بعد سنوات من الحرب.. بريطانيا متهمة بالتستر على جرائم جنودها

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

كشفت تحقيقات، تورط الحكومة البريطانية والقوات المسلحة بالتستر على جرائم حرب على أيدي القوات البريطانية في أفغانستان والعراق.

وتتعلق الانتهاكات بـ27 حادثًا في السنوات التي تلت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، وحتى الآن، تم إنفاق 40 مليون جنيه استرليني في التحقيق مع القوات البريطانية على مدى فترة عشر سنوات، وفقًا لما ذكره موقع ” ميل أون لاين”.

وأكد 11 محققًا بريطانيًا على الأقل قولهم، إنهم عثروا على “أدلة موثوقة” على جرائم الحرب، مع إصرارهم على أنه كان ينبغي محاكمة جنود المملكة المتحدة بتهمة القتل.

كان المحققون جزءًا من فريق الادعاءات التاريخية في العراق (IHAT) وعملية Northmoor، التي حققت في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات البريطانية في الشرق الأوسط، لكنه تم إغلاق فرق التحقيق الجنائي هذه قبل أن يتم توجيه الاتهام إلى جندي واحد.

أدلة

وعلى مدار عام كامل، أجرت صحيفة “صنداي تايمز”، تحقيقات بالتعاون مع برنامج “بانوراما” في “بي بي سي” بحثا عن أدلة على اتهامات بارتكاب جنود بريطانيين انتهاكات في أفغانستان والعراق، وكشفت التحقيقات وجود أدلة موثوقة تتعلق بجرائم عدة بينها جرائم قتل أطفال وقتل جماعي، وموت أشخاص رهن الاعتقال، وضرب وتعذيب، وتحرشات جنسية بغرض إهانة المعتقلين في بعض الحالات.

تقول “التايمز” إن القارئ سيشعر بصدمة عند اطلاعه على “ضلوع جنود بريطانيين في جرائم قتل أطفال وتعذيب وقتل مدنيين أبرياء، خاصة أولئك الذين يعتقدون أن جنودنا يؤدون عملهم بكل احترافية وانضباط، سيشعر الناس بالصدمة عندما يكتشفون ماذا يمكن أن يحدث عندما تتصرف القوات بشكل يفتقر للانضباط ويخالف المعايير التي نتوقعها طبقا لاتفاقية جنيف”.

وعثر المحققون في بعض الحالات على أدلة على قيام بعض المسؤولين بتزوير مستندات لنفي الاتهامات وإعاقة مسار العدالة والتغطية على ما جرى تحت مسؤوليتهم، وكانت عملية التغطية الأكبر في واقعة قتل 3 أطفال وصبي بالرصاص في الرأس بواسطة أحد جنود القوات الخاصة.

 ورغم توصية الشرطة الملكية العسكرية بمحاكمة الجندي، لم يتم اتخاذ أي قرار رغم استغراب اللورد ماكدونالد الذي كان يشغل منصب مدير هيئة النيابة العامة، والذي راجع الأدلة التي قدمناها.

وتشير الصحيفة إلى أن التحقيقات التاريخية في اتهامات بوقوع انتهاكات في العراق، تم تحجيمها بواسطة مايكل فالون وزير الدفاع السابق قبل عامين، وذلك في أعقاب استبعاد أحد المحامين عن الجانب العراقي بسبب قيامه بتصرفات غير أمينة وبعد ذلك تم وقف التحقيقات بالكامل في الاتهامات بوقوع انتهاكات في معسكر كامب ستيفان في البصرة، والذي كان بمثابة معتقل غير قانوني تستخدمه القوات البريطانية، وبذلك مرت كل الجرائم التي ارتكبت هناك دون عقاب.

لا نية للعقوبة

ويقول أحد محققي فريق الادعاءات التاريخية في العراق، إن “وزارة الدفاع البريطانية ليس لديها نية لمقاضاة أي جندي من أي رتبة كان، ما لم يكن ذلك ضروريًا للغاية، ولم يتمكنوا من إبعادهم”، بحسب “بي بي سي بانوراما”.

وتحدث محقق آخر، قائلا: “ضحايا جرائم الحرب لجنود المملكة المتحدة.. قد خذلوا على محمل الجد، مضيفًا، “أنا أستخدم كلمة “مقرف”، إنني أشعر بالعائلات لأنهم لا يحصلون على العدالة”، متسائلا: “كيف يمكن أن تمسك رأسك كشخص بريطاني؟”.

وتشير الصحيفة إلى إحدى الحالات التي حقق فيها فريق الادعاءات التاريخية في العراق، والتي تتعلق بإطلاق النار على الشرطي العراقي رائد الموسوي على يد جندي بريطاني كان في دورية في البصرة في العام 2003.

