داخل مخيم الهول.. وحشية “نساء داعش” تعمق مرارة اللجوء

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

سقط تنظيم الدولة “داعش” أمام عيونهن، وبقي ركامه عالقًا في أذهان نساء التنظيم المتواجدات داخل مخيم الهول بشمال سوريا، المتمسكات بأفكاره المتشددة، واللاتي يستمتن في الدفاع عنه دون خوف.

ويحاول نساء التنظيم داخل المخيم باختلاف جنسياتهن، لتحويله إلى “خلافة مصغرة”، ولا زلن يؤمن بـالجهاد ويجاهرن به، ويعتبرن وجودهن داخل أسوار الهول ذلا ومهانة.

وعُثر على جثة امرأة في صهريج للتخلص من النفايات العضوية في ​مخيم الهول​ للاجئين، والذي يضم عددا كبيرا من نساء تنظيم الدولة وأطفالهن، وبالرغم من أن الجثة كانت في حالة تحلل إلا أن أثار الإصابات كانت واضحة، حيث تعرضت الضحية لضربات متكررة على الرأس، ربما يكون ذلك بقضيب حديدي، بحسب صحيفة “التايمز” البريطانية.

“لا أحد من النساء في المخيم واتتها الشجاعة للحديث عن العنف المتزايد في المخيم الذي يُؤوي نحو 3100 من نساء مقاتلي التنظيم وسبعة آلاف طفل، عدا امرأتين تحدثتا عن امرأة يبدو أنها من مسلمات الإيغور كانت في المخيم ويعتقد أنها كانت على علاقة بلاجئ عراقي، وأشار تقرير أمني محلي لاحقا أن هذه هي المرأة التي عُثر على جثتها، وفقًا لـ”التايمز”.

“الجميع يعرف القاتل، ولكن لا أحد يجرؤ على الحديث، حيث يُعتقد أن القاتل هن نساء الحسبة، أو الشرطة الأخلاقية النسائية التابعة لتنظيم الدولة”، بحسب الصحيفة.

وتمتد القبضة العنيفة لهؤلاء المتعصبين إلى أبعد من “الملحق” لتشمل عشرات الآلاف من أطفال المعسكر الآخرين الذين يظهرون علامات على أنهم أصبحوا أكثر تطرفًا من آبائهم.

وتقول أيلول رزغر، امرأة سورية مسؤولة عن إدارة المعسكر: “العنف هنا يزداد سوءًا، وفي كل مرة ينشر فيها “أبو بكر البغدادي” زعيم داعش، بياناً يدعو إلى الانتفاضة، تصبح النساء الأجنبيات هنا أكثر تعصبا ويحاولن إعادة إحياء التنظيم”.

السيدة رزغر ليست وحدها التي تعتقد بأن “داعش” يحاول إعادة إحياء التنيظم داخل مخيم الهول، حيث أشار تقرير صادر عن البنتاجون في أغسطس الماضي، إلى أن الحد الأدنى من الأمن في أكبر مخيم للاجئين في شمال سوريا، قد خلق الظروف المواتية لانتشار أيديولوجية “داعش” داخل المخيم بلا منازع، لافتًا إلى أن المخيم أصبح حاضنة لجيل من المقاتلين.

بني مخيم الهول لإيواء 20.000 لاجئ من العراق، تضخمت أعداد اللاجئين مع وصول الآلاف من عائلات داعش التي فرت من باغوز، ويعيش الآن بداخله نحو 70.000 شخص من 58 دولة، معظمهم من العراقيين، في خيام وسط ظروف قاسية أدت إلى تفشي المرض بشكل متكرر وارتفاع معدل وفيات الرضع.

 لاحظ السكان وسلطات المخيم أن البغوزيات يحاولن تطبيق قواعد صارمة خاصة بالثياب، مما أدى إلى عودة المعسكر إلى اللون الأسود مع تبني النساء النقاب الكامل مرة أخرى بالإضافة إلى القفاز.

“نحن لا نعيش حياتنا هنا كما نريد”، هكذا قالت امرأة ألمانية الجنسية من هامبورغ، تدعى دانييلا، بينما كانت جالسة بجانب خيمتها مع أولادها الثلاثة الصغار، وجميعهم ولدوا بعد انضمامها للتنظيم، وأعربت عن خيبة آملها، فقد وصفت المخيم بأنه منقسم بين من يشعرن بالسخط من داعش وأقلية أقل إصرارا مصممة على الحفاظ على فكر التنظيم، فإذا فعلت أي شيء يعتبر بالنسبة لهم “غير إسلامي”، فسيتم معاقبتك”.

