فلسطين 2019.. أزمات اقتصادية عاصفة

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – شهد العام 2019 أزمة اقتصادية عاصفة في الضفة الغربية، تمثلت بحجز عائدات الضرائب الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي لثمانية أشهر متواصلة، ما شلّ الحياة في الضفة وحرم عشرات آلاف الموظفين من رواتبهم، فيما واصل الاحتلال حصاره الاقتصادي على قطاع غزة.

معاناة غزة

أكد رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري أن العام 2019 الأسوأ اقتصاديًّا على غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الممتد للعام الـ13 على التوالي، الذي طالت تأثيراته جميع مناحي الحياة.

وأكد الخضري أن الوضع في غزة صعب جدًّا، وأبرز أوجه التدهور كان من نصيب القطاع الاقتصادي؛ حيث شهد تدهورًا سريعًا وخطيرًا وكبيرًا.

وأشار إلى وجود جمود اقتصادي وتراجع في مستويات الدخل والعملية الإنتاجية بشكل كبير جدًّا، إضافة لعمليات إغلاق يومية لمحال تجارية ومؤسسات وشركات بسب عدم قدرتها الاستمرار في العمل بسبب الحصار.

واستعرض الخضري أرقامًا مخيفة حول الواقع في غزة، مؤكدًا ضرورة التحرك الفعلي للحد من هذه المعاناة.

وأشار إلى أن ربع مليون عامل مُعطل عن العمل، وقرابة 85٪ من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر (من النسب المرتفعة عالميًّا).

وبين أن المصانع تعمل بـ20٪ من طاقتها الإنتاجية، بسبب الحصار والإغلاق وتقييد حركة الاستيراد والتصدير والاعتداءات المتواصلة.

وأكد الخضري أن الحصار أصاب الحياة التجارية والصناعية وقطاع المقاولات والأعمال عمومًا بالشلل، وأوقف قرابة 80٪ من المنشآت الاقتصادية عن العمل، حيث تعدّ بحكم المغلقة.

وقال: “ما تبقي من شركات ومحال ومصانع ومنشآت اقتصادية تعمل في الوقت الحالي بنسبة أقل من 50٪ من قدرتها التشغيلية”.

وشدد على أن الخسائر الشهرية المباشرة وغير المباشرة للقطاع الاقتصادي (الصناعي والتجاري والزراعي وقطاع المقاولات) ارتفعت كثيرًا جدًّا مع نهاية العام 2019 لتصل لقرابة 100 مليون دولار شهريًّا.

وفي ملف الإعمار، قال الخضري: إن نحو 20% من المنازل الـمُدمرة كليًّا بفعل العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 لم تبنَ بعدُ، ولم يفِ المانحون بوعودهم لبنائها.

وأكد أن أصحاب هذه البيوت يعيشون وضعًا إنسانيًّا صعبًا في عداد المُهجرين، ومعاناتهم مُركبة، ويضاف إليها المعاناة الإنسانية بفعل الحصار الإسرائيلي.

وأكد الخضري أن قضية تعويض وإعادة بناء المصانع والمنشآت الاقتصادية تراوح مكانها؛ حيث لم يحدث أي إنجاز حقيقي ينهي معاناة أصحاب المصانع المدمرة، وهي متوقفة عن العمل.

وشدد على أن رفع الحصار هو البوابة الرئيسة لإنهاء أزمات غزة، باعتباره غير قانوني ويتناقض مع مبادئ القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ودعا إلى إقامة مشروعات تنموية وتوجيه دعم خاص للقطاع يوازي حجم المأساة والمعاناة والتراجع والاقتصادي.

ودعا الخضري المؤسسات الدولية والأممية والعربية والإسلامية إلى ضرورة توجيه دعم عاجل وخاص لإنقاذ الحالة الإنسانية المتدهورة.

عام الاشتباك الاقتصادي

لم يكن عام 2019 سهلًا من الناحية الاقتصادية على الشعب الفلسطيني، وسط أزمات اقتصادية غير تقليدية قادت السلطة الوطنية إلى الاشتباك مع الاحتلال على أكثر من صعيد.

وتجسدت أكبر الأزمات في ضريبة المقاصة التي ضربت الاقتصاد الفلسطيني، حيث لم تستلم فيها الحكومة الفلسطينية هذه الأموال منقوصة لمدة ثمانية أشهر متتالية ابتداءً من شهر شباط الماضي، في موقف رسمي وشعبي رافض لخطوات الاحتلال الرامية إلى التنكيل بأسر الشهداء والأسرى.

