رهن المصير بأردوغان.. الغنوشي يستشرف نهاية “النهضة”

كتب – حسام عيد

وكأنه يقول ويؤكد أن قرار حركة النهضة التونسية مرتبط بسياسات وتوجيهات رجب طيب أردوغان، زار راشد الغنوشي، رئيس الحركة الإسلامية، يوم السبت الموافق 11 يناير 2020، تركيا.

توقيت الزيارة يبدو مريبًا، كما أن أهدافها غير معلنة، لكن الغريب فيها هو تزامنها مع أزمة تشكيل الحكومة في تونس، وكذلك تطورات المشهد الليبي.

ومما لا يدع مجالًا للشك في أن هناك خطة خبيثة تحاك في تركيا، استقبال أردوغان، رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، في اليوم التالي لزيارة الغنوشي.

زيارة مفاجئة وغامضة بعد فشل الحكومة التونسية

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استقبل رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في قصر دولمة بهتشة بمدينة إسطنبول، حيث عقد اجتماعًا مغلقًا معه، ضمن زيارة مفاجئة وغامضة لم يعلن عنها مسبقًا.

زيارة أثارت تساؤلات كثيرة في تونس حول توقيتها وأسبابها، وخلّفت شكوكًا وهواجس حول أهدافها، فهي قد جاءت بعد سويعات قليلة من سقوط الحكومة التي شكلّتها “النهضة” وعدم منحها الثقة في البرلمان.

وهي دوافع جعلت من الأوساط السياسية والشعبية تنظر لهذا الاجتماع بكثير من التوجس، على ضوء المستجدات المحلية في تونس التي تستعد لتشكيل حكومة جديدة، وتعيش على وقع تراجع دور وتأثير “حركة النهضة” في المشهد السياسي، الأمر الذي يوحي بأن الزيارة قد تهدف لمنح أردوغان دورا في متغيرات الأوضاع داخل البلاد.

تهاني سيارة أردوغان واستقطاب الاستثمارات.. مبررات مثيرة للسخرية

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، دوّن ناشطون تعليقات غاضبة من زيارة الغنوشي إلى تركيا ولقائه رئيسها في اجتماع مغلق وفي توقيت حسّاس، ورأوا فيها استفزازا للتونسيين وخيانة وطنية وانتهاكا لاستقلالية السيادة الوطنية، حتى أن البعض دعا إلى مساءلته في البرلمان ومطالبته بتوضيح رسمي وشرح لأسباب هذه الزيارة.

وردا على هذه الانتقادات، قالت “حركة النهضة” في بيان نشرته: إن زيارة الغنوشي إلى تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان، تندرج في إطار تهنئة القيادة بالسيارة التركية الجديدة، جدّد خلالها الغنوشي دعوة الرئيس أردوغان إلى تشجيع رجال الأعمال الأتراك لزيارة تونس والاستثمار فيها، وبعث شراكات مع رجال الأعمال التونسيين، بما يعدل الميزان التجاري بين البلدين، ودار حوار بينهما حول التطورات الجديدة في المنطقة والتحديّات الجديدة التي تواجهها.

وأثارت هذه المبرّرات التي سوّقتها “حركة النهضة”، سخرية التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبروا أنها مجرد “ذرّ للرماد على العيون” للتغطية على الأهداف الحقيقية من وراء الزيارة.

تأجيج وتعميق الأزمة الليبية

أحد أهداف الزيارة الغامضة، أيضًا، قد يرتبط بالتطورات الخطيرة في المشهد الليبي، والذي تلعب أنقرة خلاله دورًا كبيرًا في تأجيج وتعميق الأزمة في البلد المجاور لتونس.

فمساعي الرئيس التركي إلى التدخل في الشأن الليبي خدمة لأجندات توسعية لا تخدم أمن المنطقة، أثار تساؤلات عديدة حول جدوى هذه الزيارة في مثل هذا التوقيت.

دعوات برلمانية لسحب الثقة من الغنوشي

وتعليقًا على الزيارة المثيرة للجدل، دعا أمين عام حزب “حركة مشروع تونس” محسن مرزوق، إلى تحرك البرلمان لسحب الثقة من الغنوشي، معتبرًا أن “ذهاب رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى إسطنبول لمقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مباشرة بعد سقوط الحكومة، كما ذهب في مناسبات مماثلة، يؤكد مرة أخرى بما لا يدع مجالا للشك أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا”.

وقال في تدوينة على صفحته بــ”فيسبوك” أن “الغنوشي يمكن أن يذهب للقاء زعيمه التركي متى شاء ولكن بصفته الشخصية، أما صفة رئيس البرلمان المؤتمن على سيادة الشعب فهذا غير مقبول ولا يجب أن يتواصل”.

في المقابل بدأ حزب الحر الدستوري، الذي تتزعمه عبير موسى، تحركات باتجاه سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

ودعا الحزب، في بيان صادر عنه، مختلف النواب والكتل البرلمانية إلى إمضاء عريضة لسحب الثقة من رئيس البرلمان، وتصحيح ما اعتبره “خطأً فادحًا تم ارتكابه في حق هذه المؤسسة الدستورية”، مؤكدا أنه يضع إمضاء نواب كتلة الحزب الدستوري الحر الـ17 كبداية للشروع في جمع 73 صوتًا المستوجبة لتمرير هذه العريضة.

كما دعا القوى السياسية الوطنية إلى اختيار شخصية وطنية جامعة تتمتع بالكفاءة والإشعاع وتقطع مع الإسلام السياسي، لتكليفها بتكوين حكومة دون تمثيلية لتنظيم الإخوان ومشتقاته.

في السابق، وهي مجرد لاعب في المشهد السياسي التونسي، عملت حركة النهضة وعلى نطاق واسع على عزل تونس عن عمقها العربي والإسلامي، ونجحت في ذلك، من خلال سياسة المحاور التي اعتمدتها بالرهان على قطر وتركيا، وهو ما حال دون حصول تونس على مزايا كثيرة، خاصة ما تعلق بالدعم المالي والاستثماري لمساعدة البلاد في الخروج من أزمتها الاقتصادية.

واليوم، هي تدير السلطة التشريعية في تونس، عبر البرلمان، لذلك فكل خطوة تمس البلاد وسياساتها وأمنها، ستكون محسوبة على زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، فالاقتراب أو التوافق مع نهج أردوغان العدائي، عواقبه ستكون وخيمة، ليس على تونس فحسب، ولكن على دول المنطقة.

ربما يعجبك أيضا