طبول الحرب تقرع بشمال سوريا.. مغامرة تركية واستغاثة كردية وغموض أمريكي !

حسام السبكي

حسام السبكي

يبدو أن الساعات القليلة المقبلة، ستكون أكثر سخونة، في شمال سوريا، مع استعدادات مكثفة، وحشد متواصل، من قبل القوات التركية، على الحدود مع جارتها سوريا، تنفيذًا لما أطلقت عليه أنقرة بـ”المنطقة الآمنة”، التي تهدف، وفق ما رشح من تصريحات إعلامية لسياسيين أتراك، إلى “إعادة اللاجئين إلى ديارهم”، فيما يكمن الهدف الاستراتيجي لقوات أردوغان في حماية “الأمن القومي التركي”، من هجمات “الأكراد”، المصنفين لدى الجمهورية العثمانية السابقة بـ “الإرهابيين”.

وبينما يحتشد الأتراك في الشمال السوري، سارعت قوات “سوريا الديمقراطية”، الجناح العسكري الأضخم والأبرز للأكراد، إلى الاستغاثة واستجداء دعم المجتمع الدولي، لكبح جماح القوات التركية، وإثنائها عن مخططها، الذي يهدف -وفق تصريحات مسؤولي “سوريا الديمقراطية”- إلى “تشريد سكان المنطقة”، فيما أبدت “قسد” استعدادها في الوقت ذاته للمواجهة، التي قد تتسبب في تراجع وتشتيت الجهود الدولية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، بحسب تصريحات كردية.

في غضون ذلك، بات الموقف الأمريكي أكثر غموضًا، فبعد مماطلة في تنفيذ الاتفاق المبرم مع الأتراك في أغسطس الماضي حول المنطقة الآمنة، أصدر البيت الأبيض بيانًا صباح اليوم، قد يفهمه طرفا النزاع على أنه تأييد لموقفه، فلا هو يشارك في العمليات، ولا حتى يدعمها، حتى إن الأنباء الواردة قبل قليل من شمال سوريا، تشير إلى انسحاب عناصر القوات الأمريكية من تل أبيض وريف الحسكة.

نبع السلام

فيما أُسميت “نبع السلام”، أكد مصدر عسكري تركي أن العملية قد تنطلق خلال ساعات، بعد مهلة أعطيت للولايات المتحدة خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الأخيرة للعاصمة التركية، والتي شرطت أنقرة فيها على واشنطن إما أن تبدأ القوات التركية دخول مناطق شرق الفرات مع الانسحاب الكامل للتنظيمات الإرهابية بكافة أشكالها وتفاصيلها وأسلحتها وبتنسيق أمريكي- تركي، أو أن تدخل تركيا منفردة تنفذ الاتفاق حول المنطقة الآمنة.

وأشار المصدر إلى أن التجهيزات تمت بشكل كامل، وأخذت القوات الموجودة كافة استعداداتها بعد وضع خطة محكمة، حيث ستكون عملية برية جوية تستهدف مواقع وطرق إمداد التنظيم “الإرهابي”، وتمت إزالة أجزاء من الجدار العازل مع سوريا بالقرب من تل أبيض، وقرب مدينة عين العرب (كوباني)، على أن تتم عبر حملتين: الأولى تستهدف مناطق بعمق محدود، والأخرى تستهدف تجفيف المدن الرئيسية التي تتمركز فيها التنظيمات الإرهابية، حسب وصفه.

من جانبه، قال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الإثنين، إن المنطقة الآمنة المزمع إقامتها شمالي سوريا، تهدف إلى “تطهير الحدود من العناصر الإرهابية، وعودة اللاجئين بشكل آمن إلى سوريا في إطار وحدة الأراضي السورية”.

ووفق بيانات إعلامية، يبدو أن دخول القوات التركية إلى شرق الفرات بات أمرا محتوما، ولا تراجع فيه، وهناك احتمالان: إما أن يتم الأمر عبر عملية عسكرية، أو بالتنسيق مع الولايات المتحدة. ويبدو أن تركيا أعطت واشنطن فرصة أخيرة في حال لم تستجب لمطلبها بالوجود الفعلي بالمنطقة.

وستكون العملية التركية عبارة عن مرحلتين: الأولى ستكون بالسيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين قرب الحدود السورية، في حين ستكون المرحلة الثانية بالسيطرة على مناطق بعمق مدينة القامشلي، متوقعًا ألا تكون هناك مواجهات عسكرية عنيفة؛ كون القوات التركية تملك كامل إحداثيات ومواقع قوات وحدات حماية الشعب الكردية، وأن القوات الأميركية لن تحتك مع القوات التركية، بل ربما توجد صيغة تضمن وجود القواعد العسكرية بتنسيق بين الطرفين.