وتبلغ قيمة المقاصة وهي أموال تجبى على البضائع التي يستوردها الفلسطينيون من الخارج قرابة 700 مليون شيقل شهريًّا، إذ تمثل نحو ثلثي إيرادات الخزينة العامة.

وبقي هذا الملف معلقًا دون تسوية بين الجانبين مع تفاهمات بتسلم أموال المقاصة مقابل تفعيل اللجان الفنية المشتركة دون تنازل من قبل السلطة الوطنية عن الخصومات التي فرضها الاحتلال.

واستكمالًا لمخطط بدأه الرئيس محمود عباس بوقف التحويلات الطبية إلى إسرائيل التي تراوحت قيمتها خلال السنوات الأخيرة 130: 200 مليون شيقل سنويًّا في توجه لتوطين الخدمة الطبية، أعلنت الحكومة برئاسة الدكتور محمد اشتية عن خطة طموحة للانفكاك الاقتصادي التدريجي عن إسرائيل تقوم على تعزيز المنتج الوطني والاستيراد المباشر من الخارج والذي زاد بنسبة 16% خلال الربع الثالث من العام المنصرم، وتوطين الخدمة ومقاطعة المنتج الإسرائيلي.

كما قررت الحكومة خلال عام 2019 وقف استيراد العجول من إسرائيل، مع توجه لتحفيز المستثمرين للاستيراد من الخارج، ما أدى إلى اشتباك من نوع آخر مع الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي أفضى إلى تفاهمات انتزع الجانب الفلسطيني فيها موافقة بالاستيراد المباشر دون قيود اعتبارًا من مطلع العام الجديد.

وتستهلك السوق الفلسطينية قرابة 40 ألف طن من اللحوم الحمراء سنويًّا، منها قرابة 14 ألف طن من لحوم العجول. فيما كانت تبلغ عدد العجول المستوردة من السوق الإسرائيلية نحو 120 ألف عجل.

ولإعاقة مشروع الانفكاك، مارست الحكومة الإسرائيلية ضغوطات كبيرة على الجانب الفلسطيني متذرعة بالديون المتراكمة على شركة كهرباء القدس لصالح الشركة القطرية الإسرائيلية والبالغة نحو 1.3 مليار شيقل باتخاذ خطوات فعلية لقطع التيار الكهربائي عدة مرات عن مناطق امتياز الشركة والتي تشمل مدينتي رام الله والبيرة، المقر المؤقت للسلطة الوطنية.

وفي سبيل تعزيز الاستيراد المباشر، نفذت الحكومة زيارات على مستوى عالٍ إلى كل من الأردن والعراق ومصر بحثت خلالها تعزيز العلاقات التجارية مع الدول الشقيقة، ومحاولة توفير أسواق بديلة عن السوق الإسرائيلية، وهي بصدد زيارة المملكة العربية السعودية وسط توقعات بجلب استثمارات سعودية إلى فلسطين.

كما بحثت الحكومة إمكانية فتح أفق استيراد البترول من العراق وتكريره في الأردن في محاولة للحل الاقتصادي في هذا الملف، علما بأن فاتورة الطاقة هي أكبر بند في العجز الميزان التجاري الفلسطيني مع إسرائيل والتي تقدر بنحو 2.5 مليار شيقل سنويًّا.

وفي تطور لافت حول توجه القطاع المصرفي، وانسجامًا مع رؤية الحكومة لدعم القطاعات الإنتاجية، أصدرت سلطة النقد تعليماتها للمصارف بشأن الاستثمار في مشاريع اقتصادية تساهم في النمو الاقتصادي، تهدف إلى تحفيز المصارف وتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية المستدامة عن طريق الاستثمار في مشاريع وشركات فلسطينية ناشئة تعمل على خلق فرص عمل وتشجع على الابتكار والإبداع وتدعم المشاريع الريادية والمشاريع ذات العلاقة بالمحافظة على البيئة.

وتسمح التعليمات المذكورة للمصارف بالمبادرة والمساهمة في تأسيس مشاريع ريادية واقتصادية جديدة بمساعدة أصحاب الاختصاص والمعرفة في شتى الأعمال وبنسبة مساهمة تصل إلى 80% في حقوق ملكية شركة أو شركات فلسطينية ناشئة، تكون من غاياتها ممارسة أنشطة الإنتاج الزراعي والحيواني أو الصناعي أو الطاقة البديلة أو تكنولوجيا المعلومات، فضلًا عن الشركات الناشطة في مجال المحافظة على البيئة، كما حددت سلطة النقد من خلال هذه التعليمات عددًا من المتطلبات الواجب الالتزام بها من المصارف الراغبة في الاستثمار في الشركات المذكورة.

ربما يعجبك أيضا