الاتحاد الأوروبي 2019.. محاولات للتماسك في مواجهة القومية والشعوبية

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي 

على مدار عقود مضت، ظل الاتحاد الأوروبي نموذجا يحتذى به للتكتل الإقليمي وفتح الحدود وإزالة الرسوم الجمركية والانصهار في بوتقة واحدة تعزز من الالتحام الأوروبي في مواجهة التعددية الثقافية والعرقية، وقاد الاندماج الاقتصادي الفوارق السياسية. لكن الأمر اختلف في الأعوام السابقة نتيجة لسياسة بروكسل التي أدت لظهور الاختلافات والتوجهات القومية وإعلائها محل البراغماتية الاقتصادية وتكللت بمفاوضات البريكست، وصعود الأحزاب اليمينية.

شهد عام 2019 تصدعات في بنية التكتل الأوروبي كللتها انتخابات البرلمان بصعود الأحزاب المشككة “skepticism” واليمينة، فلم تعد أحزاب الوسطية ( اليمينية واليسارية ) تسيطر على أغلبية المقاعد منذ أكثر من 40 عامًا مضت، واختتم العام بهزيمة حزب العمال، ووعده بإجراء استفتاء بريطاني آخر على الخروج من الاتحاد بخسارة 70 مقعدا راحت غالبيتها للمحافظين. ويرجع ذلك التفكك لعدة ملفات من ضمنها الهجرة وسياسة بروكسل المالية.

دلالات الصعود 

قاد اليمين المتطرف الأوروبي موجة صعود على حساب الأحزاب التقليدية الأخرى، بما يهدد من وحدة الاتحاد الأوروبي والسياسة الاقتصادية العالمية، وشهد العام الجاري دلالات عديدة أبرزت مدى القبول الشعبي عند المواطن الأوروبي، وكذلك مسيرة بريطانيا نحو الخروج والتي تزعمتها الأصوات اليمينية.

انتخابات البرلمان الأوروبي

أسفرت انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت في مايو 2019 عن تراجع أحزاب الوسط التقليدية مقابل تقدم أحزاب الخضر والليبراليين، فيما شهدت الأحزاب اليمينية المتطرفة تقدما في بعض الدول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا، مما أثار الذعر في أوروبا خشية على الاتحاد والتكتل الاقتصادي العالمي.

ففي بريطانيا، على سبيل المثال، حقق حزب بريكست بزعامة زعيم حزب الاستقلال السابق وأحد أقطاب حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، نايجل فاراج، فوزا مثيرا وحصد 32.84% من الأصوات. وهذه النسبة تعادل تقريبا ما حققه حزبا العمال والليبراليون الديمقراطيون مجتمعين.

وفي فرنسا، فاز حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده ماري لوبان بنسبة 23.31% من الأصوات، متراجعة بشكل طفيف عما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة، لكنها تظل أفضل من حزب الجمهورية للأمام بزعامة مانويل ماكرون، الذي حقق 22.41% من الأصوات.

وفي إيطاليا، حصل حزب ليغا اليميني المشكك بالاتحاد الأوروبي بزعامة ماتيو سالفيني على 33.64% من الأصوات، وفي المجر، الذي حصل بدوره على 52.14% من الأصوات في بلاده.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ( البريكست)

شهد العام الحالي أزمات عدة واجهتها الحكومة البريطانية في محاولة للتوصل لاتفاق يرضي كل من المفوضية الأوروبية ونواب مجلس  العموم، كما تأجل الخروج لثلاث مرات على إثر تعثر المفاوضات، ما أدى للإطاحة برئيس الحكومة السابق تيريزا ماي بعدما هزمت عدة مراات في الحصول على أغلبية برلمانية، وبرغم تشدد الاتحاد الأوروبي تجاه القضايا الخلافية -الحدود ما بين أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد- مع بريطانيا، إلا أن انتخابات 12 ديسمبر السابق، أوضحت فوز ساحق لبوريس جونسون ما يسهل حصوله على النسبة المنشودة للموافقة.

نخلص من تلك العثرات التي مرت بها بريطانيا خلال العام الجاري، إلا أن نتائج الانتخابات تؤكد على توجهات المواطن البريطاني تجاه الانفصال عن الكتلة الأوروبية رغم التحذيرات العديدة التي أعلنتها عدة مؤسسات دولية كما المؤشرات الاقتصادية إلى دخول بريطانيا في تخبط اقتصادي وربما ركو مستقبلي قد يلحق بها نتيجة للانفصال.

