تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.. صفحة جديدة للعلاقات أم مجرد مصالح سياسية؟

حسام السبكي

حسام السبكي

في خطوة جديدة وغير مسبوقة، أو على الأقل طال انتظارها، أجرت كلٌ من روسيا وأوكرانيا أول “عملية كبرى”، كما وصفتها وسائل إعلام غربية، ودوائر صناع القرار في أوروبا، لتبادل الأسرى بين البلدين، بعد نحو أكثر من 5 سنوات، منذ اندلاع الثورة الأوكرانية، في فبراير 2014، والتي أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، المعروف بولائه لموسكو، ومهدت لانسلاخ أوكراني من العباءة الروسية، والعودة من جديد إلى أحضان البيت الأوروبي الكبير.

وسط تفاؤل من الجانبين، وترحيب دولي واسع، رسمت ملامح “الخطوة الأولى”، لاستعادة أوكرانيا هيمنتها وسيادتها على أراضيها، فهل تفتح العملية الدبلوماسية الطريق نحو خطوات أخرى أكثر إيجابية، أم أنها لا تزيد عن كونها تحقيقًا لمصالح سياسية ووعود انتخابية، خاصةً مع اقتراب الانتخابات المتعددة المستويات (بلدية وانتخابات محافظي مقاطعات، إضافة إلى انتخابات فرعية لمجلس النواب (الدوما) الروسي) التي تشهدها روسيا، بدءًا من اليوم الأحد؟

تبادل الأسرى

استقبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، السجناء السابقين الذين كانوا محتجزين في روسيا، يأتي ذلك في إطار أول عملية تبادل أسرى كبيرة بين البلدين منذ بدء النزاع شرق أوكرانيا، وشملت العملية 70 أسيرا، بينهم المخرج الأوكراني أوليغ سينتسوف، في عملية وصفها زيلينسكي بـ”الخطوة الأولى” نحو إنهاء الحرب في شرق أوكرانيا.

وفي وقت سابق أعلن مصدر حكومي في كييف أن عملية تبادل للأسرى جارية بين روسيا وأوكرانيا السبت وتشمل 70 شخصا، وأشار المصدر إلى أن كل جانب سيسلم 35 سجينا، في أول عملية تبادل كبيرة بين البلدين منذ اندلاع النزاع في شرق أوكرانيا عام 2014.

وهبطت بالفعل طائرتان تحملان 35 سجينا من كل جانب في كل من موسكو وكييف، وسط تصفيق أقاربهم الذين كانوا بانتظارهم.

إشادة أوكرانية

بمشاعر غلب عليها التفاؤل الكبير، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، عملية تبادل السجناء مع روسيا بـ”الخطوة الأولى” نحو إنهاء الحرب في شرق أوكرانيا واستعادة الأراضي التي ضمتها موسكو. إذ قال بعد استقباله السجناء السابقين في مطار بوريسبيل في كييف: “قمنا بالخطوة الأولى (…) علينا استكمال جميع الخطوات لإنهاء هذه الحرب البشعة”، متعهدا باستعادة “أراضينا”.

وكان الممثل الكوميدي السابق، قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة السجناء الأوكرانيين في روسيا وشدد على أن إنهاء النزاع مع موسكو يتصدر أولوياته.

وبين المشمولين بعملية التبادل 24 بحارا أوكرانيا والمخرج الأوكراني أوليغ سينتسوف والصحفي الروسي كيريلو فيشنسكي.

وكان أوليغ سينتسوف (43 عاما) قد أوقف في 2014 وحكم عليه بالسجن 20 عاما في معسكر في المنطقة الروسية القطبية بتهمة “التحضير لهجمات إرهابية” بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم. ويعد إطلاق سراح سينتسوف انتصارا كبيرا لكييف؛ إذ كان المخرج أشهر سجين سياسي أوكراني وانطلقت حملة دولية واسعة داعية للإفراج عنه.

وقال سينتسوف في مطار كييف: “أشكر كل من كافح من أجلنا”.

سعادة روسية

أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن أمله في أن يؤدي هذا الإجراء (عملية تبادل الأسرى)، إلى “خطوة كبيرة نحو تطبيع العلاقات” بين البلدين، خاصةً بعد وصول الممثل السابق فولوديمير زيلينسكي إلى سدة الحكم في مايو/ أيار.

وازداد الترقب منذ أيام لعملية التبادل التي جاءت ثمرة أسابيع من المفاوضات السرية بين الجانبين.

وعزز انتخاب زيلينسكي في أبريل/ نيسان الآمال بإعادة إحياء عملية السلام المتوقفة بين موسكو وكييف.

من جانبها، أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا”، السبت، أن تبادل السجناء بين روسيا وأوكرانيا، كان نتيجة للإرادة السياسية والعمل الجاد المنهجي، مؤكدة أنه من الضروري الحفاظ على هذه الأجواء بين البلدين.

