“Joker” .. قصيدة سينمائية في حب الوحش

أماني ربيع

أماني ربيع

مثل أداء النجم الراحل هيث ليدجر لشخصية الجوكر في فيلم “The Dark Knight” عام 2008، والذي نال عنه جائزة الأوسكار رغم وفاته، رقما صعبا لكل من أراد تجسيد تلك الشخصية من بعده، حتى إنه باعتراف جاك نيكلسون الذي سبق وأداها قبله، أصبح أفضل من أدى تلك الشخصية الجامحة الشريرة الفوضوية على الإطلاق، وعندما قدم جاريد ليتو الجوكر في فيلم “Suicide Squad” عام 2016 لم يلق أداءه ترحيبا، وظل مكان هيدجر شاغرا حتى الأمس فقط.

كانت هناك مخاوف كثيرة من محبي الجوكر حول أداء النجم يواكين فينكس لها في فيلم جديد يتناول المرحلة التي سبقت تحول الجوكر إلى تلك الشخصية الشريرة، لكن النجم كان حاسما من البداية، وأكد أنه لم يضع الأمر في حسبانه، وأنه يتعامل مع الشخصية باعتبارها شخصية لا مرجعية لها، وأنه سيؤديها على النحو الذي يراه ولن يعتبر الأمر حتى تحديا.

ولادة جديدة

اعتمد الفيلم بشكل جزئي على القصة المصورة The Killing Joke من تأليف آلان مور وبريان بولاند عام 1988، لكن إلهامها كان سائق التاكسي في رائعة مارتن سكورسيزي وروبرت دينيرو، و”ملك الكوميديا” لنفس الثنائي أيضا، وربما يستحق سكورسيزي نسبة من أرباح الفيلم على إلهامه.

اعتبر الناقد ديفيد إيرلش من موقع “indiewire” فيلم “Joker”، أذكى إعادة تقديم سينمائي لشخصيات لأبطال الخارقين منذ فيلم “The Dark Knight”، ونسخة أصلية حقيقية سيتم تذكرها كواحدة من أقوى الأفلام “الاستعادية” في القرن والعشرين.

كان إنتاج عمل كهذا مأخوذا عن قصص “الكوميكس” دون مؤثرات بصرية أو أحداث خارقة إما شجاعا وخطيرا، وكان من الممكن أن يصبح من أسوأ الأفلام لكونه فيلما قاتما على قاتل نرجسي يرى أنه جدير بأن يحظى باهتمام العالم، رجل يفضل القتل من أجل الضحك، لكنه بدلا من ذلك قدم دراما محكمة وناجحة عن التأثيرات اللاإنسانية للنظام الرأسمالي الذي يمحو الخط الفاصل بين الثروة والقيمة الشخصية حتى تفقد الحياة نفسها قيمتها.

الضحكة الصعبة

وخلال المؤتمر الصحفي -الذي سبق عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي- تحدث يواكين عن مصدر إلهامه لأداء الدور وقال: إن الشيء الوحيد الذي أراده هو عدم تقليد أي أداء سابق يتعلق بالشخصية، بما في ذلك نسخة هيث ليدجر في “The Dark Knight”.

وأوضح فينيكس أن جزءا من جاذبية هذا الفيل هو الاقتراب منه على طريقتنا الخاصة تعاملنا مع الشخصية وكأنها شيء يتم إنشاؤه من جديد دون النظر لأي تكرارات سابقة.

وقال إنه خسر ما يزيد عن 23 كيلوجراما من وزنه ليتناسب شكله مع طبيعة الشخصية، وأضاف: “كنت مهتما بتقديم كفاحه للعثور على السعادة والشعور بالحب والدفء”، لافتا إلى أن الأسابيع الأولى من تصوير الشخصية كانت مختلفة عما وصل إليه في النهاية، “لقد كانت الشخصية تتطور باستمرار، لم أقم بتجربة كهذه من قبل، وكان ذلك من أكثر الأمور إثارة في مسيرتي.”

وكان أصعب الأمور في التحضير للشخصية هو الضحكة الشهيرة، وعن ذلك قال: “لم أكن مستعدا في بالبداية للقيام بالضحكة حتى طلب مني المخرج تود فيليبس تقديم اختبار للضحكة أمامه، وقتها شعرت أنه لا يجب علي فعل ذلك أمام أحد، كان أمرا غير مريح، واستغرقت وقتا طويلا للتحضير لتلك الضحكة”
أحداث فيلم “Joker” تدور في بداية ثمانينيات القرن العشرين عن شخصية آرثر فيليك -الذي يكافح إثبات نفسه كممثل ترفيهي في عالم يضهده- ونرى تحوله التدريجي إلى شخصية الجوكر الشريرة، ويشارك خواكين فينيكس، البطولة: روبرت دي نيرو، مارك مارون، زازي بيتز وشيا ويجهام، إخراج تود فيليبس.

وبالأمس كان العرض الأول لفيلم “Joker” في مهرجان فينيسيا السينمائي على مسرح Sale Grande، وكان بانتظار يواكين الكثير من الجمهور الذين وثقوا في قوته كممثل وحضروا خصيصا لمشاهدته والحصول على توقيعه، ولم يبخل عليهم النجم فالتقط الصور التذكارية بصحبة فريق العمل المخرج تود فيليبس والممثلة زازي بيتز، ومدير المهرجان السينمائي ألبرتو باربيرا.

وكانت المفاجأة هي الأداء المذهل ليواكين وقوة الفيلم التي دفعت حضور العرض الخاص على التصفيق لمدة 8 دقائق كاملة بعد انتهاء الفيلم وهتف الحضور بحرارة تحية ليواكين باعتبار أدائه ولادة جديدة لشخصية الجوكر.

أقوى الأفلام الاستعادية

قدم فيلم “Joker”  نظرة على الجانب الخفي من حياة شرير القصص الهزلية الأشهر، حيث يرسم المخرج تود فيليبس سنوات التكوين لعدو باتمان عندما كان ممثلا فاشلا في مدينة “جوثام سيتي”، نرى شخصا وحيدا وخاسرا، لذا يمكننا اعتباره فيلما يدعونا إلى حب الوحش.

ويقدم لنا يواكين فينيكس أداءا منوما وغير مكترث يعيش على الهامش في أوائل الثمانينيات بمدينة جوثام، حيث نرى شوارعها الخلفية المتعفنة بعد وقت طويل من إضراب عمال القمامة المستمر، نرى آرثر يحدق في المرآة وهو يرسم الماكياج على وجهه مجبرا من أجل وظيفته البائسة في غرفة مليئة بمهرجين يكرهون أنفسهم، نراه وكأنه نوع خاص من الحزن.

نشاهد الجوكر بكل ظلامه الداخلي ضد شوارع جوثام المغطاة بالنيون حيث تتحول الدودة الحقيرة إلى وحش، وكل معذبيه الذين تجاهلوه ثم ضحكوا عليه سوف يموتون، والجوكر لا يبدو هنا شيطانا بل ملاكا للانتقام.

ربما يعجبك أيضا