أفغانستان 2019.. دماء تسيل ومازال الخشخاش يزهر!

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

مع مطلع العام 2019، لم يهدأ صوت الرصاص في أفغانستان، البلد الذي يشهد عمليات عسكرية وأمنية ومعارك عنيفة بين قواته المدعومة بقوات أمريكية، وأخرى من حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وبين حركة طالبان التي تسيطر على 50% من أراضي البلاد، بينما يعمل تنظيم “داعش” الإرهابي على تقوية نفوذه في مناطق متفرقة من البلاد، فمع أول يوم من عام 2019 هاجمت حركة طالبان الجنود عند الحواجز الأمنية في منطقة “صياد” بولاية سريبول بشمال الأفغانستان.

بحسب المؤشر العالمي للإرهاب الصادر من معهد الاقتصاد والسلام لعام 2019، فإن الكلفة الاقتصادية للإرهاب كانت أعلى قيمة لها في أفغانستان، حيث لامست 20% من الناتج الإجمالي المحلي الأفغاني. ويدخل في حساب الكلفة الاقتصادية للإرهاب، نفقات الحكومة على الخدمات الطبية، وتراجع الإنتاج والمداخيل، إضافة للآثار النفسية على متضرري الإرهاب.

ظهور داعش

بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)، تمدد وجوده إلى داخل الأراضي الأفغانية، وأصبح الفرع الأفغاني لداعش رقما صعبا في معادلة الصراع في ساحة تقليدية للتشدد والتطرف وبيئة خصبة لتفريخ الإرهاب الذي يتغذى من الفوضى والفراغات الأمنية. واستفاد التنظيم المتطرف من التضاريس الوعرة ومن ضعف القوات الحكومية ومن تشتت حركة طالبان المتشددة ذاتها ليرتب صفوفه عدّة وعتاد ساعيا لترسيخ وجوده باعتداءات دموية لا تهدأ. حيث يبحث هذا التنظيم عن موطئ قدم في الأراضي الأفغانية بعد أن انحسر نفذه في بؤر توتر أخرى على غرار سوريا والعراق وليبيا.

ويتواجد داعش في الولايات الشرقية للبلاد التي تشهد بين الفينة والأخرى اشتباكات مسلحة بين أفراد التنظيم من جهة وقوات الأمن من جهة أخرى وأحيانا مع حركة طالبان.

وتتهم كل من روسيا وإيران الولايات المتحدة الأمريكية بتورطها في دعم ونقل قوات “داعش” إلى أفغانستان. وهو ما قاله صراحة سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، الذي قال: إن هناك أدلة دامغة على ذلك. وتعتبر كل من موسكو وطهران أن الهدف من ذلك هو إيجاد موطئ قدم لأمريكا في المنطقة، وسد الطريق أمام روسيا وإيران تجاه أسيا الوسطى والصين.

وأضاف باتروشيف -خلال مؤتمر الأمن الاقليمي في إيران- “هناك العديد من الأدلة على تورط أمريكا في دعم داعش ونقل قواته إلى أفغانستان، وآخر الإحصاءات تفيد بوجود 2500 إلى 4000 عنصر من داعش في أفغانستان”.

تقارب روسيا وإيران مع طالبان

عدو الأمس، بات صديق اليوم، فظهور تنظيم داعش داخل أفغانستان، والمخاوف الروسية-الإيرانية المشتركة فرضت التقارب مع حركة طالبان بصفتها الحركة صاحبة الأرض التي تحارب القوات الأمريكية والأطلسية، في مواجهة تنظيم داعش والدعم الغربي له، الذي يستهدف المصالح الروسية والإيرانية والصينية.

ولذلك بدأت تستند حركة طالبان وتتقوى بأطراف خارجية في مواجهة الأطراف الغربية؛ لدرجة أن وزير الخارجية الإيراني قال، “من المستحيل رسم مستقبل أفغانستان دون أي دورٍ لحركة طالبان”. وكذلك بدأت حركة طالبان القيام بزيارات معلنة ورسمية إلى كل من موسكو وطهران.

والعلاقة مع طالبان لم تكن وليدة العام 2019، بل نشأت منذ عدة سنوات، وتوطدت خلال السنتين الماضيتين، وخرجت إلى العلن رسميًّا بالاجتماع الثلاثي بموسكو يوم 27 من ديسمبر/كانون الأول 2016م.

الانسحاب الأمريكي

في تقريرها السنوي لعام 2018، قالت حركة طالبان إنها نجحت في إجبار الولايات المتحدة على دعوتها إلى طاولة التفاوض. ومع بدء العام 2019، بدأ الحديث يشتد عن محادثات سرية ومعلنة بين حركة طالبان والولايات المتحدة، مقابل مشاركة طالبان السياسية في أفغانستان، وانسحاب القوات الأمريكية من داخل الأراضي الأفغانية.

