“التنمر”.. ظاهرة مقيتة تدق ناقوس الخطر في المجتمعات الحديثة

حسام السبكي

حسام السبكي

أضحى سلوك التندر والسخرية من الآخرين، على اختلاف أشكاله، وهو ما يُعرف بـ”التنمر”، ظاهرة مؤسفة تستحق التوقف عندها، خاصةً مع ما تسببه من نتائج مأساوية لأصحابها، قد تدفعهم إلى الانتحار والانطواء بعيدًا عن المجتمع الذي يمثل للمتنمر عليه نموذجًا للاحباط والمُعايرة، ومؤخرًا تسببت في إفشال زيجة إحدى الفتيات، بعد أن تسببت حملة من “التنمر الإلكتروني” في إنهاء خطوبتها بعد 24 ساعة فقط، ما يمثل نذير شؤم خلال السنوات المقبلة.

التنمر.. تعريفه وأسبابه وأنواعه وآثاره

تُعرِّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، التنمر على أنه أحد أشكال العنف، الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر، أو محاولة إزعاجه على نحو متعمد ومتكرر، على أنه يأخذ أشكالًا عدة مثل نشر الشائعات أو التهديد، أو المهاجمة بدنيًا أو لفظيًا للطفل المراد التنمر عليه، أو وضع طفلٍ ما في حالة عزلة بغرض إيذائه.

أما عن أنواع التنمر، فحددها موقع “يونيسيف”، فيما يلي:

1. بدني، كالضرب أو الركل أو اللكم أو سرقة الأغراض وإتلافها.

2. لفظي، عن طريق الشتائم والسخرية والتحقير، وإطلاق الألقاب السيئة والتهديد.

3. اجتماعي، ويكون من خلال التجاهل أو الإهمال للأطفال بطريقة متعمدة، أو عزله واستبعاده، وربما بنشر شائعات تخص الشخص المُراد التنمر عليه.

4. نفسي، وذلك عبر إرسال النظرات السيئة، أو التربص والتلاعب بالشخص المقصود.

5. إلكتروني، ويكون ذلك عبر التهديد أو السخرية المرسلة من خلال الإنترنت بالرسائل الإلكترونية وغيرها، وكذلك الرسائل النصية، والمواقع الخاصة بشبكات التواصل الاجتماعي، أو حتى عبر اختراق الحسابات.

أما عن الأسباب الأكثر شيوعًا لانتشار ظاهرة التنمر، فقد حددتها الـ “يونيسيف” فيما يلي:

* غالبية الأطفال المتنمرين قد تعرضوا للتنمر من قبل.

* الأطفال المتنمرون جزء من اتفاق، من خلال الانضمام لمجموعة من أجل الشهرة، أو الشعور بالتقبل من قبل الآخرين، أو تجنبًا للتعرض لتنمر جديد.

* اكتساب العدوانية والتنمر في المنزل أو حتى في المدرسة أو عبر مختلف وسائل الإعلام.

* العامل الاجتماعي أيضًا عليه مسؤولية كبيرة، فقد يكون الشعور بالتجاهل والإهمال في المنزل، أو العلاقة السيئة مع الأبوين سببًا في هذا.

* الشعور بالضعف والعجز، والرغبة في إظهار القوة وممارسة السيطرة على الآخرين.

* الغيرة والرغبة في جذب الاهتمام والانتباه.

* افتقار الشعور بالأمان النفسي أو العاطفي أو كلاهما.

* عدم الوعي بالآثار السلبية الحقيقة للتنمر في نفوس ضحاياه.

وعددت “يونيسيف”، أشهر الآثار المترتبة على التنمر فيما يلي:

– فقدان الثقة في النفس.

– تراجع القدرة على التحصيل الدراسي والتركيز.

– الخجل الاجتماعي والخوف من عدم المقدرة على مواجهة المجتمعات الجديدة.

– احتمالية تعرض المتنمر عليه لمشاكل صحية كالقلق والاكتئاب وربما الانتحار.

تحليل نفسي

على مدار فتراتٍ طويلة، اعتقد أطباء أن التنمر هو نوع واحد، يتمثل بالأحرى في طفل شديد العدوانية، يعاني نقصًا حادًا في الثقة في نفسه، جراء ما يتعرض له من سوء المعاملة في المنزل، إلا أن الواقع عكس أنماطًا عدة من الظاهرة.

