ألمانيا.. إجراءات تشديد الحدود إلغاء غير رسمي لاتفاقيتي شنجن ودبلن

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

منذ مجيء البافري زيهوفر هورست، وتسلمه وزارة الداخلية الألمانية في الائتلاف الحاكم الحالي في سبتمبر عام 2017، وألمانيا تبذل مساعي مكثفة، في تشديد الإجراءات الأمنية ومنها مراقبة الحدود والترحيل السريع للاجئين المرفوضة طلباتهم، التي أصبحت أبرز ملامح خطة زيهوفر.

يعتزم وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، المضي قدمًا في تطبيق خطته لتشديد الرقابة والتفتيش على الحدود الألمانية الخارجية، وأفاد الوزير يوم 3 ديسمبر 2019 أنه تم خلال 27 يومًا احتجاز 178 شخصا في مائة ألف عملية تفتيش، مشيرا إلى أن تواجد الشرطة الكثيف على الحدود أمر لا غنى عنه لأمن البلاد، وفقا لتقرير “دير شبيغل” الألمانية.

وحسب معلومات رئيس الشرطة الاتحادية الألماني، ديتر رومان، تم ضبط 36 شخصًا ممنوعين من دخول ألمانيا على الحدود مع النمسا، و32 آخرين على الحدود مع فرنسا، و15 شخصًا على الحدود مع التشيك، و19 في المطارات، و44 شخصًا في مناطق داخلية قريبة من الحدود.

كشف وزير الداخلية الألماني، نهاية شهر سبتمبر 2019، عن خطط لزيادة عمليات التفتيش العشوائية على حدود بلاده مع الدول الأخرى أيضًا، وقد واجهت خطط زيهوفر انتقادات حزب الخضر، عبر النائبة إيرنه ميهاليتش، المتحدثة باسم الكتلة البرلمانية للحزب للشؤون الداخلية، والتي قالت: إن “التمديد المستمر لتفتيش الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي ليس إشارة خطرة مناهضة لأوروبا فقط، وإنما تدفع بالشرطة الاتحادية إلى تجاوز طاقتها القصوى”.

تشديد الرقابة على الحدود وتفتيش موسع

ناقشت الحكومة الألمانية تشديد الرقابة على الحدود مع سويسرا يوم 2 أغسطس 2019 من خلال وضع ضوابط حدودية وزيادة عمليات تفتيش الأشخاص، حسب رأي وزير الداخلية زيهوفر. ويأتي هذا بعد أيام من جريمة فرانكفورت، التي كان مرتكبها مقيمًا في سويسرا. مقتل طفل ألماني في محطة قطارات فرانكفورت بعد دفعه من قبل رجل إريتري مقيم في سويسرا. وكان الرجل قد عبر الحدود بين البلدين رغم أنه كان مطلوبًا لدى الشرطة السويسرية. وأشار زيهوفر إلى أن ألمانيا سجلت 43 ألف حالة دخول غير شرعي للبلاد عبر الحدود في عام 2018، وتابع: “علينا أن نواجه هذا الوضع من خلال التفتيش الموسع ووضع ضوابط مؤقتة على الحدود، وعلى الحدود مع سويسرا أيضًا”.

المادة 29 من اتفاقية شنجن

هناك قواعد واضحة تحدد متى وكيف يمكن لبلد عضو في اتفاقية شنجن، أن يدرج إجراءات مراقبة مؤقتة على حدوده. وقبل سنوات قليلة كانت هذه الإجراءات لإعادة المراقبة نادرة، في الغالب فقط أثناء مواعيد متوقعة مثل الأحداث الرياضية أو مؤتمرات سياسية؛ فالبرتغال مثلًا أدرجت مراقبة الحدود أثناء قمة حلف الناتو في لشبونة أو الدنمارك خلال مؤتمر المناخ في كوبنهاغن. وهذا النوع من المراقبة يستمر في العادة بعضة أيام فقط وتتم برمجتها بشكل مسبق.

