رحيل المفكر “مراد هوفمان”.. سفير الإسلام في الغرب

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

توفي المفكر الإسلامي الألماني مراد هوفمان، عن عمر يناهز (89 عامًا)، بعد معاناة مع المرض، وهو أحد كبار أعلام الفكر الإسلامي في أوروبا.

ومراد فيلفريد (ولفريد) هوفمان Murad Wilfried Hofmann كان دبلوماسيًا ألمانيًا، ومن أبرز صناع السياسة الخارجية الألمانية، اهتدى للإسلام في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهو أحد المفكرين المعاصرين الذين أثروا الفكر الإسلامي، وحاولوا أن يجدوا حلولا للمعضلات التي تواجه العالم الإسلامي.

له العديد من المؤلفات التي تُرجمت إلى العربية، باكورة أعماله “الإسلام كبديل”، ثم كتاب “الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود”، ثم كتاب “رحلة إلى مكة” تركّز العديد من كتبه ومقالاته على مكانة الإسلام في الغرب.

وتتكامل كتاباته إلى حد كبير، مع مؤلفات المفكر والرئيس البوسني الأسبق علي عزت بيجوفيتش، وقد أحدث إسلامه دويًا هائلاً في الغرب، خصوصا أن ما كشف عنه من مخططات تستهدف العالم الإسلامي كان خطيرا للغاية.

وبعد أحداث 11 سبتمبر، كان هوفمان أحد الموقّعين على “كلمة مشتركة بيننا وبينكم”، وهي رسالة مفتوحة من قبل العلماء المسلمين إلى الزّعماء المسيحيين، تدعو إلى السّلام والتفهّم.

الوفاة

وأعلن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الإثنين، وفاة هوفمان الذي كان يشغل عضويته الشرفية.

وأشار المجلس، إلى أن هوفمان توفي، الأحد، بعد معاناة مع المرض، ووصف المجلس هوفمان بـ”المفكر الرائع والباحث وبأنه شخصية عالمية المستوى ومصدر إلهام لكثير من الناس والأجيال”.

وقال ‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏المدير العام السابق للإيسيسكو عبدالعزيز التويجري: توفّي اليوم المفكّر الألماني المُسلم الدكتور مراد هوفمان الذي تشرّفت بالتعرّف إليه عندما كان سفيراً لبلاده في الرباط قبل أكثر من عقدين، وشاركت معه في عدد من المنتديات الثقافية والحوارية، كان رحمه الله مفكّراً واسع الثقافة ذا خلقٍ كريم وسمتٍ رفيع.

حياته

ولد سنة 1931 في أشافنبورغ الألمانية، تخرج من هارفارد وحصل بعدها على الدكتوراه في القانون، وقد عمل لسنوات طويلة كناقد لفن الباليه في مجلات متخصصة، عمل منذ الخمسينيات في سفارة ألمانيا الاتحادية في الجزائر وهذا جعله يشاهد عن قرب الثورة الجزائرية التي يبدو أنها أثارت اهتمامه الشديد ودفعته للتأمل وغيرت مجرى حياته.

عمل كخبير في مجال الدّفاع النّووي في وزارة الخارجية الألمانية، وكان إسلامه موضع جدل بسبب منصبه الرّفيع في الحكومة الألمانية، عمل كمدير لقسم المعلومات في حلف الناتو في بروكسل من عام 1983 حتى 1987، ثم سفيرا لألمانيا في الجزائر من 1987 حتى 1990 ثم سفيرا في المغرب من 1990 حتى 1994.

إسلامه

في مقتبل عمره تعرض هوفمان لحادث مرور مروِّع، فقال له الجرّاح بعد أن أنهى إسعافه: “إن مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد، وإن الله يدّخر لك يا عزيزي شيئًا خاصًّا جدًّا”.

