” من صناعة الشركة، في وسط معركة سياسية وقانونية وتجارية وتكنولوجية حادة تخوضها الشركة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

في هذا السياق، يرى بعض المراقبين في إطلاق الوحدة المصغرة، وتعرف اختصاراً بـ”مايكرو بروسِسور” (MICRO CPU) بالإنجليزية، محاولة من الشركة الصينية لمنافسة شركات أمريكية تحتكر بنسبة عالية السوق العالمية، أبرزها “إنفيديا” و”كوالكوم”.

وحول المُعالج الجديد للشركة الصينية، فهو ينتمي بالطبع إلى جيل ذكي من الوحدات، مخصص لتشغيل برامج ضخمة وجبارة.

وقد قدم إريك كزو، نائب المدير التنفيذي لـ”هواوي”، وحدة المعالجلة الجديدة، أمس الجمعة، في شنجن الصينية، وأطلق عليها اسم “أساند 910″، معلناً أنها صارت متاحة أمام الشركات ومراكز الأبحاث.

والوحدة في الواقع كشف عنها منذ تشرين الأول/ أكتوبر في العام الماضي، وهي صممت أساساً بهدف استخدامها من قبل الشركات التي تلجأ إلى الخوارزميات، وغيرها من البرامج الضخمة، التي بحاجة إلى “محرك” قوي لمعالجتها.

وقال كزو: إن الاختبارات الأخيرة التي أجريت على أساند 910، أثبتت فعاليتها وأداءها القوي، مضيفًا أنها تستهلك طاقة أقل مما كان متوقعاً.

واستمرارًا للتحدي، وعلى هامش المؤتمر ذاته، أكدت هواوي على استعدادها التام “للعيش والعمل في ظل قيود تجارية أمريكية”، مشددة على أن أنشطتها لم تتأثر بقرار واشنطن الصادر منتصف الأسبوع الماضي بتمديد مهلة تسمح لها بشراء إمدادات من شركات أمريكية.

كانت وزارة التجارة الأمريكية قد أعلنت، يوم الإثنين الماضي، أن الولايات المتحدة ستمدد مهلة تسمح لشركة هواوي بشراء مكونات من شركات أمريكية لتخدم عملاءها الحاليين، لكن الوزارة أقدمت أيضا على إضافة أكثر من 40 وحدة تابعة للشركة الصينية إلى قائمتها السوداء الاقتصادية.

يُشار إلى أن أساند 910 ليست الوحدة الأولى التي تطلقها الشركة الصينية، إذ سبق وأطلقت أساند 310، والتي حازت جائزة رواد العالم للإنجازات التكنولوجية والعلمية من بين 400 إنجاز تكنولوجي من خلال مشاركتها في المؤتمر العالمي الخامس للإنترنت في عام 2018.

ويرى متابعون أن هواوي تركز مؤخراً على الإنتاج الصيني الداخلي، ويقدمون نظام التشغيل الجديد الذي قدّمته مؤخراً (هونج مينج أو. إس)، للخروج من تحت عباءة أندرويد وجوجل، مثالاً على ذلك، خصوصاً وأن النظام موجود بنسخة إنجليزية.

في سياقٍ متصل، قال المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “هواوي” الصينية رين زينجفاي: إن مجموعته الرائدة ستتغلب على المصاعب الحالية، وتعهد بأن “تنشئ جيشا يسيطر على العالم” حسب تعبيره.

وقال زينجفاي البالغ 74 عاما، وهو ضابط سابق في الجيش الصيني، في رسالة إلى الموظفين، إن “عليهم أن يبدؤوا مرحلة شبيه بالمعركة حتى يتجاوزوا الأزمة”.

جدير بالذكر، أن الحكومة الأمريكية قد وضعت هواوي على قائمة سوداء خاصة بالشركات التجارية التي تخرق القانون الأمريكي، بعد شبهات بتعاملها مع حكومة بكين وتورطها بأعمال تجسس، ما يمنع على الشركات الأمريكية شراء التكنولوجيا منها.

تصعيد صيني رسمي

وإلى جانب الضربة التي نفذتها هواوي، تبعتها الحكومة الصينية بإجراء انتقامي جديد، بالإعلان عن فرض رسوم جمركية تخص سلع أمريكية داخل البلاد.

فقد كشفت الصين، أمس الجمعة، عن رسوم جمركية انتقامية على سلع أمريكية تُقدر قيمتها بنحو 75 مليار دولار، وذلك في أحدث تصعيد للنزاع التجاري الطويل الأمد بين أكبر اقتصادين في العالم.

وقالت وزارة التجارة الصينية، في بيان، إنها ستفرض رسوماً إضافية بنسبة خمسة أو عشرة بالمئة على 5078 منتجاً أمريكي المنشأ منها منتجات زراعية ونفط خام وطائرات صغيرة وسيارات.

وسيبدأ تطبيق الرسوم على بعض المنتجات في الأول من سبتمبر/ أيلول على أن تسري الرسوم على بقية المنتجات في 15 ديسمبر/ كانون الأول.

استفزاز أمريكي

وبعيدًا عن الشق التجاري أو الاقتصادي للحرب بين الصين والولايات المتحدة، فقد أقدمت الأخيرة على استفزاز من نوع جديد، ربما يكون له تبعات خطيرة في المستقبل، خاصةً مع ما تملكه الدولتان من مقومات ضخمة لتغيير موازين القوة في العالم.

فقد عبرت سفينة عسكرية أمريكية مضيق تايوان، أمس الجمعة، فيما يزيد الجيش الأمريكي من وتيرة تحركاته عبر الممر المائي الاستراتيجي رغم اعتراضات الصين.

وقال الجيش الأمريكي، في بيان: مرور السفينة عبر مضيق تايوان يظهر التزام الولايات المتحدة بحرية الملاحة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

وذكر الجيش أن السفينة غرين باي هي سفينة نقل برمائية، ويفصل مضيق تايوان الذي يبلغ عرضه 180 كيلومترًا تايوان، المتمتعة بحكم ذاتي عن الصين، التي تعتبر الجزيرة جزءًا من أراضيها.

لم تكتف الولايات المتحدة، بما أكده البنتاجون رسميا حول موافقة وشيكة للكونجرس الأمريكي على خطة لبيع 66 مقاتلة من طراز “إف-16″، ومعدات ذات صلة بقيمة ثمانية مليارات دولار إلى تايوان، التي تخوض نزاعًا انفصاليًا عن الصين.

ويبدو أن واشنطن لم تعبأ بتنديد بكين، التي طالبت الولايات المتحدة بالتخلي عن خططها لبيع المقاتلات إلى تايوان، مهددة باتخاذ “الإجراءات المطلوبة” للدفاع عن مصالحها.

الخاتمة

بينما تتخذ الولايات المتحدة، ملف الشركات الأمريكية، والعقوبات الاقتصادية، ورقة ضغط على بكين، من أجل تركيعها تحت الهيمنة الأمريكية، تقابله بكين بأوراق ضغط مماثلة، متمثلة في الرسوم الجمركية، و”هواوي”، وتهديدات كوريا الشمالية، التي تتمتع الصين بنفوذ سياسي كبير فيها، تبقى الحرب التجارية والدبلوماسية قائمة بين الجانبين، ولم تفلح اللقاءات الثنائية، ولا الابتسامات أمام عدسات الإعلاميين، ولا حتى المؤتمرات العالمية، والمبادرات الدولية، في إنهاء الأزمة أو حتى التخفيف من حدتها، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة ربما تكون أكثر تعقيدًا في المستقبل.

ربما يعجبك أيضا