قراءة في حرب أكتوبر.. عبقرية السادات وإدراكه لموازين القوى الدولية

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي 

يحل غدًا الذكرى السادسة والأربعين على حرب أكتوبر المجيدة بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي استطاع بعبقريته وحنكته السياسية إدارة الحرب وفق مقدرات الدولة القومية، وهيكل النظام الدولي المدار بواسطة قوتين عظميين ( الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة). وبرغم مساندة أمريكا للعدو الإسرائيلي بجسور جوية مجهزة بكافة الأسلحة، وانسحاب الاتحاد السوفيتي من مساندة الجيش المصري بشكل غير معلن، غامر السادات وقلب ميزان الحرب لمصلحته في خلال ثلاثة أيام، ولكن كيف استطاع السادات خداع إسرائيل والولايات المتحدة قبل مفاوضات وقف إطلاق النار؟

تيقن السادات بأن لا مناص من الحرب مع إسرائيل حتى تستعيد مصر أراضيها المحتلة، كما رأى أن نجاح الانطلاقة الأولى للقوات المصرية ضرورية لاستعادة مكانة مصر الدولية وشبه جزيرة سيناء المسلوبة، وخالفت نجاحات السادات توقعات القوى الدولية بأن الحرب مع العدو الصهيوني تجربة فاشلة لا محالة، إذ تتسلح إسرائيل بإمدادات عسكرية حديثة، كما أنها تتمتع بالدعم الأمريكي المطلق ومساندتها القوية، ولذا فقد كان السادات يدرك أن الحرب مع إسرائيل لم تكن سهلة؛ ولا سيما في حالة الجيش المصري المتسلح بمعدات عسكرية سوفيتية تقل عن جيش العدو المتسلح بأحدث الأسلحة الأمريكية.

حرب تكتيكية سريعة

ركزت حرب أكتوبر بإدارة السادات على خداع إسرائيل بأن مصر غير مستعدة لحرب شاملة، وتدمير العدو وتحقيق انتصارات ميدانية قبل وصول العدم الأمريكي، وعدم إطالة أمد الحرب، إدراكًا للمقدرات المصرية المحدودة، لأن الفاقد المصري من الطيارين والمقاتلات الحربية لا تعوض، على عكس قدرة العدو؛ التي لديها مخزون أمريكي مفتوح من الأسلحة الحديثة.

رأى السادات أن تحقيق انتصارات عسكرية وعبور القناة سيكون له آثار متعددة على الجانب الدولي، فمن ناحية تصحيح المسار الخاطئ لدى السوفيت بأن مصر غير قادرة على الحرب، ولذا فقد كان السادات يعلم بأنه لن يحصل على دعم السوفيت بغير أن يروا انتصارات حقيقية، كما أنهم فاضلو المسار السياسي عن مسار المواجهة العسكرية حتى لا تضطر الاتحاد السوفيتي في دعم مصر عسكريًا، إذ كان الاتحاد يعلم بأن الحرب مع الولايات المتحدة بالوكالة، حتى تنهي في غير صالحه.

وكما يقول وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط، عن الدور الروسي المتكاسل في دعم حرب أكتوبر، حيث أسرد في كتابه رسالة برجنيف، السكرتير العام للحزب الشيوعي رسالة إلى السادات يقول بها” إن سوريا ترغب في التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإن “برجنيف” يشجع هذا الاتجاه، بل ويحث السادات على القبول به خشية استمرار العمل العسكري”.  إلا أن رد السادات” كان حازماً بأن مصر ستمضي في المواجهة المسلحة حتى تحقق كامل الأهداف السياسية المصرية.

ومن ناحية الولايات المتحدة، فرأى السادات أن إطالة أمد الحرب قد تقود مصر خسارة فادحة، لأنه يعلم بأن أمريكا لن تترك أسرائيل وحدها في الحرب، وفي كتابه البحث عن الذات، كتب السادات “كنت كلما أصبت لإسرائيل ١٠ دبابات أرى مزيدا من الدبابات لقد دخلت أمريكا الحرب لإنقاذ إسرائيل بعد النداء المشهور ـ أنقذوا إسرائيل ـ في اليوم الرابع من المعركة وهي تستخدم بكل صراحة مطار العريش المصري الذي يقع خلف الجبهة بكل وضوح لكي تحول الهزيمة الإسرائيلية إلى انتصار”.

سعى السادات لإنجاز حرب على مدى قصير تحدث أثرًا واسعًا يكون له معول عندما تنتهي الحرب لسلسلة من المفاوضات تسطيع بها مصر تحقيق انتصار تحرر به باقي أرضها المحتلة، بعدما تثبت للقوى الدولية أن مصر قادرة على تحقيق انتصار ترعب به العدو الصهيوني، تجعله يسعى هو الآخر لتفاوض سلمي، يؤول في النهاية لحالة اللاسلم واللاحرب.
 
السادات وعبد الناصر.. رؤى مختلفة
 
على الرغم من كون السادات وعبدالناصر صديقين قادا مصر من الحقبة الملكية لحقبة الجمهورية، وكانا ضمن قيادات تنظيم الضباط الأحرار، الذي أدار مصر عقب ثورة يوليو 1952، ولكن لكليهما رؤى مختلفة حول طبيعة الحكم، فقد كانت الحقبة الناصرية تسعى لتحرر دول العالم الثالث من الاستعمار، وقيادة مصر لريادة العالم العربي، والتقرب إلى الاتحاد السوفيتي، بينما امتاز السادات بحبه لليبرالية والاقتصاد الحر، ويمكن القول بأن عبدالناصر كان أقرب للزعيم والكاريزما أكثر منه إلى العمل السياسي وإدارة الأزمة مثلما امتاز بها السادات، وتجلى ذلك في قراءته لمتغيرات ومحددات القدرات العسكرية وبنية النظام الدولي ليخوض حربًأ في ظل توقعات مستبعدة بقيامها، وليشرع في مشاورات التفاوض وإيقاف الحرب في ظل ظروف اكسبته قوة تفاوض.

فماذ إذا كان عبدالناصر قائدًا لحرب أكتوبر؟ فوفقًأ لشخصية عبدالناصر، وتعاطيه مع الاستفزازات الإسرائيلية في الحروب السابقة، لما حققت الحرب ما أثمرته تحت قيادة السادات، إذ إن عبدالناصر ما كان ليوقف الحرب للدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي إلا إذا هزم الجيش المصري أشد هزيمة، وطبقًا للمساندة اللامحدودة من أمريكا لليهود، فقد كانت احتمالية النصر في حالة استمرار الحرب لأمد طويل أمر مستبعد.
 
 
 
 

ربما يعجبك أيضا