وكتبت زاخاروفا -على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” – أنه “على الرغم من الاستفزازات التي حدثت والصعوبات، إلا أن عملية (التبادل) حدثت.. إنها خطوة مهمة للغاية.. من الضروري الحفاظ قدر الإمكان على هذه الأجواء لحل المشكلات، وليس لتعميقها فالإرادة السياسية والعمل الدؤوب المنهجي يؤتي ثماره”.

وتابعت المسؤولة الروسية، “من الواضح في هذا السياق أن عادة إلقاء اللوم على روسيا في جميع مشاكل أوكرانيا يجب أن تبقى في الماضي”، لافتة إلى أن “الخطاب المستمر المناهض لروسيا لن يقرب البلاد من حل المشكلات السياسية والاقتصادية الداخلية الحقيقية”.


وكان الموفد الأمريكي الخاص للمفاوضات الأوكرانية كورت فولكر قد أعرب -في وقت سابق عبر تويتر- عن “سروره برؤية البحارة الأوكرانيين يعودون إلى الوطن وتبادل السجناء بين أوكرانيا وروسيا”.

وأضاف، “آمل أن يسهم ذلك في دينامية جديدة من أجل عمليات تبادل أخرى للسجناء وتمديد وقف إطلاق النار وإحراز تقدم في التنفيذ التام لاتفاقات مينسك” التي وقعت العام 2015.

وصرح مسؤول في الخارجية الأمريكية، وفقًا لـ “وكالة الأنباء الفرنسية”: “نرحب بمؤشرات حوار أكثر صلابة بين روسيا وأوكرانيا”، مؤكدا “دعم الجهود” التي يبذلها الرئيس الأوكراني الجديد فولوديمير زيلينسكي من أجل “حل دبلوماسي”.

من جانبه، أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمبادرة واعترها خطوة حاسمة، كما رحب ماكرون بالإفراج عن المخرج سينتسوف وقالت الرئاسة الفرنسية “إنها خطوة حاسمة نحو استئناف حوار بناء يجب أن يتواصل في الأسابيع المقبلة”.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، السبت، في بيان “إنها بادرة تظهر استعداد روسيا وأوكرانيا لاحياء حوارهما ستدعم فرنسا إلى جانب ألمانيا، جهود الجانبين بهدف تحقيق تقدم ملموس جديد في الأسابيع المقبلة”.

ويتوجه لودريان ووزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، إلى موسكو، الاثنين، لإجراء أول محادثات رفيعة المستوى “2 + 2” مع نظيريهما الروسيين منذ ضم موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014.

وأضاف لودريان أن “النزاع الأوكراني سيكون في صلب جدول أعمال مجلس التعاون الفرنسي الروسي بشأن المسائل الامنية”.

وأضاف “تراوح الأولويات بين ترسيخ وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة وإزالة الألغام والخطوات الإنسانية العاجلة لسكان منطقة دونباس”.

كما دعا لودريان إلى بذل جهود جديدة لتنفيذ اتفاق مينسك لوقف إطلاق النار لعام 2015، “من أجل ضمان الافراج عن جميع الأسرى الذين اعتقلوا في هذا النزاع”.

أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فأكدت أن عملية التبادل تمنح “بصيص أمل”.

ودعت ميركل إلى تطبيق اتفاق لوقف إطلاق النار ساهمت باريس وبرلين في التوصل إليه في 2015.

ورحبت مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسية الخارجية، فيديريكا موجيريني، بإتمام روسيا وأوكرانيا عملية “تبادل السجناء”، داعية إلى تكثيف هذه الدفعة في العلاقات بين البلدين.

وقالت موجيريني، في بيان أصدره مكتبها الصحفي، “يتوقع الاتحاد الأوروبي أن كل الأطراف ستقوم بتكثيف هذه الدفعة”.


ترحيب وتفاؤل دولي

رغم ميل الكفة الدولية، بشكل كبير، ولأسباب عدة، في غير صالح روسيا، إلا أنه وللمرة الأولى غالبًا، يرحب المجتمع الدولي بـ “الإنجاز الكبير”، ويرون فيه خطوة نحو السلام، بعد خمس سنوات من العلاقات المتدهورة، بين كييف وموسكو في 2014، عندما أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم، ودعمت الانفصاليين في منطقتي دونيتسك ولوغانسك الصناعيتين في شرق أوكرانيا، كما أسفرت المعارك في المنطقة عن مقتل أكثر من 13 ألف شخص خلال السنوات الخمس الأخيرة.

فقد اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن التبادل التاريخي للسجناء “قد يكون خطوة أولى عملاقة نحو السلام”، مهنئا البلدين اللذين يخوضان نزاعا منذ خمسة أعوام. وكتب ترامب ايضا على “تويتر”: “خبر جيدا جدا”.

ربما يعجبك أيضا