الانتخابات المحلية الروسية.. هل هُزم “القيصر” في عقر داره؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تعيش المعارضة الروسية حالة من نشوة الانتصار غير المسبوقة، بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات المحلية التي جرت الأحد الماضي،  خسارة  الحزب الحاكم “روسيا الموحدة” ثلث مقاعده في مجلس مدينة “موسكو”، فيما يشبه طفرة ثورية.. فانتخابات العاصمة تعد مؤشرا حقيقيا على  المزاج العام للناخبين في عموم البلاد.

 الأحد الماضي، شهدت 85 منطقة روسية أكثر من 5 آلاف حملة انتخابية متفاوتة المستوى، من بينها انتتخابات المجالس التشريعية في 13 إقليما، والمحافظين في 16 إقليما، والمجالس البلدية في 22 مدينة، ورؤساء البلديات في 3 عواصم إقليمية، بالإضافة إلى الانتخابات الجزئية في مجلس النواب “الدوما” في 4 دوائر فردية.

وأظهرت النتائج  الأولية، أن المرشحين المستقلين حصلوا على 26 من أصل 45 مقعدا في المجلس، يليهم المرشحون عن الحزب الشيوعي مع 13 مقعدا بعد أن كانوا يشغلون 5 مقاعد فقط، فيما حصل حزبا “يابلوكو” و”روسيا العادلة” على 3 مقاعد لكل منهما،واحتفظ الحزب الحاكم بالأغلبية عبر نواب مستقلين يحظون بدعمه، ولكنه خسر 13 مقعدا.

وعمق مشهد خسارة الحزب الحاكم في موسكو، أن تسعة نواب سابقين من الحزب  لم يتم انتخابهم من جديد، بينهم رئيس فرع الحزب في موسكو أندري ميتيلسكي الذي انتخب للمرة الأولى في 2001.

نكران الكرملين
جاءت هذه الانتخابات بعد صيف ساخن في روسيا، شهدت فيه العاصمة وبشكل شبه أسبوعي تنظيم مظاهرات حاشدة منذ منتصف يوليو الماضي، احتجاجا على استبعاد مرشحين من المعارضة من انتخابات البرلمان المحلي، أسفرت عن مواجهات هي الأعنف منذ 2011 بين الشرطة والمتظاهرين، فضلا عن توقيف نحو 2700 شخص والحكم على بعضهم بأحكام سجن وصلت إلى 4 سنوات.

 لكن الكرملين نفى أن تكون هذه المواجهات سببا في خسارة “روسيا الموحدة”، وقال المتحدث باسمه دميتري بيسكوف: كلا، لا يمكننا أن نتفق مع هذا الرأي، بالعكس أشارت نتائج الانتخابات إلى أن تخمينات الخبراء السياسيين حول التصويت الاحتجاجي لم تجد ما يؤكدها، لعلكم تعلمون أن التقلبات في الأرقام أمر ممكن في الانتخابات، وسيكون من الخطأ الجسيم استخلاص استنتاجات معينة من ذلك.

أما زعيم الحزب رئيس الوزراء، دميتري مدفيديف، فوصف النتائج بـ”الجيدة جيدا”، مشيرا إلى أن “روسيا الموحدة” حصل في هذه الانتخابات على نحو 85% من أصوات الناخبين وعزز تمثيله في كثير من مناطق البلاد، فضلا عن أن جميع رؤساء الأقاليم الذين ترشحوا عن الحزب أو حظوا بدعمه بشكل أو بآخر، فازوا بالانتخابات.

دفاعا عن النظام الانتخابي في وجه مطالبات المعارضة بتعديله، قالت رئيسة مجلس الشيوخ فالينتينا ماتفيينكو: اقتراع 8 سبتمبر أثبت فعالية النظام الانتخابي والتشريعات الانتخابية، وأنهما لا يحتاجان إلى أي إصلاح جذري.

بحسب متابعين يعاني حزب “روسيا الموحدة” من تراجع لشعبيته بين العامة، نتيجة عدة عوامل لعل أبرزها الركود الاقتصادي وفشل الحزب في الوفاء بوعوده البراقة فيما يتعلق بمكافحة الفساد وتحسين مستوى المعيشة، وأمام هذا أضطر الحزب إلى خوض الانتخابات بعدد لا بأس منه من المرشحين المستقلين إلى جانب قوائمه الموحدة، تفاديا لانتقال الأصوات إلى الأحزاب والشخصيات المعارضة.. لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.

صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الموالية للكرملين، حملت الحزب  الحاكم نتيجة الانتخابات، معتبرة أن المبادرات التي أتخذها للتعاطي مع الاحتجاجات تسببت في زيادة انزعاج العامة، ووصفته بـ”الحزب السام”، ففي العادة الانتخابات المحلية لا تحظى بأهمية كبرى في روسيا، إلا أن رفض السلطات لتسجيل عشرات المرشحين المحسوبين على المعارضة هو ما أجج الشارع، وعاد بنتيجة عكسية على حزب بوتين.

التصويت الذكي
مجلة “التايم”، اعتبرت أن الفائز الحقيقي في وجه بوتين، هو “التصويت الذكي”، الاستراتيجية التي دعا لها زعيم المعارضة  أليكس نافالني، لكسر احتكار الحزب الحاكم من خلال ترشيح عدد كبير من الأشخاص الذين يتمتعون بسمعة جيدة لدى المواطنين، وطالب نافالني في فيديو نشره عشية الانتخابات، الناخبين بالتصويت بشكل أساسي في موسكو لصالح أي شخص قد يكون قادرًا على هزيمة مرشح “روسيا الموحدة”، وقال : الأحد سيكون أول جهدنا لتنظيم عمل مشترك حقيقي.. سنمسك في أيدينا قطعة صغيرة من القوة وهي ورقة الاقتراع، مؤكدا أن الامتناع عن الانتخاب هو الذي ساعد على مكوث بوتين في السلطة طيلة 20 عاما.

في شبه جزيرة القرم، قاطع القسم الأكبر من السكان انتخابات المحتل الروسي وبقيت نسبة المشاركة أدنى من 30%، وفقا لتصريحات من رئيس المجلس الوطني لتتار القرم، رفعت جوباروف.

قراءة في نتائج الانتخابات
نذكر جيدا كيف لجأ بوتين إلى شن حروب خارجية إثر احتجاجات واسعة ما بين 2011 و2012 على سياساته الداخلية، فنظر إلى الجوار واتخذ قرارا بضم “القرم” الأوكرانية في خطوة عززت شعبيته وقسمت المعارضة، لكنها أيضا قابلت رفضا دوليا أفصى إلى فرض عقوبات على موسكو، لكنه لم يتوقف وفي 2014 بدأ يتدخل في سوريا لمواجهة الولايات المتحدة بشكل أساسي، كما تدخل في الانتخابات الأمريكية 2016.

كان من المفترض أن تنعكس هذه الخطوات إيجابيا على شعبية الحزب الحاكم، لكن في ظل نتائج الانتخابات الأخيرة والتي تعد مؤشرا للصورة التي ستكون عليها الانتخابات البرلمانية 2021 والرئاسية من بعدها، يبدو أن بوتين وحزبه قد عادا إلى المربع الأول، كما لو كنا أمام ذات الصورة في 2011، بل وأكثر قتامة.

بحسب استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا،  نشر في الثالث من سبتمبر الجاري، تارجعت شعبية بوتين إلى ما كانت عليه في 2011 وربما أسوأ، وكما أن غالبية الروس “58٪” لا يتفقون مع “الدعاية الحكومية” بشأن  التدخل الغربي في احتجاجات موسكو، ونحو 41% منهم يعتقدون أن الحملة الأمنية  لقمع الاحتجاجات كانت قاسمة للغاية ومرفوضة.

يتوقع خبراء أن يواجه بوتين مقاومة شرسة في حال قرر تمديد فترة إقامته في الكرملين عندما تنتهي ولايته الحالية 2024، وحتى حروبه الخارجية لن تجدي نفعا، لأن الناخب الروسي حاليا يركز أكثر على الاقتصاد الراكد والفساد المتفشي في أركان الدولة، فضلا عن أنه يعتبر سياسة الحروب الخارجية لبوتين هي السبب في العزلة الدولية للبلاد.
 

 

ربما يعجبك أيضا