على الرغم من أن عددا صغيرا من البلدان قد أعاد النساء والأطفال من المخيم إلى موطنهم، إلا أن الغالبية رفضت إعادتهم، تاركة السلطات المحلية تكافح من أجل التعامل مع العدد الهائل من الذين بقوا وفكرهم المتشدد المتزايد.

كان سلوك الأطفال في المخيم أول مؤشر للتغيير، ففي البداية تعرض الأطفال لصدمة بسبب تعرضهم للمعركة، وبدوا ودودين مع موظفي المخيم والحراس، الآن يقوم الأطفال بقصف دوريات الوحدة الأمنية المؤلفة من 400 فرد والتي تحرس المخيم ويطلق عليها “الأسايش” بالحجارة.

قال جابر مصطفى (34 عاما)، أحد موظفي الحراسة: “في البداية كان الأطفال طيبين وودودين، لكن طُلب منهم الابتعاد عنا أو مواجهة العقوبة من قبل نساء الحسبة، الآن، عندما أمشي  حول أسوار المخيم، يقصفوني بالحجارة، حتى فرق التطعيم يتم إلقاء الحجارة عليها، أشعر أنهم بدأوا يتأثرون بفكر النساء بالداخل”.

على الرغم من أن حركة الإناث المهاجرات من البالغين تقتصر على الملحق، فإن أطفالها يتمتعون بسهولة الوصول إلى الأقسام الثمانية الأخرى من المخيم التي تضم السوريين والعراقيين، وفي هذه الظروف وغياب التعليم ، يسهل عليهم التأثر بالمتطرفين.

في يونيو الماضي، وقعت أول جريمة قتل في في الهول، عندما تعرضت فتاة أذربيجانية تدعى غلسون (14 عامًا) للضرب والخنق حتى الموت على أيدي نساء الحسبة، وكانت جدتها من بينهم، تقول امرأة تدعى لي رزجار: “لقد أرادت أن تزيل نقابها وتترك داعش”، وتظهر صور جثة الفتاة الصغيرة كدمات داكنة حول عنقها نتيجة الخنق.

في 28 يوليو، وبعد أسبوعين من رفع علم “داعش” في وسط المخيم، قُتلت امرأة إندونيسية تبلغ من العمر 35 عامًا ومعروفة باسم “سعودريني”، حيث تعرضت للضرب حتى الموت على يد الحسبة لسخطها على داعش.

في 4 سبتمبر تم العثور على جثة لاجئ عراقي ذكر، وتقول السلطات إنه قُتل على يد رجلين يرتديان الحجاب، في وقت شنت فيه حملة ضد أي شخص يشتبه في عدم ولائه لـ”داعش”.

وفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد تم إحراق 128 خيمة داخل المخيم في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر سبتمبر فقط، وتقول ريزجار: “لقد أعادت “الحسبة” تنظيم أنفسهم هنا، لديهم مجموعة تحرس المعسكر، وأخرى مسؤولة عن إحراق الخيام وتوجيه التهديدات، وأخرى للضرب والقتل”.

ارتفع عدد محاولات الهروب، حيث ألقت القوات الكردية القبض على أربع نساء روسيات بالقرب من الحدود العراقية، بعد أن دفعت للمهربين داخل المعسكر لمساعدتهم على الفرار، تقول رزغر “إن السجلات الرسمية للمخيم غير مكتملة بسبب عدد النساء اللائي يستخدمن أسماء مزيفة، لذلك لم يكن من الممكن دائمًا تحديد من هرب، فمعظم الهاربين استعادناهم بسرعة، لكن البعض يفلت ولم نكن نعرف أنه في عداد المفقودين”.

وتضيف رزغر “حتى إذا أرسل التحالف الدولي قواته هنا، فلن يكون ذلك كافيا للسيطرة على الموقف لأن هذا لا يتعلق بالقوة، بل يتعلق بتغيير عقلية النساء هنا ولا يمكن تحقيق ذلك في هذه الظروف”.

“نحن نعاني من عناد المجتمع الدولي ورفضهم إعادة مواطنيهم، فهم يشبهون القنبلة الخطرة، التي تحتاج إلى نزع فتيلها بحل وليس بالعناد”، بحسب رزغر.

ربما يعجبك أيضا