خانقاة “قوصون”.. قارون العصر المملوكي في طي النسيان

عاطف عبداللطيف

كتب – هدى إسماعيل وعاطف عبداللطيف

على مقربة من قلعة محمد علي ومسجد السيدة عائشة الشهير في منطقة القاهرة التاريخية، وداخل مقابر الإمام السيوطي المعروفة باسم (سيدي جلال)، توجد بقايا خانقاة الأمير قوصون الساقي، والخنقاوات (الخلاوي المخصصة للصوفية المنقطعين للعبادة منذ القرن الخامس الهجري، استبدلها الأتراك بالتكايا) وكانت من المنشآت المهمة والمنتشرة في ذلك التوقيت.

بنيت خانقاة قوصون في سنة 736هـ/ 1335م، بأمر من الأمير سيف الدين قوصون الساقي الملكي الناصري أحد أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون (صاحب أطول فترة للحكم في تاريخ دولة المماليك، وحكم لمدة تصل إلى 42 عامًا)؛ وهو الذي اشترى “قوصون” ورقاه وأعتقه وبلغ مكانة كبيرة لدى السلطان الناصر حتى إنه تزوج من ابنته، وتقلد عددًا من المناصب الهامة والحساسة في مصر المحروسة آنذاك.

صعود وخيانة

توفي الأمير قوصون سنة 742هـ/ 1342م في سجن بالإسكندرية بعد أن تحالف عدد من الأمراء المماليك عليه بالتعاون مع أكبر أبناء السلطان الناصر بن قلاوون الذي توفي موصيًا وزيره وزوج ابنته قوصون بخليفته في الحكم ابنه، وعندما غدر قوصون بابن سيده وصهره ونفاه إلى قوص بصعيد مصر وقتله وولى أخاه الأصغر “كوجك” ليستولي على الحكم في ظل صغر سن الحاكم والوصاية عليه، ولكن ما ناله من سجن وقتل كان درس حياته الأخير.

كان قوصون قد أصبح حاكمًا لمصر، وانتفض الابن الأكبر للراحل السلطان الناصر بن قلاوون وكان أميرًا على الكرك في الجزيرة العربية – آنذاك – وتحالف مع المماليك لقتل قوصون وحاصروه في قلعة الجبل وسجنوه ثم نقلوه إلى سجن بالإسكندرية وقتل هناك، وترك قوصون بقايا وتحف معمارية نفيسة وتاريخية لا تقدر بثمن، أشهرها قصره بالقرب من مسجد السلطان حسن بالقاهرة ومسجده الذي حرفه اسمه العامة إلى مسجد قيسون ومنشآت أخرى.

بذخ وتخريب

اشتهر قوصون بأنه قارون العصر المملوكي من شدة البذخ والترف والثراء الذي تمتع به، وعندما توفي عمد العامة والغوغاء – بحسب المقريزي – إلى كل المنشآت التي أسسها ونهبوها واحدًا تلو الآخر خاصة القصور من قناديل وشبابيك وأبواب ورخام وأحجار وترصيعات خشبية وحتى المصاحف، ومن شدة كرههم لقوصون خربوا الخانقاة لدرجة أنهم هدموا وفصلوا المنطقة بين الخانقاة والمأذنة وأصبحتا كل منهما في وادِ بعد أن كانتا متصلتين.

الحالة التي وصلت إليها الخانقاة والمنطقة التي تحتوي عليها والمأذنة تعاني إهمالًا غير عادي، واعتداءً على آثار هامة وذات قيمة تاريخية عالية وتدلل على فترات هامة من حكم مصر والعرب.

ربما يعجبك أيضا