الانتخابات الإسبانية

لم تسلم إسبانيا من صعود اليمين المتطرف في أوروبا، ولكنها لحقت بجارتها الإيطالية بتزايد نفوذ اليمينة المتطرفة، إذ تأسس في 2018 حزب فوكس المعادي للاشتراكية والانفصاليين الكتالونيين وبالطبع موجات الهجرة الإفريقية، و تضاعفت الأعداد المؤيدة له خلال عام واحد ليحصد على 54 عضو من أصل 350 في انتخابات العام الجاري بفارق يصل إلى 30 مقعد من الانتخابات الماضية التي أجريت في 2018، إذ حصد على 24 مقعدا.

دوافع صعود الشعوبية 

ثمة دوافع دفعت جماعات اليمين المتطرف  والأحزاب القومية إلى الصعود في القارة الأوروبية، يختص بعضها بالداخل الأوروبي وسياسة الاتحاد، ويرتبط البعض الآخر بالظروف العالمية؛ التي تؤثر على المواطنين، ما أفسح المجال للدعوات القومية إلى البروز مدعومة بجماهير غفيرة، رأت في الخطاب المتطرف علاج لمشاكلها الراهنة، من معاداة المهاجرين، ورفض السياسة المالية للاتحاد.

قضية اللاجئين والمهاجرين: تعد قضية المهاجرين واللاجئين من كبرى القضايا التي تعلق عليها الأصوات الأوروبية تأييدها للأحزاب اليمنية، ولا سيما عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي حملت معاها أمواج كثيفة من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا هربًا من الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة، ناهية عن الهجرة من شرق أوروبا والقارة الإفريقية، وسياسة الاتحاد العاجزة عن ايجاد حلول لتلك المشاكل.

علاوة على ذلك، ارتباط قضية المهاجرين بقضايا داخلة ترتبط بمشكلة البطالة، إذ يمتلك الاتحاد الأوروبي أكثر من 22 مليون عاطل، ويشكل اللاجئين عائقا، من حيث انخفاض رواتبهم مقارنة بالأوروبيين، إضافة إلى الضغط على المرافق العامة من الصحة والتعليم، ما يكلف الدولة أموالا ترى تلك الأحزاب أنها أولى بإنفاقها على المواطنين. 

التوسع في العضوية: يتبع الاتحاد الأوروبي سياسة التوسع في ضم دول أوروبا الشرقية والبلقان، ومن ثم تبعها تحمل دول الاتحاد مشاكل الدول الجديدة من الأزمات الاقتصادية، والهجرة، ناهيك عن المساعدات المالية التي تقدم لها، فشل الاتحاد الأوروبي في تمكين الدول الصغيرة او ما يسمى بـ”الأسواق الطرفية” في بولندا وقبرص وهنغاريا واليونان وإلى حد ما في آيرلندا والبرتغال من تحقيق معدلات نمو اقتصادي نموذجي دفع أعداد ضخمة من سكان أوروبا الشرقية الفقيرة للبحث عن الوظائف في أوروبا الغربية الثرية وبالأخص بريطانيا. 

علاوة على ذلك، تقع السياسية المالية للبنك المركزي الأوروبي في طليعة المعارضة الأوروبية، بما تضم من الفائدة السلبية على الودائع، إلى المساعدات المالية المقدمة إلى الدول الجدييدة والأخرى المتعثرة، إذ يرى كثير من مواطني الدول الغربية أنهم أولى بتلك الأموال لتنفق على المرافق العامة وتحسين الأوضاع المعيشية لقطاع عريض من الشعب.

وختامًا، وبناءً على المسارات الأوروبية الحالية نحو صعود القومية واليمين المتطرف، بالموازنة مع خفوت صوت الأحزاب المعتدلة الأخرى، على رأسها حزب أنجيلا ميركل في ألمانيا لصالح الحزب اليمني “البديل من أجل ألمانيا، بعدما أفنت الأولى حياتها السياسية لقيادة دولتها وكذلك الاتحاد ومنعه من التشرذم على إثر تلك الدعوات المتطرفة.

ربما يعجبك أيضا