بعد اغتيال سليماني.. نفوذ يتأرجح وعراق مفتوح لكل الجبهات

أسماء حمدي

كتبت – دعاء عبدالنبي

توقعات عديدة مُنذرة بتحول العراق لساحة حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، على خلفية مقتل جنرال الحرب في المنطقة”قاسم سليماني” والقيادي الشيعي “أبومهدي المهندس” على يد الأمريكييين، والتي حتمًا ستربك حدة الغضب الشعبي من النفوذ الإيراني بالعراق بعد الهجوم الأمريكي الأخير، وسط مخاوف من تحول العراق لساحة حرب في ظل التهديدات الإيرانية ضد واشنطن ودخول المنطقة في حالة مزاج حرب مفتوحة.

كل ذلك تزامن مع حراك البرلمان العراقي في جلسته الطارئة اليوم، لإلغاء الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن وإقرار قانون خروج القوات الأجنبية وتحديدًا الأمريكية من العراق، والذي قد يصطدم بمواقف الكتل الكردية وسط تهديدات انتقامية من حزب الله العراقي في حال تم منع تمرير القانون.

ويمكن من خلال التقرير استعراض كيف أثرت الضربة الأمريكية على نفوذ إيران، واستراتيجية ترامب في مواجهة إيران، والخيارات التي ستلجأ إليها طهران للرد سواء عبر الحرب بالوكالة أو الحشد ضد بقاء القوات الأمريكية في العراق.

نفوذ إيران والضربة الأمريكية

طهران كانت دائمًا الأقوى في أي صراع من أجل النفوذ في العراق بفضل الأغلبية الشيعية التي تسيطر على الساحة السياسية بدعم إيراني، ولكنه تراجع خلال الفترة الأخيرة بسبب جهود سليماني في قمع الاحتجاجات العراقية بطرق وحشية أدت إلى مقتل 500 شخص وإصابة الآلاف.

لا شك أن الضربة الأمريكية الأخيرة قد تخفف من حدة الغضب الشعبي المتزايد ضد إيران بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية العراقية، بعدما استهدفت طائرة مسيرة أمريكية “أبو مهدي المهندس” قائد كتائب حزب الله أقوى ميليشا موالية لإيران، فإذا كان الأمريكيون يعتبرونهم ميليشيات إرهابية، فإن الكثير من العراقيين الشيعة يرون فيهم القادة الذين واجهوا نظام صدام حسين وقاتلوا تنظيم داعش.

أما قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” فجرائمه ضد الإنسانية ليست خفية، فهو المسؤول الأول عن زرع الفتن والإرهاب في الشرق الأوسط من خلال تحريك ميليشياته، التي ساهمت في مد النفوذ الإيراني في لبنان واليمن وبقاء نظام الأسد وحصار وتجويع الشعب السوري، بالإضافة إلى مهاجمة المنشآت النفطية السعودية من خلال الحوثيين وقتل مئات الأمريكيين، ومع ذلك فإن قرار ترامب فيه مجازفة، فبدلا من ردع إيران وأطماعها التوسعية فإن قتل سليماني قد يعزز جرأتها على تحدي المعايير الدولية.

من جهتها، أكدت إيران عبر مسؤوليها بدءًا من المرشد الأعلى ووزير خارجيتها وقادة بالحرس الثوري ردها على مقتل سليماني، وحددت 35 هدفًا أمريكيًا بالإضافة إلى إسرائيل، وسط مخاوف وترقب دولي حذر من تداعيات الرد الإيراني الذي توقع الكثيرون أنها قد تكتفي بتحريك أذرعها للقتال بالوكالة في المنطقة.

 استراتيجية ترامب

ترامب يعتقد أن طهران رغم تهديداتها لا تملك القدرة على تنفيذ تلك التهديدات، لاسيما بعد العقوبات التي نخرت اقتصاد البلاد والاضطرابات الداخلية هزت أركان النظام الإيراني، لكن صحيفة “التايمز” حذرت من أن هذه ليست إلا تخمينات. فإيران لم تتراجع عن الاستفزازات التي تقوم بها في المنطقة. فقد لجأت في الفترة الأخيرة إلى أعمال القرصنة باعتراض السفن في مضيق هرمز، وهاجمت ناقلات نفط في الخليج. وأكثر من ذلك فقد أسقطت طائرة مسيرة أمريكية، وقصفت أكبر منشأة نفطية في العالم في السعودية.