وتعتبر حركة طالبان أن انسحاب القوات الأمريكية شرطا رئيسا لعقد مثل هذه المحادثات؛ ولذلك تتعطل المحادثات كثيرا بين الطرفين بسبب هذا الأمر. ويبدو أن هذا الشرط تحرص عليه إدارة ترامب، الذي وعد ناخبيه بسحب الجنود الأمريكان من الخارج، فقد كشفت مصادر أمريكية مع نهاية العام 2019، أن واشنطن تعتزم الإعلان عن سحب 4 آلاف جندي من أفغانستان، أي ثلث العسكريين الأمريكيين في هذ البلد. في خطوة يبدو الهدف منها كسب ثقة حركة طالبان.

وتقلق الحكومة المركزية في كابول من مثل هذا التقارب تجاه الحركة المسلحة، سواء من جانب واشنطن أو روسيا أو إيران، وهو ما يدفعها كثيرا للاحتجاج على أي نتائج محادثات تتم مع طالبان بعيدا عن الحكومة الرسمية في كابول.

مقتل حمزة بن لادن

التنظيم الإرهابي القاعدة، اعتمد منذ تأسيسه على دعم حركة طالبان والاستفادة من طبيعة أراضي أفغانستان الوعرة للاختباء، وقد تشتت هذا التنظيم بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن على يد وكانت فرقة أمريكية خاصة في مدينة أبوت آباد في باكستان في عام 2011. وتمثل المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان ملاذا لقادة هذا التنظيم. وقد أعلن البيت الأبيض السبت 14 سبتمبر/ أيلول 2019، أن حمزة بن لادن قُتِل في عملية لمكافحة الإرهاب “في منطقة أفغانستان/ باكستان” دون أن يشير البيت الأبيض في بيانه إلى توقيت مقتل زعيم تنظيم القاعدة حالياً.  ويُعتقد أن حمزة كان يضطلع بدور بارز في تنظيم القاعدة. ومن من الواضح أن تنظيم القاعدة كان قد قام بإعداد حمزة ليكون خليفة للجيل القادم. فالزعيم الرسمي الحالي أيمن الظواهري لم يكن قائدا فعالا. لديه نوع من العجز في الكاريزما. ولذلك قال بيان البيت الأبيض: إن مقتل حمزة “يحرم تنظيم القاعدة من مهارات قيادية مهمة وعلاقة رمزية بأبيه” و”يقوض الأنشطة التنفيذية المهمة للجماعة”.

الانتخابات الرئاسية

مع مطلع العام 2019، قررت مفوضية الانتخابات المستقلة في أفغانستان تأجيل الانتخابات الرئاسية حتى تتيح للسلطات مزيدا من الوقت اللازم لتنظيمها. وذلك في ظل الخلافات السياسية والمخاوف الأمنية.

وفي سبتمبر الماضي تم إجراء الانتخابات الرئاسية التي ينافس فيها الرئيس الحالي أشرف غني زي، ورئيس حكومته عبدالله عبدالله، اللذان كانا قد اتفقا على تقاسم السلطة في انتخابات رئاسة 2014، وأجلت لجنة الانتخابات المستقلة الأفغانية إعلان نتئاج الانتخابات الرئاسية عدة مرات رغم مرور أشهر. وما زالت النتائج النهائية لم تُعلن بعد؛ حيث يمنع المرشح عبدالله عبد الله منذ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، إكمال عملية فرز الأصوات المتبقية في الولايات السبع، ولا سيّما من خلال منعه مندوبيه من حضور جلسات فرز الأصوات، بسبب رفض اللجنة المستقلة للانتخابات طلبه بإبطال 300 ألف صوت من أصل 1,8 مليون صوت احتسبتها اللجنة. ويشكّك عبدالله بصحة الـ300 ألف صوت قائلاً إنّها لم تمرّ بأجهزة بيومترية تمنع التصويت المزدوج.

وبدت الانتخابات وكأنها سباق ثنائي بين عبدالله عبدالله والرئيس أشرف غني. وهي رابع انتخابات رئاسية تنظّم منذ طرد طالبان من السلطة في 2001.

والسياسيان خصمان لدودان سبق وأن تنافسا في اقتراع العام 2014 في انتخابات شهدت مخالفات خطيرة إلى حدّ أنّ الولايات المتحدة فرضت على كابول استحداث منصب رئيس السلطة التنفيذية لعبد الله.