الأهداف التركية من العملية العسكرية، تكمن بوضوح في حماية أمنها القومي، بالدرجة الأولى، خاصةً بعد أن اكتسبت وحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة بشكل عضوي مع حزب العمال الكردستاني قوة كبيرة خلال السنوات الماضية، مما سمح لها بتشكيل شبه دولة يمكن أن تصبح في المستقبل قاعدة لشن هجمات على تركيا وابتزازها، إضافة إلى مخالفة الوحدات الكردية بنود الاتفاق واستمرارها في عمليات حفر الأنفاق ووضع تعزيزات عسكرية ليلاً داخل المدن، وهو ما تم توثيقه خلال الأيام الفائتة.

أما الهدف الثاني من العملية، فيتمثل في تأمين العودة الطوعية للاجئين إلى منطقة آمنة يكون لتركيا دور أساسي فيها، وهذا سيخفف عبء اللاجئين عليها، بعد أن تجاوز عددهم ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري.

وتأتي هذه التحركات التركية التي تنبئ بعملية عسكرية شرق الفرات في ظل تصاعد التوتر بين كل من أنقرة وواشنطن بخصوص المنطقة الآمنة، وفي ظل دعم روسي للتحركات التركية بهدف حماية أمنها.

استنفار كردي

مع استشعار القوات الكردية، الممثلة في “قوات سوريا الديمقراطية”، لخطر توغل القوات التركية، في مناطق سيطرتها شمال سوريا، خاصة مع تمكن الجيش التركي من السيطرة على منطقة عفرين، التي كانت “قسد” تسيطر عليها، العام الماضي، بات الاستنفار السياسي والعسكري هو لسان حال الأكراد الآن.

فبعد أن هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، بتنفيذ عملية عسكرية جوية وبرية شرقي الفرات السبت أو الأحد تستهدف المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية شرقي نهر الفرات في سوريا، دعت قوات سوريا الديمقراطية المجتمع الدولي إلى التدخل لمنع تركيا من شن هجوم على مناطق سيطرتهم، وهددت بأنها ستحول أي هجوم تركي إلى حرب شاملة.

وطالبت قوات سوريا الديمقراطية في بيان لها المجتمع الدولي، بكل مؤسساته، بالضغط على تركيا لمنعها من القيام بأي “عدوان يهدد أمن المنطقة واستقرارها”.

وحثت “قسد” الاتحاد الأوروبي والقوى الفاعلة في سوريا، بما فيها التحالف الدولي، على اتخاذ مواقف تحد من التهديد والخطر التركي.

لكنها أشارت أيضا إلى أنها “لن تتردد في تحويل أي هجوم (تركي) غير مبرر إلى حرب شاملة” للدفاع عن منطقتها في شمال شرق سوريا.

في غضون ذلك، اتهمت قوات سوريا الديمقراطية، الإثنين، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمحاولة تشريد سكان منطقة الواقعة شمالي سوريا من خلال العملية العسكرية التركية فيما يسمى المنطقة الآمنة.

وأضافت في بيان، أنها من جهتها قامت بتنفيذ جميع التزاماتها، وأزالت التحصينات العسكرية بين منطقتي تل أبيض وسيركنايه، وسحبت قواتها وأسلحتها الثقيلة من المنطقة.

وأوضحت قوات سوريا الديمقراطية أنها قدمت تضحيات تمثلت بسقوط 11 ألف قتيل من قواتها على مدى 5 أعوام، وحذرت من أن أي هجوم تركي سيؤدي إلى تراجع الجهود الدولية لمحاربة تنظيم “داعش”.

وقالت إن حربا طويلة الأمد في المنطقة ستجعل من سوريا منطقة نزاع دائمة، وفي وقت يبحث به المجتمع الدولي عن الحل السياسي في سوريا، يعاني الشعب السوري منذ سنوات الحرب والهجرة.

موقف أمريكي غامض!

على الرغم من الدعم العسكري والسياسي، الذي قدمته القوات الأمريكية لحلفائها الأكراد في سوريا، والذي تكلل بطرد ودحر مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، وإنهاء خلافاتهم المزعومة في الرقة وعدد من المواقع، من خلال تشكيل قوات “سوريا الديمقراطية”، إلا أن التفهم والاتفاق التركي الأمريكي، دفع واشنطن لرفع يدها عن دعم “قسد”، وتركها لمصيرها في مواجهة الجيش التركي!.

فقد أعلن البيت الأبيض، أن الجيش الأمريكي لن يشارك أو يدعم العملية العسكرية التركية شمال سوريا.

وأضاف البيت الأبيض، في بيان، اليوم الإثنين، أن “القوات الأمريكية لن تكون متواجدة شمال سوريا بعد نجاحها في القضاء على داعش هناك”.

وقالت الخارجية الأمريكية: إن أسرى تنظيم “داعش” الإرهابي المحتجزين لدى الجيش الأمريكي في شمال سوريا سيصبحون تحت مسؤولية تركيا.

ربما يعجبك أيضا