هل يمكن إعادة تأهيل المقاتلين الأجانب للحياة من جديد في ألمانيا؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ألقت السلطات الألمانية القبض على أرملة مغني الراب الألماني السابق والإرهابي المنتمي لتنظيم داعش، دنيس كوسبرت، بناء على أمر اعتقال من الادعاء العام الاتحادي.

وأعلن الادعاء العام في مقره بمدينة كارلسروه يوم التاسع من سبتمبر 2019 أنه تم القبض على “أميمة أ”، التي تحمل الجنسية الألمانية والتونسية، في مدينة هامبورغ، للاشتباه في أنها كانت عضوة في تنظيم داعش في سوريا.

من هي” أميمة أ”؟
أميمة مواطنة ألمانية رحلت إلى سوريا عام 2014، حيث انضمت لصفوف تنظيم داعش الإرهابي، وتزوجت لاحقاً بإرهابي ألماني بارز هو دنيس كوسبرت، غير أن المرأة نفسها يبدو أنها كانت تعيش حياة طبيعية في ألمانيا، إلى أن تم اعتقالها.  

ولدت أميمة في صيف عام 1984 شمال مدينة هامبورغ، ويبدو أنها وقعت في غرام رجل يدعى نادر حضرة وتزوجته، وانتقل نادر إلى الأوساط السلفية، وكان على علاقة ببعض أبرز المتطرفين الإسلاميين في ألمانيا.

وتقول جنان: إن أميمة وأولادها الثلاثة تبعوا زوجها إلى سوريا.

كانت أميمة نشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التابعة لداعش في ألمانيا و سوريا مع وجود أدلة أنها كانت تدير حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم داعش أثناء وجودها في سوريا.

السؤال: هل الاستخبارات الألمانية كانت غير قادرة على الوصول إلى سجل أميمة وانضمامها إلى تنظيم داعش؟
الحكومة الألمانية والمدعي العام، بدون شك تتوفر لديه المعلومات حول التحاق أميمة وآخرين بتنظيم داعش، لكن العقدة تكمن في القوانين والإجراءات الألمانية، والتي يمكن وصفها بأنها ثغرة أمنية وهي عدم اعتبار السفر إلى سوريا والعراق والالتحاق بالتنظيمات المتطرفة تهمة يحاسب عليها القانون! ويبدو أن هذا هو السبب وراء منع الادعاء العام الألماني العام في محكمة كارلسروه إصدار الأوامر القضائية باعتقالها منذ الكشف عن دخولها ألمانيا مطلع هذا العام 2019.

المشكلة تكمن في أن محكمة كارلسروه المعنية بالإرهاب، والمدعي العام ما زال لحد الآن يتعامل مع قضايا الإرهاب كقضية جنائية، بحيث لم يتم إلقاء القبض على أميمة إلا بعد مضي عدة أشهر، وهذه ثغرة أمنية.

كيف يتمكن المقاتلون الأجانب من العودة إلى ألمانيا دون الوقوف أمام المحاكم؟
تسعى عناصر تنظيم داعش العودة إلى أوروبا بعد خسارة التنظيم معاقله في العراق وسوريا منذ أكتوبر عام 2017 إلى العودة إلى أوطانهم ـ دول أوروبا تحديدا- باللجوء إلى شبكات تهريب البشر عبر تركيا مقابل دفع الأموال، وهنا يظهر دور الحكومة التركية، حول كيفية السماح لعناصر الدواعش بالمرور عبر النقاط الحدودية أو المغادرة عبر مطاراتها، علما بأن التحقيقات تؤكد أن الدخول والمغادرة تكون بأختام رسمية.

العائدون من عناصر تنظيم داعش، يسلكون طرق سفر غير مباشرة للعودة إلى مدنهم، من أجل الإفلات من المراقبة أو الفحص في المعابر الحدودية.

صنفت أجهزة الاستخبارات الداخلية الألمانية أعدادا من النساء والمراهقين كإسلاميين خطرين أمنيا يمكنهم القيام بأعمال إرهابية.

وذكرت مصادر أمنية أن النساء والمراهقين، يشكلون نسبة ضئيلة دون عشرة بالمئة بين نحو 720 متشددا إسلاميا مصنفين على أنهم خطرين أمنياً.

أسباب النزوح نحو التطرف من داخل أوروبا:

ـ البحث عن الهوية : أغلب الملتحقين بالتنظيمات المتطرفة، هم من أصول إسلامية، يعيشون في أوروبا، وربما من أكثر من جيل، يعيش البعض حالة من الازدواجية مابين البلد الأم والبلد الذي يعيشه، أحيانا يجد نفسه رافضا للدولة والمجتمع الذي يعيش فيه.

ـ الفشل في الدراسة أو العمل: يتجه الشباب نحو التطرف، بعد أن يميل إلى العزلة والانغلاق على نفسه، ويجد في التنظيمات المتطرفة وسيلة ثأر أو ربما “التعبير عن قدرته” التي فشل اثباتها في الدراسة أو العمل أو الأسرة.