رئيس ضعيف

تواجه حكومة الرئيس الحالي، أشرف غني زي، تحدياتٍ مستمرة منذ انتخابات 2014 من التي انتهت بتقاسمه السلطة مع منافسه، عبدالله عبدالله، وهو ما جعل الرئيس الجديد الذي خلف الرئيس السابق حامد كرزاي، في حالة ضعف، وهو ما ما انعكس بالسلب على الأوضاع الأمنية داخل أفغانستان. إلى جانب المعارضة التي يقودها الرئيس السابق حامد قرضاي الذي لطالما انتقد سياسات غني زي، حول القضايا الأمنية والسياسة الخارجية والحكم الداخلي وعلاقاته بعبد الله عبد الله. كما يواجه غني زي أيضا معارضة داخلية قوية جدًا من كل من نائب الرئيس عبدالرشيد دوستم، والحاكم السابق لولاية بلخ عطا محمد نور. وهذه الحالة بلاشك أدت إلى إضعاف الجانب الأمني الذي عزز من موقع طالبان داخل أفغانستان.

ما زال الخشاش يُزهر

رغم المليارات من الدولارات التي أنفقها المجتمع الدولي منذ سنوات للقضاء على زراعة الخشخاش والتوجه إلى زراعات أخرى مثل الزعفران، لا تزال أفغانستان تنتج 90 بالمئة من الأفيون العالمي. وتؤمن هذه الزراعات مئات الآلاف من فرص العمل.

وينتج المزارعون الخشخاش  دون خوف من العقاب لأن حركة طالبان وممثلين عن الحكومة الأفغانية غالبا ما يستفيدون من هذه التجارة المربحة في تمويل أنشتطهم.

ويأتي الجزء الأكبر من الإنتاج من جنوب البلاد الذي تسيطر عليه حركة طالبان، حيث تتراجع تدريجا هيمنة القوات الموالية للسلطات في كابول. وتبقى هلمند الولاية الأولى المنتجة للأفيون، تليها قندهار وبادغيس وفرياب وأوروزغان ونانكرهار.

الوضع المعيشي

على الرغم من حيازتها أكثر من ترليون دولار على هيئة رواسب معدنية غير مستغلة، فإن أفغانستان لا تزال واحدة من أقل البلدان نموًا بالعالم.

ينضم العديد من الرجال العاطلين عن العمل إلى الجماعات المسلحة ذات التمويل الأجنبي أو عالم الجريمة، وخاصة كمهربين. لطالما طالبت الحكومة الأفغانية بالاستثمار الأجنبي وذلك من أجل تحسين اقتصاد البلاد.

ويؤدي الفقر المدقع إلى عمالة الأطفال في أفغانستان التي تعتبر إحدى أفقر البلدان في العالم. فبالإضافة إلى ظروف العمل الخطرة التي تسبب إصاباتٍ كثيرة، فإن نصف الأطفال العاملين يضطرون إلى ترك المدرسة.

وحسب تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية الأفغاني، فقد أفادت إدارة تصنيف حالات الأمن الغذائي IPC في تقريرها الأخير أن عامة أفراد الشعب في أفغانستان يوجهون تهديدات في مجال الأمن الغذائي.

وأعلنت وزارة الاقتصاد في أفغانستان، أن نسبة 55% من الأفغان يعيشون تحت خط الفقر. وقد أضر بالاقتصاد الأفغاني عدة عوامل مثل اتساع رقعة الحرب في العقود الأخيرة والجفاف.

كما ورد في تقرير إدارة تصنيف حالات الأمن الغذائي Integrated Food Security Phase Classification المُعد على أساس معطيات شهريْ أغسطس وأكتوبر لعام 2019، أن نسبة 33% من سكان أفغانستان يواجهون تحديات في مجال الأمن الغذائي وأنهم بحاجة إلى الدعم العاجل. من الأسباب التي أدت إلى رفع معدل هذه المخاطر: ارتفاع معدل البطالة، والحرب، والفيضانات، والجفاف.

وتواجه ست أسر من كل عشر أسر تحديات في مجال الأمن الغذائي في أفغانستان. الولايات الأشد تضررا في هذا الصدد هي: وردك، ونورستان، وباميان، وفراه، وهلمند، وفارياب، وغور، حيث إن أكثر من 80% من سكان هذه الولايات متضررون من ناحية الأمن الغذائي، وقد فقد نحو 29% منهم أعمالهم ووظائفهم وقلَّ دخلهم بنسبة 25%، وقد تسبب كل ذلك في إيجاد تحديات اقتصادية حادة في الولايات المذكورة. قرابة نصف الأسر التي تم الحديث معها لإعداد التقرير المذكور أفادوا أن دخلهم قد قلَّ مقارنة بالماضي، وقد لعب في ذلك عاملان، البطالة (بنسبة 60%) والحرب (بنسبة 25%). يقتات نحو 11.8% الشعب الأفغاني من رواتب الوظائف الرسمية، كما يقتات نحو 2% بالمال المُرسل لهم من أعضاء أسرهم الذين يعملون في الخارج، وبقية سكان الشعب يقتاتون من أعمالهم في الزراعة والرعي.

ربما يعجبك أيضا