بين المرشد والسلطان.. “وافق شِنّ طبقةً”

كتبت – علياء عصام الدين

تسقط الأقنعة يومًا بعد يوم لتكشف حقيقة مشاريع أنظمة الإسلام السياسي في المنطقة وأجنداتها وتوافقها وربما تطابقها في الخطط والاستراتيجيات.

ويظهر هذا التوافق في نموذجين واضحين كانا سببًا في فضح ما وراء هذه المشاريع التي بدأت تترنح في محاولة لاسترداد مجدها الضائع، والنهوض من جديد بعد سلسلة الخسارات والانهيارات المتعاقبة ونبذها من قبل مزاج دولي رافض للتطرف والإرهاب.

ويمكن بسهولة استخدام المثل الشهير “وافق شن طبقه”  للتعبير عن التماثل والتشابه بين النموذجين.

لقد دأب كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على زعزعة القلاقل وضرب مشاريع الاستقرار في المنطقة ضمن مشروع تآمري موحد غير معلن.

المرشد الإيراني والسلطان التركي كلاهما يقومان باستغلال شعارات الإسلام السياسي لتحقيق مصالح سياسية وشخصية على حساب أمن المنطقة العربية واستقرارها، كلاهما يبذلان جهودًا مكثفة للظهور بمظهر المنقذ للأمة الإسلامية والمدافع عن رسالتها.

وعلى الرغم أن كل منهما يعملان وفق مفهوم مختلف للإسلام السياسي إلا أن أهدافهما تشابهت من حيث المبدأ والهدف والطريقة وتعظيم المصالح الخاصة، فالمتفحص لشخصية أردوغان يجده بمثابة المرشد الأعلى لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وعرابهم، الذي سرق الدولة التركية وقام بتحويلها إلى ما يشبه مملكة الولي الفقيه في إيران.

ويتشابه النظام في إيران مع نظام أردوغان في تركيا في عدة نقاط أولها فكرة الخلافة، وأهداف التوسع والسيطرة وبسط النفوذ في المنطقة فضلًا عن دعم الجماعات الإرهابية بداية من سوريا مرورًا باليمن والعراق وأخيرًا ليبيا.

يتفق كل من خامنئي وأردوغان في المصالح والمواقف والملفات ذات الاهتمام المشترك، فيتفقان في أزمات سوريا واليمن وقطر، أما المناطق التي لا يجتمعان فيها فلا يعملان ضد مصالح بعضهما، وذلك ليخلقا نوعًا من التكامل والتوافق.

وعن تبادل المنافع بين أنقرة وطهران فحدث ولا حرج، فتركيا أحد الداعمين لسياسة إيران في الشرق الأوسط وقد ظهر ذلك جليًّا في كل من سوريا والعراق.

ولا يمكن إغفال لحظة تقديم أردوغان واجب العزاء لروحاني في مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق عندما وصفه بـ”الشهيد”.

وفيما يخص الأزمة اللبنانية نجد السلطان ينأى بنفسه عن التدخل فيها، ببساطة لأنها منطقة إيرانية، في الوقت الذي تنأى إيران بنفسها عن التدخل في الأزمة الليبية لأن تركيا مهتمة بها، وإذا انتقلنا لليمن نجد مبعوثي الطرفين يجلسون معًا على طاولة واحدة.

انطلاقًا من المقدمات السابقة، لا حاجة للمواجهة بين أردوغان وخامنئي؛ لأن كل منهما مشغول بأولوياته ولا مصلحة لهما في فتح جبهات جديدة تشتت أهدافهما، وحتى إن اقتضت الضرورة أن يتواجها كما حدث في سوريا فإن التنازلات تبدأ بالظهور.

هذا التكامل والتناسق بين النظامين، وإن كان غير متعمد يعكس التناغم بين مشروعي الإسلام السياسي في المنطقة العربية “الإخوان والخمينيين”.

الحلم الاستعماري العثماني يعود من جديد، فأردوغان الحالم بالخلافة يستنهض حلمه متسلحًا كالمرشد الإيراني بالأجندات والخطط والمؤامرات بغية تحديث مشروع نخرت الحقائق عظامه واستنفذ كل فرص نجاحه.

فالمرشد الذي استنزف مال الإيرانيين ودماء العراقيين والسوريين واليمنيين واللبنانيين لا يختلف كثيرًا عن السلطان الذي امتص قوت الشعب التركي في سبيل تحقيق طموحاته ومشروعه الإمبراطوري.

ويتشابه النظامان فيما هو أبعد أساليب الهروب والتملص والتكتيك والمراوغة، لاسيما عندما يضيق عليهما الخناق، فسياسة فرض الأمر الواقع والابتزاز والتهديد، التسلل عبر الأبواب الخلفية، والتزييف والدجل، إحدى السياسات المفضلة والمشتركة بين المرشد والسلطان.

لقد حوّل علي خامنئي -بكل وقاحة- مأساة الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري إلى يوم من “أيام الله”، بينما استحضر أردوغان بطولات الغازي “بربروس” ليطالب جنوده بتحقيق ملاحم في ليبيا!

وعلى الرغم من كل هذه الخسائر الاقتصادية التي مُنِيَ بها المرشد والسلطان على السواء تجد الأول يصر على المراوغة وسط هتافات بإسقاطه، والأخير يماطل للتحكم بالأوراق الإقليمية عبر التسلل إلى ليبيا واستغلال انقسامها في غفلة من الزمن.

في الوقت الذي حاصرت فيه مذكرتا التعاون العسكري والحدود البحرية طموحات أردوغان، وبعد فشل سياسة الالتفاف والتظاهر للإيقاع بحكومة السراج، وبدلًا من اللجوء للحوار والتحكيم الدولي، اكتملت عزلة أردوغان ليجد نفسه في مأزق كبير، مأزق دفعه ليتبع النهج الإيراني في الصياح والجعجعة والتهديد والوعيد، وتصوير الباطل حق والحق باطل وتحويل الانهيارات والخسارات إلى انتصارات وهو نهج اعتاده السلطان في التملص والهروب.

لم يكن تدخل أردوغان في سوريا حماية لحدود بلاده ودفاعًا عنها -كما ادعى- بل رغبه منه في تثبيت مملكة الإخوان المسلمين شمال البلاد.

وتحت ذريعة حماية الشعب الليبي ومساندته، شحن أردوغان مرتزقته في صناديق ليقاتلوا في ليبيا، وطرح نفسه حارسًا حمى الديار ومدافعًا عنها، كما اعتاد أن يُسوّق لنفسه في كل بلد مبررًا مختلفًا، وكلها تصب في بوتقة حلم الإمبراطورية العثمانية في المنطقة الذي لا يفارق خياله، وها هو يصيح مهددًا قبل ساعات من انطلاق قمة برلين حول ليبيا: “إما حماية ودعم حكومة الوفاق وإما الفوضى والإرهاب”، مصرًّا على التشبث بأحلامه.

يتلاقى كل من أردوغان وخامنئي في الخطوط العريضة التي تجعلهما وجهان لعملة واحدة في استعباد الناس من منطلق الاستناد إلى قوة شرعية، تنتفي في وجودها القدرة على النكران.

كلاهما سلبوا أحلام أوطانهم وأفسدوا حياة شعوبهم في سبيل بسط النفوذ والسيطرة على المغيبين المصدقين لحكايات النصر على الأعداء والمؤمنين الحالمين بعودة أمجاد عصور الخلفاء.

ربما يعجبك أيضا