مبررات واشنطن للغارة الجوية واضحة، فهي حملت الميليشيات المدعومة من إيران مسؤولية إطلاق صواريخ على قوات أمريكية أدت لمقتل مقاول ومواطن أمريكي، فجاء الأمر من ترامب بشن 5 غارات جوية على ميليشيا الحشد الشعبي التي حاصرت السفارة الأمريكية في بغداد.

ويبدو أن اقتحام السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 والتي احتجز فيها 52 من الأمريكيين كرهائن لأكثر من عام، ما زالت عالقة في الأذهان بعدما حدد ترامب نفس الرقم لأهداف إيرانية يسعى لضربها إذا تعرضت قوات ومنشآت بلاده لأي هجوم ردًا على تفجيرات بغداد بالأمس وتهديدات إيرانية بتحديد 35 موقعًا أمريكيًا لاستهدافها إضافة إلى إسرائيل.

عسكريًا، القضاء على قائد الجناح الخارجي للحرس الثوري إنجاز كبير للولايات المتحدة، بل إنه أكبر من قتل أسامة بن لادن في 2011، ولكنه يثير تساؤلا حول توقيت الضربة الأمريكية التي كان ينبغي أن تخضع لاستراتيجية واضحة، لاسيما وأن العملية استهدفت ثاني أقوى رجل في إيران وسط غموض وترقب للرد الإيراني.

العراق مسرح المواجهات

وهنا اختلفت التخمينات حول كيفية الرد الإيراني، فهناك مسؤولون أقروا بضرورة الرد عبر وكلاء إيران المنتشرين في المنطقة واستهداف المصالح الأمريكية من جهة، وأخرون توقعوا تحول العراق لمسرح مواجهات بين واشنطن وطهران وتحريك وكلاء طهران المنتشرين في لبنان وسوريا واليمن، لاسيما وأن أي حرب مباشرة على إيران أو أمريكا سيكون لها ضوابط عالمية.

وهنا يأتي العراق الذي يعد الساحة المفضلة لعمل الميليشيات الإيرانية، والمكان الأوقع لتحشيد الشارع الشيعي ضد بقاء القوات الأمريكية في العراق، والضغط على الحكومة العراقية و البرلمان لفسخ الاتفاقية الأمنية التي تحتاج إلى موافقة ممتنعة للمكونين: السني والكردي.

واليوم عقد البرلمان العراقي، جلسة استثنائية لبحث الرد السياسي على حادثة مقتل سليماني والمهندس، حيث يسعى نواب الكتل الشيعية إلى إقرار قانون إخراج القوات الأمريكية، وإلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن.

وبحسب الاتفاقية التي تم توقيعها من قبل حكومة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي عام 2008، فإن قوات الولايات المتحدة المقاتلة والمنسحبة من المدن والمحافظات، ستبقى في المنشآت والمساحات المتفق عليها مع الحكومة العراقية، والتي تقع خارج المدن والقرى والقصبات ويتم تحديدها من قبل اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية بين الجانبين.

من جهتها، هددت كتائب حزب الله العراقي، قبيل الجلسة، بالانتقام من أي كتلة سياسية تتخلف عن حضور جلسة التصويت، وخصوصًا الأكراد، مشيرة إلى أنها ستمنعهم من دخول بغداد في حال امتنعوا عن تمرير القانون، كما دعت إلى ضرورة إلغاء الاتفاقية الأمنية بعدما خرقتها أمريكا وباتت ملغية بحكم الأمر الواقع بحسب البيان.

النائب عن تحالف سائرون رياض المسعودي، أبدى استعداده للاستجابة لأي طلب ياتي من الحكومة الاتحادية بشأن الاتفاقية الامنية بين العراق وأمريكا، فيما أكد تحالف الفتح استعداده لتمرير قانون اخراج القوات الأمريكية من العراق وإلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي، مبينًا وجود اغلبية بأكثر من 160 صوتًا لتمرير القانون.

فهل ينجح البرلمان في إقرار القانون وإلغاء الاتفاقية؟ علمًا بأنه في حال مطالبة الحكومة العراقية بمغادرة القوات الأمريكية أراضيها بعد انتهاء الحرب مع داعش، فيتوجب على العراق تسديد تلك المبالغ المترتبة بذمته مع الفوائد، ‏إضافة إلى تكلفة الحروب منذ عام 2003 والبالغة تريليون ومئة مليار دولار.

ربما يعجبك أيضا