فوجد الباحثون، أن الفوارق الفردية والشكلية والاجتماعية، ربما تكون بيئة ناجعة لممارسة التنمر، فنجد الفتيات الرشيقات يستأسدن على البدينات، كما قد يتعرض التلاميذ الجدد في المدارس للتنمر من الطلاب القدامى، وقد يتنمر التلميذ المتفوق على أقرانه الأقل في المستوى العلمي.

في هذا السياق، ترى الاستشارية النفسية الدكتورة “هالة حماد”، أن ظاهرة التنمر ليست جديدة على مصر، إلا أنها في الآونة الآخيرة تشهد ارتفاعًا ملحوظًا.

وسردت حماد أسبابًا عدة لتنامي الظاهرة في مصر، من بينها انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على نحو واسع، بالإضافة للألعاب الإلكترونية التي تحوي الكثير من أشكال العنف، علاوة على الأفلام والمسلسلات التي تنتشر بها مشاهد العنف، ما يلاقى شعبية كبيرة لدى المراهقين.

أما الاخصائي النفسي “كمال السيد” فوفقًا لـ “بي بي سي العربية”، يرى أن الرغبة في إثبات الذات أمام الآخرين، وتعويض شعورًا بالنقص أو النبذ الاجتماعي، تدفع الأطفال أو المراهقين للتنمر أو الاستقواء على من هم أضعف منهم.

ويضيف السيد، أن المتنمرين غالبًا ما يفتقرون إلى صفاءٍ تجعلهم يحظون بإعجاب الآخرين، فيضطرون للجوء إلى العنف لتعويض ذلك النقص.

وبحسب صحيفة “الغد” الأردنية، يتفق الاختصاصي الأسري “أحمد عبدالله” مع الدكتورة “هالة حماد”، فيرى أن التنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو أحد أشكال التنمر، مرجعًا السبب فيه إلى المفهوم الخاطئ عن الحرية، موضحًا أن المتنمر يعتقد أن لديه الحرية المطلقة في التعبير عن رأيه، دون أن يرى في ذلك “تنمرًا”.

ويلفت عبدالله لضرورة أن يفرق مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي بين الحق في التعبير، وبين الإساءة للآخر والاستهزاء المؤذي، وكذلك بين توضيح الرأي واحترام الآخر بذات الوقت، والتعبير عن أي أمر مزعج.

في حين يرى الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور “موسى مطارنة”، أن التنمر الالكتروني أصبح أحد أنواع التنمر المتعارف عليه، ويتم التعامل معها من قبل الكثير من الناس وأصبحت موجودة، لكن التنمر على الشكل هي قضية أخرى.
ويضيف مطارنة، فمن المعروف أن مواقع التواصل أصبحت متاحة لكل شخص، وهناك اختلاف في الثقافة والوعي، وغياب للتجانس الاجتماعي والثقافي والبيئي، والوعي الكافي في التعامل معه.

ويعلل، لذلك لا بد من أن يكون هناك وعي في التعامل مع هذه التعليقات حتى لو تطلب الأمر حذفها، وعدم التأثر بها، وكأنها لم تكن موجودة أصلا.

علاج التنمر

وفق مقال نشره موقع “kidshealth.org”، حدد مجموعة من الوسائل والأساليب للتغلب على ظاهرة التنمر، نذكر بعضها فيما يلي:

* تشديد الوازع الديني لدى الأفراد، وتقوية العقيدة، وبث الأخلاق الإنسانية الحميدة في نفوس الأطفال، مثل المساواة والاحترام والتسامح والتواضع ومساعدة الضعفاء.

* توفير البيئة الملائمة لتربية الأبناء في ظروف صحية مناسبة بعيدًا عن الاستبداد والعنف.

* تعزيز قيم الثقة بالنفس وقوة الشخصية والاحساس بالكبرياء لدى الأطفال، على نحوٍ إيجابي.

* التوعية الإعلامية لها دور أيضًا، من خلال البرامج التعليمية والتثقيفية والوثائقية الهادفة، وإن لم تغير المحطات التلفزيونية سياستها، فعلى الأهل اختيار الإعلام المناسب لأطفالهم.

* مراقبة سلوكيات وأنشطة الأبناء على الإنترنت بصفة عامة، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاص.

* بناء علاقات صداقة داخل الأسرة الواحدة، بين الأبناء والوالدين منذ الصغر، والتواصل الدائم معهم، وترك باب الحوار مفتوحًا دائمًا.

* توفير الألعاب الهادفة والمحسنة للقدرات العقلية للأفراد، مع البعد عن الألعاب التي تعزز العنف.

* على الحكومات وضع قوانين صارمة تجرم العنف وتعاقب مرتكبيه بجميع أنماطه وأشكاله.

ربما يعجبك أيضا