وأُطلق الجندي البريطاني النار على الشرطي العراقي في زقاق بينما كان يغادر منزل عائلته، وعلى الرغم من أن “الموسوي” توفي فيما بعد متأثرًا بجراحه، إلا أن النيابة العسكرية لم تأخذ أي شخص إلى المحكمة فيما يتعلق بإطلاق النار.

من جانبها، أصرت وزارة الدفاع البريطانية (MOD) على أن عملياتها العسكرية نفذت في ظل الامتثال التام للقانون.

يقول متحدث باسم وزارة الدفاع: “التحقيقات وقرارات الملاحقة القضائية مستقلة حقًا عن وزارة الدفاع وتشتمل على إشراف خارجي ومشورة قانونية”، ولفت إلى أنه “بعد دراسة متأنية للحالات الُمحالة، قررت هيئة ملاحقة الخدمة المستقلة عدم المقاضاة”، بحسب “بي بي سي”.

وتابع المتحدث: “تم نقل مزاعم هيئة الإذاعة البريطانية إلى شرطة الخدمة وسلطة النيابة العامة للخدمة، الذين ما زالوا منفتحين للنظر في المزاعم”.

القتل مباح

وفي فبراير الماضي، نشر موقع “ميدل إيست آي”، تحقيق يكشف شهادات عسكريين بريطانيين عن فترة وجودهم في مدينة البصرة عام 2007، وقالوا: إن جيشهم طبق قواعد الاشتباك بشكل جعل المدنيين في العراق وأفغانستان هدفا مباحا، وهو ما أدى إلى مقتل عدد منهم، بينهم أطفال ومراهقون.

وأشار العسكريون، إلى أنهم تلقوا ترخيصا من قيادتهم باستهداف أي مدني يحمل هاتفا أو أداة حفر أو يتصرف بطريقة يقدرون أنها “مريبة”.

وحسب شهادات عسكري في البحرية الملكية البريطانية، اعترف أحد الضباط لرجاله بمسؤوليته عن مقتل طفل أفغاني عمره نحو ثماني سنوات، وجاء هذا الإعتراف بعدما حمل والد الطفل المقتول جثته واتجه بها إلى مدخل قاعدة عمليات وطلب منهم توضيحات عما حدث.

وفي واقعة أخرى،  قال عسكري سابق إنه كان شاهدا على اللجوء إلى التمويه عقب مقتل مراهقين غير مسلحين في أفغانستان، حيث تم استخراج أسلحة “سوفياتية” من القاعدة العسكرية ووضعت أمام جثتي المراهقين كي يخلقوا انطباعا بأنهما من مقاتلي طالبان.

وقال الشاهد نفسه إنه وقف على أسلحة مماثلة مخبأة في قواعد عسكرية بريطانية أخرى، معتبرا أنه “شبه متأكد بأنها كانت تستعمل للغرض نفسه”.

وأفاد عسكري آخر، بأنه كان شاهدا على مقتل عدد كبير من المدنيين في مدينة البصرة العراقية، ولا يظن أن كل الضحايا كانوا يرصدون تحرك القوات البريطانية، وأن التخفيف من قواعد الاشتباك سهل حصول مجزرة، مضيفا “أنه تلقى مع زملائه وعدا بالحماية في حال خضوعهم لأي تحقيق تجريه الشرطة العسكرية، وكان مسؤولونا يقولون لنا سنحميكم في حال وجود تحقيق، عليكم فقط أن تقولوا إنكم كنتم تظنون فعلا أن حياتكم كانت في خطر؟ هذه الكلمات ستحميكم”.

وحثت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لندن على التحقيق في ارتكاب قوات بريطانية جرائم قتل وتعذيب  وسوء المعاملة على أيدي القوات البريطانية في الشرق الأوسط، بحسب “بي بي سي بانوراما” و”صنداي تايمز”.

أعربت الأمم المتحدة بشدة، عن الحاجة إلى إجراء تحقيق عام مستقل، وحثت لندن على “الامتناع” عن وضع قوانين تمنح العفو للقوات التي كان من الممكن تورطها في جرائم حرب.

وصرح أعضاء لجنة الأمم المتحدة، أن هناك قلقًا متزايدًا بشأن الافتقار الصارخ للمحاكمات على جرائم الحرب، بما في ذلك التعذيب، في أعقاب التحقيقات التي أجراها فريق “المزاعم التاريخية العراقية”.

وتقول “التايمز”: إن قيام الحكومة البريطانية بالتغطية على الجرائم التي ارتكبها الجنود تضر الصالح العام أكثر مما تنفعه، لأنها بنفس الوقت الذي تحمي فيه هؤلاء الجنود تتجاهل الذين أدوا عملهم بشكل ملائم، كما أن هذه القضايا التي لاتظهر فيها الحقيقة ويتم إخفاؤها قد تنتهي في ساحات المحكمة الجنائية الدولية”.

ربما يعجبك أيضا