مر هوفمان خلال تواجده في بلدان إسلامية بمواقف أثرت فيه أيما تأثير، ويذكر د. هوفمان أنّ من أسباب تحوله إلى الإسلام، ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية، وولعه بالفن الإسلامي إضافة إلى “التناقضات الكثيرة التي تواجهه في العقيدة المسيحية”.

ويضيف: “في أثناء عملي بالجزائر في عامي 1961/ 1962م، عايشت فترة من حرب استمرت ثماني سنوات بين قوات الاحتلال الفرنسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وانضمَّ -أثناء فترة وجودي هناك- طرف ثالث هو “منظمة الجيش السري”، وهي منظمة إرهابية فرنسية، تضم مستوطنين وجنودًا متمردين، ولم يكن يوم يمر دون أن يسقط عدد غير قليل من القتلى في شوارع الجزائر، وغالبًا ما كانوا يُقتَلون رميًا بالرصاص على مؤخرة الرأس من مسافة قريبة، ولم يكن لذلك من سبب إلا كونهم مسلمين، أو لأنهم مع استقلال الجزائر”.

إنسانية المسلمين

يقول هوفمان: “أدركت إنسانية المسلمين في أصدق صورها، حينما تعرّضت زوجتي للإجهاض وعندما بدأت تنزف في منتصف الليل ولم يكن باستطاعة سيارة الإسعاف أن تحضر إلينا قبل السادسة صباحا بسبب حظر التجول، فذهبنا مع السائق الجزائري إلى عيادة طبية، وكانت تعتقد زوجتي أثناء وجودنا في السيارة بأنها ستفقد وعيها، ولذلك تحسبًا للطوارئ، راحت تخبرني أن فصيلة دمها O-، وكان السائق الجزائري يسمع حديثها فعرض أن يتبرع ببعض دمه الذي هو من فصيلة دمها، ها هو ذا العربي المسلم، يتبرع بدمه في أتون الحرب لينقذ أجنية على غير دينه”.

ويتابع: “لكي أعرف كيف يفكر ويتصرف هؤلاء السكان الأصليون المثيرون للدهشة، بدأت أقرأ “كتابهم” القرآن في ترجمته الفرنسية، ولم أتوقف عن قراءته منذ ذلك الحين حتى الآن، وحتى تلك اللحظة، لم أكن قد تعرفت على القرآن إلا من خلال النوافذ المفتوحة لكتاتيب تحفيظ القرآن في ميزاب جنوب الجزائر، حيث يحفظه أطفال البربر، ويتلونه في لغة غريبة عنهم، وهو ما دهشت له كثيرًا، وفيما بعد أدركت أن حفظ وتلاوة القرآن، باعتباره رسالة الله المباشرة، فرض تحت الظروف كافة”.

وفي عام 1980، أعد هوفمان مخطوطة من 12 صفحة تحتوي على أمور تعتبر صحيحة بلا شك من منظور فلسفي، وطلب من إمام مسلم في  كولونيا يدعى “محمد أحمد رسول” أن يلقي نظرة على هذه المخطوطة، وبعد قراءة رسول للأوراق أخبر هوفمان بأنه إذا كان يؤمن بما كتب فهو مسلم!

وهذا بالفعل ما حدث بعد بضعة أيام، عندما أعلن هوفمان إسلامه وقال: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله” وكان ذلك في 25  سبتمبر 1980.

وروى هوفمان في أحد مقالاته: لما أشهرت إسلامي حاربتني الصحافة الألمانية محاربة ضارية، حتى أمي لما أرسلت إليها رسالة أشاحت عنها وقالت: “ليبق عند العرب”!

قراءة في فكره

يرى هوفمان أن الحضارة الغربية على وشك الانهيار بعدما فشلت في إشباع احتياجات الغربيين الروحية وأدخلتهم في حروب طاحنة، أكلت منهم الكثير بشرياً ومادياً، وذكر أن الإسلام ينتشر بقوة في الغرب لدرجة أذهلت الغربيين أنفسهم، الأمر الذي أدى إلى أن تكون أكثر احتمالات المواجهات العسكرية لحلف شمال الأطلنطي، مستقبلاً ضد الإسلام.

