السيسي في الإمارات.. نحو تعزيز العلاقات الأخوية والعمل العربي المشترك

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

في إطار الحرص المشترك على تعزيز العلاقات الأخوية الوثيقة بين مصر والإمارات، والتعاون والتشاور حول مختلف القضايا المتعلقة بتعزيز العمل العربي المشترك، يزور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، دولة الإمارات العربية المتحدة.

من المقرر أن يبحث الرئيس المصري خلال هذه الزيارة مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة “العلاقات الأخوية المتينة التي تجمع البلدين الشقيقين والتعاون الثنائي الاستراتيجي بينهما وآليات مواصلة تنميته وتعزيزه في المجالات المختلفة، بالإضافة إلى مجمل التطورات على الساحات العربية والإقليمية والدولية والقضايا ذات الاهتمام المشترك”.

علاقات تاريخية وثيقة

وحظيت الزيارة المرتقبة باهتمام وكالة الأنباء الإماراتية “وام”، وقالت في تقرير مطول إن دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية تربطهما علاقات تاريخية وثيقة تستند إلى الوعي والفهم المشترك لطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية التي شهدتها وتشهدها المنطقة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة ترسخ الأمن العربي والإقليمي، وتحافظ على استدامة التنمية في دولها.

ويحظى البلدان بحضور ومكانة دولية خاصة مع ما تتميز به سياستهما من توجهات حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بإرساء السلام، ودعم جهود استقرار المنطقة، ومكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.

وترتبط أبوظبي والقاهرة بعلاقات تاريخية أرسى دعائمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من خلال قناعة راسخة بمكانة مصر ودورها المحوري في المنطقة.

ويرجع تاريخ العلاقات المصرية الإماراتية إلى ما قبل العام 1971 الذي شهد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي ترك وصية خاصة بمصر قال فيها: “نهضة مصر نهضة للعرب كلهم.. وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر.. وهذه وصيتي، أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم.. إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة”.

ولطالما وقفت الإمارات إلى جانب شقيقتها مصر في الأوقات الصعبة منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وفي أعقاب حرب يونيو 1967 حيث سارع الشيخ زايد إلى مد يد العون لإزالة مخلفات العدوان الإسرائيلي، وصولا إلى مساهمته في حرب أكتوبر 1973، واتخاذه قرار قطع النفط تضامنا مع مصر، بجانب تبرعه بـ100 مليون جنيه إسترليني لمساعدة مصر وسوريا في الحرب.

ومثلما دعم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” مصر في الحرب، شارك في مرحلة البناء التي توجت بمدينة الشيخ زايد 9500 فدان التي أهداها لمصر عام 1995 بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية، كما توجد مدينة جديدة في المنصورة تحمل اسم الشيخ زايد أيضا، وفي 2010 تم الانتهاء من مشروع قناة الشيخ زايد، لنقل مياه النيل إلى الأراضي الصحراوية في منطقة توشكى، وفي مستشفى الشيخ زايد يعالج المصريون، ويتعلم أبناؤهم في مدارس تحمل اسمه.

في المقابل، كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وسارعت بالاعتراف به فور إعلانه ودعمته دوليا وإقليميا كركيزة للأمن والاستقرار، وإضافة جديدة لقوة العرب.

شراكة استراتيجية


منذ ذلك التاريخ استندت العلاقات الإماراتية المصرية على أسس الشراكة الاستراتيجية بينهما لتحقيق مصالح الشعبين ومواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، وقد تعددت لقاءات قيادتي البلدين ومسؤوليها على كل المستويات للتنسيق حيال تلك التحديات.

ففي عام 2008 تم التوقيع على مذكرتي تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين، نصت على أن يقوم الطرفان بعقد محادثات ومشاورات ثنائية بطريقة منتظمة لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومن أجل المزيد من التنسيق المشترك تم الاتفاق في فبراير 2017 على تشكيل آلية تشاور سياسي ثنائية تجتمع كل 6 أشهر مرة على مستوى وزراء الخارجية والأخرى على مستوى كبار المسؤولين.

كما شهدت السنوات الماضية تنسيقا وثيقا بين البلدين على الصعيد السياسي خصوصا حيال القضايا الرئيسية على الصعيدين العربي والدولي، وتعددت لقاءات قيادتي البلدين ومسؤوليها للتنسيق حيال تلك المواقف، وهو ما أظهر نجاحا كبيرا في العديد من الملفات التي تحظى باهتمام الجانبين.

جاءت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات ومصر في مجال التحديث الحكومي، لتترجم رؤية قيادتي البلدين في بلورة نموذج عربي مشترك ملهم للعمل الحكومي، وفقا لأفضل المعايير العالمية.

وفي أبريل 2018، دشنت الإمارات ومصر شراكة استراتيجية “لـتطوير الأداء الحكومي في مصر”، بما يسهم في تحقيق استراتيجية مصر 2030.