والمادة 29 في اتفاقية شنجن هي الأساس القانوني لإدراج مراقبة تتجاوز الشهرين، وذلك عندما يكون هناك خلل كبير ومستمر في مراقبة الحدود الخارجية، يهدد عمل المنطقة بدون مراقبة الحدود الداخلية. وهذه القاعدة تعد آخر وسيلة في حالة ما إذا كان بلد على أطراف منطقة شنجن غير قادر على حماية حدوده الخارجية، وشكل ذلك تهديدا للدول الأعضاء الأخرى. وتسمح هذه القاعدة بمراقبة تستمر حتى ستة أشهر مع التمديد “ثلاث مرات كأقصى حد”،

وفي هذا الإطار يتم النظر باستمرار إلى الهجرة القانونية كوسيلة ناجعة ضد موجات المهاجرين غير المنتظمة. وعلى هذا النحو أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية المنتخبة، أورزولا فون دير لاين إصلاح نظام اللجوء الأوروبي وإيجاد إمكانيات قانونية أكثر للهجرة.

ومنذ 2016 يتمسك الاتحاد الأوروبي في إطار شراكات الهجرة بسياسية “التخفيف من موجات الهجرة غير المنتظمة وفي آن واحد فتح طرق الهجرة القانونية” كواحدة من بين أربعة إجراءات أولية لا يمكن التخلي عنها.

فشل “فضاء دبلن”

يعود الآلاف من طالبي اللجوء المرفوضين بألمانيا لإعادة تقديم طلباتهم دون كلل، حتى بعد مغادرتهم ألمانيا طواعية. وهذا ما دفع وزير الداخلية الألماني لاعتبار اتفاقية “فضاء دبلن” فاشلة، داعيا أوروبا لإصلاح نظام الهجرة واللجوء. واعتبارًا من 30 أكتوبر 2019، كان هناك 4 آلاف و916 طالب لجوء في ألمانيا قد دخلوا البلاد بالفعل مرتين منذ عام 2012، ثم تم ترحيلهم أو تركوا البلاد طواعية، ثم عادوا مرة أخرى وقدموا طلباتهم للمرة الثالثة. وهناك 1023 طالب لجوء يعيشون في البلد في محاولة رابعة، 294 منهم تقدموا بطلبات خمس مرات أو أكثر.
يعتقد وزير الداخلية الألماني زيهوفر، أن اتفاقية “فضاء دبلن” قد فشلت لذلك بات ضروريًّا أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإصلاح نظام الهجرة واللجوء بما في ذلك تأسيس وكالة أوروبية خاصة معنية بالتعامل مع طلبات اللجوء في كل أوروبا. وشدد الوزير الاتحادي على ضرورة توفير إجراء ثابت ومتين كي يتسنى القيام بفحص أولي للباحثين عن الحماية قبل دخولهم أوروبا. كما أكد ضرورة تعزيز حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي من خلال تعزيز وكالة حماية الحدود “فرونتكس”.

وكشفت وثيقة، أن الداخلية الألمانية تسعى إلى وضع نظام لجوء أوروبي جديد، تعتزم من خلاله تشديد الإجراءات للتصدي لمواصلة الهجرة غير المصرح بها داخل الاتحاد الأوروبي. وتنص وثيقة داخلية للوزارة على القيام بفحص أولي ملزم لطلبات اللجوء على الحدود الخارجية، على أن تتولى وكالة لجوء مستقبلية تابعة للاتحاد الأوروبي ذلك تدريجيًّا.

ما تشهده ألمانيا إلى جانب دول أوروبا التي تواجه تحديات كبيرة في الحد من الهجرة، غير الشرعية وتهريب البشر، بسبب تداخل موضوع الهجرة مع الأمن، وما يدعم هذه الفكرة، هو تورط بعض من قام بأعمال إرهابية أو جنائية داخل ألمانيا، كانوا قد عبروا الحدود أو دخلوا بشكل غير شرعي، رغم  ترحيلهم من قبل السلطات الألمانية.

المشكلة التي تواجه ألمانيا أيضا وخطة وزير الداخلية زيهوفر هي مدى قدرة ألمانيا على الالتزام بقوانين “شنجن” والاتحاد الأوروبي الخاصة بحفظ الحدود ومراقبتها، والتي تكون عادة مقيدة بثلاثة أشهر عند وجود أسباب أمنية، وربما لا يمكن تجديدها إلا ثلاث مرات، وهذا  ما يثير الكثير من الانتقادات ضد وزير الداخلية، ويثير التساؤلات حول مدى فاعلية اتفاقية الاتحاد الأوروبي.

بات متوقعًا أن تمضي ألمانيا إلى جانب دول أوروبا في موضوع مسك الحدود، من جديد، وهذا ما يعني إلغاءً غيرَ رسمي لاتفاقية شنجن وكذلك اتفاقية دبلن.

ربما يعجبك أيضا