ـ الضغوطات النفسية والاكتئاب: كشفت التحقيقات ان بعض من نفذ عمليات إرهابية أو التحق بالقتال، كان يعاني من ضغوطات نفسية أو أزمات اجتماعية عائلية أو فشل، إلى جانب حالة الادمان على المخدرات والكحول.

لكن تبقى دائرة العلاقات الاجتماعية داخل الاسرة والمجتمع والمدرسة، هي العنصر الأهم، فأغلب النساء التحقن بالقتال نتيجة علاقات “رومانسية” عبر النت أو على الأرض.

هل يمكن إعادة تأهيل عناصر داعش للحياة من جديد؟
كشفت تحقيقات أجهزة الاستخبارات، بأنه من الصعب نزع ايدلوجية التطرف من الذين التحقوا في القتال بصفوف داعش، ومضوا سنوات تحت مظلة مايسمى”دولة الخلافة”، واعترف مسؤولون عن برنامج “الحياة” التي تديره الحكومة الألمانية، حول الوقاية من التطرف، بفشل محاولاتهم، وهذا ما أعلنته ايضا تطبيقات تنفذ من قبل الحكومة الفرنسية والهولندية.

لكن يمكن تطبيق برامج الوقاية من التطرف بالنسبة حديثي النزوح نحو التطرف  محليا، فالإحصاءات تؤكد ارتفاع وتيرة تجنيد النساء بعد الهزائم المتتالية التي مني بها التنظيم مؤخرا.

يرى الباحث السياسي رالف غضبان في حديث لـDW عربية، أن ما يدفع هؤلاء الفتيات إلى الالتحاق بداعش ليس سببا دينيا، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون وتحديدا للرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى.

رصدت مجموعة “الوقاية من الإرهاب” التابعة لوزارة الداخلية، خطابات إلكترونية مكثفة للمتطرفين على الإنترنت إلى المراهقات المسلمات المقيمات في ألمانيا، وتنجح هذه المحاولات أكثر مما في السابق في توريط المراهقات في العمل مع التنظيمات المتطرفة.

نساء داعش، هن المعادلة الأصعب داخل التنظيم، فرغم ادعاء بعضهن بأنهن لم يتورطن في القتال أو جرائم حرب والانخراط في أعمال الأسرة، فإن تحقيقات ووثائق تنظيم داعش كشفت، بأن المرأة داخل التنظيم عنصر هام.

تنظيم داعش استثمر المرأة أكثر من بقية التنظيمات المتطرفة أبرزها تنظيم القاعدة، واحتلت المرأة، درجة متقدمة في التنظيم في العمل “الجهادي”.

أبرز الأدوار التي تنفذها المرأة داخل التنظيم

ـ المشاركة في “الحوكمة” ساهمت المرأة داخل التنظيم بالعمل في “مؤسسات” تنظيم دعش في إدارة “الولايات” ومنها “الحسبة” جهاز الشرطة.

ـ جمع المعلومات الاستخبارية عن الأشخاص والمؤسسات التي يستهدفها تنظيم داعش وربما اختراق بعض أجهزة الأمن في العراق وسوريا، للحصول على المعلومات والخطط بشكل استباقي، وهنا يظهر العنصر الاستخباري ودور المرأة، على غرار أجهزة الاستخبارات.

ـ الترويج إلى الدعاية المتطرفة للتنظيم على شبكة النت، وهذا ماكشفته وكالة الاستخبارات الألمانية الداخلية” شبكة سلفيات ألمانيات” التي كانت تنشط في كسب الشباب على الانترنت من أجل تنفيذ عمليات إرهابية محليا أو الالتحاق بصفوف داعش.

ـ التجنيد: استغل تنظيم داعش قدرة النساء وتأثيرهن على الشباب في الالتحاق بالقتال أو تنفيذ عمليات إرهابية محليا من خلال ارتباطهن بعلاقات مع الشباب.

التوصيات
إن عودة المقاتلين الأجانب إلى ألمانيا ودول أوروبا دون المثول أمام القضاء أو أجهزة الأمن، يعتبر ثغرة أمنية، هذه العناصر تمتلك الخبرة في التطرف والإرهاب وممكن أن تنفذ عمليات إرهابية بعد عودتها.

تحتاج الحكومة الألمانية أن تراجع قوانينها الخاصة في مكافحة الإرهاب والتطرف، واعتبار الالتحاق بالتنظيمات المتطرفة محليا أو خارجيا جريمة يعاقب عليها القانون، وفي أي حال تحتاج الحكومة تعديل قوانينها، بوضع العائدين من عناصر تنظيم داعش، تحت الحجز الاحترازي أو الاحتياطي، لحين إكمال التحقيقات الأمنية، للتأكد من تورطه من عدمه في عمليات إرهابية.

ربما يعجبك أيضا