وشملت مجالات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين أربعة محاور رئيسية، تضمن المحور الأول، الأداء والتميز الحكومي، عبر تطبيق منظومة التميز الحكومي العالمي وتوفير الدعم لعقد أول مؤتمر للتميز الحكومي بجمهورية مصر، وركز المحور الثاني على القدرات الحكومية، عبر تصميم وتقديم برامج تدريبية من خلال برنامج قيادات حكومة الإمارات لإعداد وتأهيل قيادات العمل الحكومي في المؤسسات المصرية.

أما المحور الثالث فتمثل في الخدمات الحكومية، وشمل إنشاء أول مركز خدمات نموذجي في مصر، وتضمن المحور الرابع، المسرعات الحكومية، وإنشاء أول مسرعات حكومية مصرية بالتعاون مع حكومة الإمارات، التي تسعى إلى مواجهة التحديات الرئيسية في العمل الحكومي.

وتمخض عن هذه الشراكة عقد برامج تدريبية لبناء قدرات الموظفين الحكوميين المصريين، وذلك لتعزيز القدرات الحكومية وبناء كوادر مستقبلية قادرة على إحداث فرق في العمل الحكومي وتحسين مستوى الإجراءات والمعاملات بما يسهم في تحقيق أهداف ورؤية مصر 2030.

وشهد المؤتمر الأول من نوعه على مدى يومين تقديم إطار عمل شامل لنقل التجربة الإماراتية الناجحة لجمهورية مصر في ثلاثة محاور رئيسية، هي الأداء والكفاءة والتميز الحكومي والقدرات الحكومية والخدمات الذكية.

تبادل تجاري

تحتل الإمارات المركز الأول دوليا وعربيا من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، والتي وصلت إلى نحو 6.663 مليار دولار في عام 2018 مقارنة بنحو 6.513 مليار دولار عام 2017.

كما وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في الفترة من يناير حتى أكتوبر من 2018 نحو 3 مليارات دولار، فيما بلغ عدد الشركات الإماراتية العاملة في مصر إلى 1065 شركة حتى مارس 2019 مقارنة بنحو 923 شركة عام 2017.

الاتفاقيات والبروتوكولات

وتنظم العلاقات بين البلدين مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات، ومن أبرزها: اتفاقية للتعاون العلمي والتقني في الميادين الزراعية، اتفاق تبادل تجاري وتعاون اقتصادي وتقني وتشجيع وحماية الاستثمارات، اتفاق إنشاء لجنة عليا مشتركة بين البلدين، اتفاق تعاون مشترك بين الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية واتحاد الغرف التجارية والصناعية بدولة الإمارات، اتفاقية للتعاون المشترك بين الاتحاد التعاوني الاستهلاكي بدولة الإمارات والاتحاد العام للتعاونيات بمصر، اتفاق إنشاء مجلس الأعمال المصري الإماراتي المشترك بين الاتحاد العام للغرف التجارية واتحاد غرف تجارة وصناعة أبوظبي، اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، اتفاقية التعاون القانوني والقضائي، اتفاقية بشأن الخطوط الجوية، مذكرة تفاهم بين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل والهيئة العامة للاستثمار.

ويشهد الجانب الثقافي على العلاقة الوطيدة والتآخي الحقيقي بين البلدين، إذ تتم سنويا زيارات ولقاءات متبادلة بين المثقفين المصريين والإماراتيين في المؤتمرات الثقافية والعلمية والفنية التي يستضيفها البلدين.

وتعبيرا عن التقدير للدور الإماراتي الداعم لقطاع الثقافة في مصر، قدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في مايو 2015،  قلادة الجمهورية للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي منحت له بموجب قرار جمهوري صادر في 29 ديسمبر 2013، وذلك تقديرا لمواقفه الداعمة لقطاع الثقافة في مصر وحرصه على إنشاء دار جديدة للوثائق القومية بمنطقة الفسطاط.

ويحظى الأزهر الشريف بتقدير إماراتي رسمي وشعبي، كمرجع ديني معتدل، وفي هذا الإطار جاء إعلان مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبريل 2013 عن مبادرة لتمويل عدة مشروعات في الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية تبلغ تكلفة إنشائها نحو 250 مليون درهم إماراتي.

وتضمنت المشروعات ترميم مكتبة الأزهر الشريف وصيانتها وترميم مقتنياتها من المخطوطات والمطبوعات وترقيمها وتوفير أنظمة حماية وتعقب إلكتروني لمراقبتها والمحافظة عليها وكذلك تمويل إنشاء 4 مبان سكنية لطلاب الأزهر في القاهرة وتمويل أعمال تصميم إنشاء مكتبة جديدة على أحدث النظم المكتبية العالمية للأزهر الشريف تليق بمكانته وما تحويه مكتبته من نفائس المخطوطات والمطبوعات حتى تستطيع مكتبة الأزهر الشريف القيام بالدور المنوط بها في نشر الثقافة الإسلامية وإتاحة أوعيتها النادرة لطلاب العلم والباحثين وكي تكون مركزا عالميا للإشعاع الإسلامي والثقافي.

ربما يعجبك أيضا