“أجنحة” اليمين المتطرف تثير مخاوف عودة “النازية” إلى ألمانيا

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

كان صعود “النازية في ألمانيا -في عقد الثلاثينات من القرن الماضي- أحد أسباب الحرب العالمية الثانية، والذي ما زال يمثل إرثًا ثقيلًا في ذاكرة الشعب الألماني، اليوم التاريخ يعيد نفسه في مدينة تورينغن الألمانية، عام 1930 شكلت النازية في هذه المدينة أول حكومة محلية بزعامة النازيين، واليوم خلال شهر فبراير 2020، تعيد النازية تاريخها بانتخاب اليميني المتطرف توماس كِمريش رئيسًا للحكومة المحلية. يذكر أن رئيس حزب البديل ألكسندر غاولاند قال عن الحقبة النازية -في وقت سابق- “هتلر والنازيون مجرد زقة طائر في تاريخ ألمانيا الناجح على مدار ألف عام”.

وعلى إثر ذلك، خرج آلاف الألمان إلى الشوارع في برلين وميونيخ ومدن ألمانية كبرى أخرى، للتعبير عن غضبهم تجاه انتخاب رئيس حكومة ولاية تورينغن الجديد، ومثّل الفوز المفاجئ المرة الأولى في تاريخ ألمانيا التي يصل فيها رئيس حكومة ولاية إلى السلطة بمساعدة حزب البديل المناهض للهجرة.

وأصبحت مدينة تورينغن مركزًا للراديكاليين داخل حزب البديل من أجل ألمانيا، تحت مسمى “الجناح” القومي الشعبي الذي يترأسه بيورن هوكه، وهو كتلة متشددة داخل حزب البديل من أجل ألمانيا، ونجحت كتلة “الجناح” داخل الحزب في السيطرة على قرار الحزب، ويصنف جهاز المخابرات الألمانية “الجناح” كحالة يجب التحقق منها؛ كونها تنطوي على تطلعات يمينية متطرفة.

بعد “الفضيحة السياسية” في ألمانيا نتيجة فوز مرشح الحزب الديمقراطي الحر، توماس كِمريش، برئاسة حكومة ولاية تورينغن، مستفيدًا من تصويت الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب اليميني الشعبوي “البديل من أجل ألمانيا”، أعلن كِمريش استقالته يوم 08 فبراير 2020.

استطلاع: تراجع شعبية اليمين المتطرف

وحسب نتائج استطلاع قام به معهد فورسا، بقيت شعبية الحزب الديمقراطي المسيحي مستقرة رغم مشاركته فيما جرى كأول الأحزاب في القائمة، في وقت ارتفعت فيه شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار بنقطتين مئويتين لكل منهما، وحزب الخضر بنقطة واحدة ليبلغ المركز الثاني في شعبية الأحزاب الألمانية.

لكن رغم ذلك يواجه الحزب رفضًا كبيرًا داخل الطبقة السياسية والمجتمع الألماني، حيث أعرب 70% من الألمان عن معارضتهم لمشاركة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني في أي حكومة في ألمانيا في المستقبل المنظور، وفقًا لاستطلاع رأي أجراه معهد يوغوف لقياس 27 تشرين/ نوفمبر 2019. وأجاب 70% ممن شملهم الاستطلاع بـ”لا” على سؤال عما إذا كانوا يوافقون على مشاركة حزب البديل في أي حكومة، سواء على المستوى الاتحادي أو مستوى الولايات خلال السنوات الأربع المقبلة. في المقابل، أجاب 20% بـ”نعم”، مُعْربين عن موافقتهم على مشاركة الحزب المعادي للوحدة الأوروبية والهجرة، في أي تشكيل حكومي، فيما امتنع 9% عن الإجابة على السؤال.

ألغت الحكومة الاتحادية في برلين مؤتمرًا كان مقررا يوم 6 فبراير 2020 بولاية تورينغن الألمانية، وذلك على خلفية انتخاب توماس كِمريش رئيسًا لحكومة الولاية، وذلك ضمن فعاليات “مؤتمر استراتيجية الاستدامة الألمانية”، ووصف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في تغريدة عبر تويتر السماح بانتخاب كِمريش بدعم من اليمن الشعبوي بأنه “أمر غير مسؤول تمامًا”، وقال: “كل من لا يفهم هذا لم يتعلم شيئًا من تاريخنا”.

“وحدة الأسلحة النووية” تبعث تهديدات بالقتل!

التهديدات بالقتل التي تلقاها البرلمانيان جيم أوزدمير وكلاوديا روث من حزب الخضر خلال شهر نوفمبر 2019، أثارت ردود فعل غاضبة من سياسيين رأوا فيها اعتداءً على الديمقراطية وحرية التعبير؛ إذ قال وزير الداخلية الاتحادي، هورست زيهوفر -في تصريحات لصحيفة “زوددويتشه تسايتونغ”- “بشكل عام يعاني مجتمعنا من قسوة إشكالية”، يذكر أنه تم اغتيال رئيس الحكومة في كاسيل، فالتر لوبكه في يونيو2019 من قبل يميني متطرف.