وقال: هناك إجهاض لأي تعاطف مع الإسلام والمسلمين، واستشهد هوفمان بما حدث مع عميدة الاستشراق الألمانية (د. أناميل شميل) للتدليل على صحة كلامه، حيث هاجمتها وسائل الإعلام الألمانية بشراسة حينما انتقدت كتاب سلمان رشدي (آيات شيطانية)، وأكدت أن الكتاب يحتوى على افتراءات وأكاذيب عن رسول الإسلام، وأعلنت أن الكتاب مثل إهانة واضحة للإسلام والمسلمين، وللأسف بسبب كلامها هذا تعرضت د. شميل لاضطهاد وهجوم واسع، وبالطبع كانت أسباب هذا الاضطهاد سياسية وليست دينية.

وتحدث هوفمان عن التوازن الكامل والدقيق بين المادة والروح في الإسلام، فيقول: “ما الآخرة إلا جزاء العمل في الدنيا، ومن هنا جاء الاهتمام في الدنيا، فالقرآن يلهم المسلم الدعاء للدنيا، وليس الآخرة فقط ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً )) وحتى آداب الطعام والزيارة تجد لها نصيباً في الشرع الإسلامي”.

اقتباسات من أقواله

“فلا لقب دكتور ولا لقب صاحب السعادة ولا لقب أستاذ تضاهي لقب حاج”.

“حتى إنني لم أعد أرغب العيش في بلد لا أسمع فيه نداء المؤذن الجميل للصلاة”.

“إن الانتشار العفوي للإسلام هو سمة من سماته على مر التاريخ، وذلك لأنه دين الفطرة المنزّل على قلب المصطفى”.

“ومجمل القول إنني وجدت عبر الصلاة تلك الطمأنينة والتحرر الداخلي الذي ينتزع المسلم من الضغوط كافة؛ لأنه يستطيع أن ينتزعه من عالم يقاس فيه الوقت بالمال، والمال فيه كل شيء”.

“لا يزال أكثر من ٤٠٪ من سكان الأرض يعيشون في فقر بينما يعاني أكثر من ٢٠٪ آخرون من فقر مدقع بينما نلاحظ أن ٨٧٪ من الإنتاج الإجمالي المحلي يمتلكه وتتحكم فيه عشرون دولة تمثل ١٨٪ من سكان العالم بأجمعه فهل سيكون القرن الحادي والعشرون أحسن حالا من هذا؟”.

“وبالنسبة لي، لعل أهم أثر جانبي لصوم رمضان فيّ، أنني” أستطيع -في رمضان- أن أختبر ما إذا كنت ما أزال سيد نفسي أم أنني صرت عبدا لعادات تافهة، وما إذا كنت ما أزال قادرا على التحكم في نفسي أم لا”.

“إن الإسلام سيملأ الفراغ الذي سيتركه غياب كل من المبادئ الغربية والوجودية والشيوعية عن مسرح الحياة عندما يعلنان إفلاسهما الروحي”.

“يظهر بوضوح نهج الكيل بميكالين في التقارير الإخبارية التي تبثها وسائل الإعلام الغربية والتي تتناول الإرهاب؛ فهم لم يتحدثوا أبدًا عن هتلر الكاثوليكي أو ستالين المسيحي، ولكن في اللحظة التي يمسك فيها عربي بسلاح في يده تتم الإشارة إليه بصفته الإرهابي المسلم، حتى إذا كان هذا العربي مسيحيا فلسطينيا”.

“الإسلام دين شامل وقادر على المواجهة، وله تميزه في جعل التعليم فريضة، والعلم عبادة… وإن صمود الإسلام ورفضه الانسحاب من مسرح الأحداث، عُدَّ في جانب كثير من الغربيين خروجاً عن سياق الزمن والتاريخ، بل عدّوه إهانة بالغة للغرب!”.

ربما يعجبك أيضا