النوم “جوعًا”.. هروب من شبح التضخم بفنزويلا

حسام عيد – محلل اقتصادي

تضخم وانقطاعات مستمرة للتيار الكهربائي وشح مواد غذائية وأدوية، أدت إلى أزمة سياسية خطيرة. هكذا يمكن وصف الحال المتردي الذي وصلت إليه فنزويلا اليوم، بعدما كانت تصنف بين الأعلى دخلًا للفرد بالعالم.

هناك أكثر من 3 ملايين فنزويلي هجروا بلادهم في السنوات الأخيرة، نتيجة الجوع وشح العناية الصحية والبطالة واستشراء الجريمة.

كما أن المؤشرات المالية، قياسية سلبية، لم تعهدها فنزويلا منذ عقود، فمعدل التضخم اليوم هو الأضخم عالميًا عند مستويات 10 ملايين بالمئة.

معدل التضخم.. مروع

بينما كانت البلاد تعيش حالة مستقرة ونمواً اقتصادياً قوياً، تقف الآن على حافة الانهيار والإفلاس. وقد وصفت مؤخراً صحيفة “نيويورك تايمز”، الأزمة بأنها أسوأ أزمة شهدها العالم خارج الحروب.

وبلغ التضخم الذروة في فنزويلا مسجلاً رقمًا غير مسبوق عند 10 ملايين بالمئة خلال السنة الحالية، بحسب صندوق النقد الدولي.

ويعني ذلك، أن السلعة التي كانت بتكلفة ما يوازي دولارًا واحدًا فقط، تساوي الآن ما يوازي 10 ملايين دولار. وبموجب هذا الوضع، فإن الأجر الشهري للفرد الفنزويلي، لا يكفي لشراء قارورة حليب واحدة.

وتسارع التضخم في الأشهر القليلة الماضية بسبب شروط صارمة للاحتياطيات الإلزامية للبنوك وهو ما خفض الائتمان المتاح للشركات. وقال خبراء اقتصاديون إن ذلك ساهم في المزيد من التراجع للنشاط الاقتصادي في البلد العضو بمنظمة “أوبك” الذي يشهد اقتصاده سادس عام على التوالي من الانكماش.

وفي استطلاع سنوي لظروف المعيشة، قال 8 من كل 10 بأنهم يتناولون كميات أقل من الطعام وذلك لشح الغذاء.

كما قال 6 من كل 10 إنهم يأوون الى النوم وهم جياع لعدم قدرتهم على شراء الطعام.

وضع اقتصادي.. مذري

تملك فنزويلا، أكبر احتياطي للنفط المحكم في العالم، إلا أن إنتاجها الحالي، المقدر بنحو 1.5 مليون برميل يوميًا، يقل بنحو 2.3 مرة عما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي عند 3.5 مليون برميل يومياً، وفقًا لمجلة “فوربس” الأمريكية.

وخلال معظم العقود التي تلت تبني فنزويلا لحكومة ديمقراطية في الفترة من 1958 حتى ثمانينيات القرن الماضي، كانت البلاد الأكثر ثراء في أمريكا الجنوبية، بحسب مجلة “بي آر آي ذا وورلد” الأمريكية.

وبعد ذلك أمر الرئيس نيكولاس مادورو، بزيادة الأجور 26 مرة خلال 6 سنوات، بما فيها زيادة بلغت 300% في يناير 2019، من واقع 4.5 ألف بوليفار، إلى 18 ألف بوليفار.

فيما أشارت تقديرات بعض الخبراء، لبلوغ تكلفة لفة ورق التواليت، نحو 2.6 مليون بوليفار خلال السنة الماضية، ما يعادل 40 سنتاً من الدولار، حيث وصلت معدلات التضخم وقتها مليون%، بحسب “إن بي سي نيوز”.

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا في 2018، نحو 276 مليار دولار، وفقاً لمجلة “وورلد إيكونوميكس”. وصادف في الوقت نفسه من تلك السنة، بلوغ الناتج المحلي الإجمالي لولاية كونيتيكت الأمريكية وهي الولاية الأصغر حجمًا، نحو 279.7 مليار دولار.

وتشير توقعات “بلومبيرج”، لتجاوز معدلات البطالة في فنزويلا، 44% خلال 2019، لتناهز 50% في 2020.

كما يبدو الإنتاج والزراعة والصادرات، في وضع صعب للغاية في فنزويلا، مع توقعات بتراجع الإنتاج بنسبة تصل إلى 25% خلال السنة الحالية فقط.

الذهب أو الدولرة.. تحوط وإنقاذ

ووفق تقرير نشرته مجلة “لاكابيتال الفرنسية” بإمكان فنزويلا تجاوز الوضع الكارثي الحالي عبر وضع حد للتضخم المفرط، مثلما نجحت في ذلك كل من ألمانيا (1923)، والمجر (1946)، ويوغوسلافيا (1994).

ولتحقيق ذلك، من الضروري “حذف العملة الوطنية لصالح عملة وطنية جديدة من شأنها أن تكون محل ثقة وتحافظ على قيمتها”.

ولأجل ذلك يجب أن تستعمل البلاد الذهب والعملات الأجنبية كأداة للتحوط، كما كانت الحال في المجر ويوغوسلافيا.

على غرار الإكوادور سنة 2000، كان بإمكان فنزويلا، “التفكير في “دولرة” الاقتصاد (استخدام العملات الأجنبية كأداء وحيدة للوفاء بالالتزامات والديون). ونجحت الإكوادور في القضاء على التضخم من خلال إزالة عملتها الوطنية لصالح الدولار”.

وقد ينجح هذا الأمر، شريطة دخول دولارات كافية إلى فنزويلا.

كما يوجد بديل “للدولرة” يتمثل في اللجوء لما يسمى مجلس العملة، حيث يتولى إصدار عملة خاصة لكن مع تغطية بالعملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكي.
 

ربما يعجبك أيضا