التهديدات ضد القادة البارزين في حزب الخضر، جيم أوزدمير وكلاوديا روث، ليست إلا الحلقة الأحدث في سلسلة التهديدات الطويلة الصادرة عن اليمين المتطرف، صحف مجموعة فونكه الإعلامية ذكرت أن مجموعة باسم “وحدة الأسلحة النووية الألمانية” هددت في رسالة إلكترونية السياسيين بالقتل.

التحقيقات، ما زالت مستمرة ايضا إلى وجود علاقة بين تنظيم ما يسمى “وحدة الأسلحة النووية” الألمانية، وتنظيم آخر يحمل ذات التسمية في الولايات المتحدة، لكن رغم ذلك يبقى تهديد هذه الجماعة قائمًا، في ألمانيا أصبحت تهديدات القتل بالنسبة لبعض الشخصيات العامة أمرًا اعتياديًّا.

خبير الشؤون السياسية هايو فونكه يقوم ببحوث علمية منذ سنوات في موضوع اليمين المتطرف، واضعو هذا النوع من القوائم يهدفون لتحقيق عدة غايات: “ما يقومون به بالطبع هو نشر الخوف والفزع، وعلى الأقل النية توحي بذلك” كما يقول فونكه، الذي أشار إلى أن السياسي فالتر لوبكه مدرج على قائمة أعداء اليمين المتطرف، وتم إطلاق النار عليه من طرف يميني متطرف مفترض، وقد تكون تلك القوائم، حسب فونكه استعدادًا لما يُسمى “يوم التنفيذ” الذي يأمل فيه اليمينيون المتطرفون السيطرة على السلطة.

وتتولى الشرطة الجنائية في الولايات الألمانية القضية بعد العثور على قائمة أعداء لمجموعة يمينية متطرفة في هامبورغ في أغسطس 2019 لكن رغم ذلك لم ترغب الشرطة الجنائية هناك بإبلاغ المعنيين بالأمر من المستهدفين، ربما تعتقد الشرطة أن إخبار المعنيين بالأمر سوف يثير الكثير من الخوف وعدم الأمان وهذا ما يريده اليمين المتطرف في ألمانيا.

الخلاصة

اليمين المتطرف يعرف جيدًا ماذا يفعل وتحديدًا في ألمانيا، ومن دون شك هناك عمل منظم وممنهج تقوم به “النازية” في هذه المرحلة، وما حزب البديل من أجل ألمانيا، إلا توزيع الأدوار بين كتل اليمين المتطرف، والحصول على الغطاء السياسي و”الشرعنة” للتحرك السياسي والعملياتي بالتوازي مع ما تقوم به “أجنحة” و”خلايا” النازية و”وحدة الأسلحة النووية”.

ألمانيا ما زالت تعاني حتى الآن من عدم وجود اكتمال بين أجهزة الأمن والقضاء، وهذا ما يجعل المحكمة الدستورية الألمانية حتى الآن لم تحسم أمرها بمراقبة حزب البديل.

إن وجود “أجنحة” داخل أحزاب اليمين المتطرف، هو نسخة “النازية” خلال عقد الثلاثينات، وكتائب الفتوة وغيرها من التنظيمات التي تقوم على ترسيخ “الروح القومية” النازية عند الأعضاء.

الأمر في ألمانيا لم يقف عند هذا الحد؛ فالحكومة حتى الآن لم تستطع إيقاف بعض التنظيمات أو المجموعات اليمينية التي تظهر في الشارع وطرح نفسها كبديل عن الشرطة لحماية المواطن الألماني من أي تجاوزات محتملة من قبل الأجانب منها “التحرش الجنسي”.

الحكومة الألمانية ما زالت ضعيفة، وما زالت في المقعد الخلفي لمواجهة خطر اليمين المتطرف، “النازية” والذي سوف يشهد تصاعدًا، خلال هذه المرحلة، على المستوى السياسي، بتراجع الأحزاب التقليدية، وظهور حزب البديل كحزب رئيسي في ألمانيا، وعملياتيًّا استمرار تنفيذ “الأجنحة” التنظيمات المسلحة للأحزاب لفرض سياسة الخوف في ألمانيا.

ما تحتاجه ألمانيا في هذه المرحلة، هو: مراجعة قوانينها وسياساتها فيما يتعلق بأنشطة الأحزاب اليمينة أو اليمينة المتطرفة، وكذلك الحصول على موافقة المحكمة الدستورية من جديد لإخضاع حزب البديل تحت المراقبة.

ربما يعجبك أيضا