التحرر أو التبعية التركية.. قبرص الشمالية تنشد الحياة

كتب – حسام عيد

رغم عزلة دولية واسعة وخانقة عمرها عقود، بدأت تظهر بوادر تمرد على المحتل التركي، فمنذ انتخاب مصطفى أكينجي رئيساً لـ”جمهورية قبرص الشمالية” عام 2015، وهو يحاول رسم ملامح سياسة جديدة تتحرر من هيمنة الدولة التركية، وهو يعكس بذلك مشاعر متنامية في الشطر الشمالي من الجزيرة من أن مصدر الأزمة يكمن في هيمنة أنقرة على القرار السياسي للقبارصة الأتراك.

واليوم، خرج أكينجي عن صمته، وأزاح الستار عن القمع والهيمنة التركية المتجذرة في بلاده، غير خائف من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياساته وسلطاته، ليؤكد أن توحيد الجزيرة يبقى الحل الوحيد القابل للحياة في قبرص، محذرًا في الوقت ذاته من أنه في حال إخفاق هذا الأمر سيزداد اعتماد الشمال على أنقرة، وقد ينتهي الأمر بهذه المنطقة كمقاطعة تركية بحكم الأمر الواقع، واصفا هذا الاحتمال بأنه “فظيع”.

أكينجي وسياسة التحرر

مصطفى أكينجي؛ سياسي مخضرم يبلغ من العمر 67 عامًا، شغل سابقًا منصب رئيس بلدية قبرص الشمالية، وهو أحد أكبر الداعمين للمصالحة مع الحكومة القبرصية اليونانية.

حاز أكينجي على 60.5% من الأصوات ليفوز على “الرئيس” المنتهية ولايته درويش أروغلو في الدورة الثانية من الانتخابات.

ويعمل على إحداث تحول متدرج في وجهة السياسة على الجزيرة، والمهمة الأولى له هو التخلص من إرث التبعية الذي كرّسه الزعيم التاريخي للقبارصة الأتراك، رؤوف دنكتاش، الذي تولى إدارة الجزء التركي من الجزيرة من عام 1983 حتى 2005.

وضمن هذا المسعى، سجّل أكينجي موقفين صادمين لأنقرة: الأول تزامن مع العدوان التركي على شمال سوريا تحت عنوان “نبع السلام” عام 2019، ووصفها بـ”نبع الدماء”.

كما أشار إلى عملية الغزو التركي للجزيرة القبرصية عام 1974 أنها كانت “حرباً وسفكاً للدماء”.

الحياة عبر توحيد الجزيرة

وجزيرة قبرص مقسمة منذ احتلال القوات التركية الجزء الشمالي منها في عام 1974 بعد انقلاب عسكري يهدف إلى ضمها لليونان.

ويدير الثلث الشمالي من الجزيرة “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها سوى أنقرة. أما الجزء الباقي من الجزيرة فيشكّل جمهورية قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي.

والأسبوع الماضي، أعرب أكينجي في مقابلة مع صحيفة “الجارديان”، عن خشيته من الاعتماد المتزايد على أنقرة الذي قد يؤدي إلى ضم شمال جزيرة قبرص إلى تركيا، معتبرًا أن ذلك سيكون أمرًا فظيعًا.

وأكد الزعيم القبرصي التركي أن توحيد الجزيرة يبقى الحل الوحيد القابل للحياة في قبرص.

واستذكر أكينجي الخديعة التركية حين قامت بضم لواء الإسكندرون السوري، عام 1939، وقامت بذلك تحت غطاء تأسيس دولة مستقلة محايدة بين سوريا وتركيا، إلا أن تركيا سرعان ما قامت بضمّها إلى حدودها.

وأوضح أكينجي هذه النقطة بالقول: “أرفض أن أكون تيفور سوكمان ثانيًا”، في إشارة إلى أول وآخر رئيس لجمهورية أعلنت في مقاطعة هاتاي (لواء إسكندرون).

وفي تصريحات أخرى، حذر أكينجي من أن تواجه جمهورية قبرص الشمالية مصير شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا.

ويعقّد موقف القبارصة الأتراك، من الأزمة التي تواجهها الحكومة التركية في شرق المتوسط. فالمياه التي تقوم بالتنقيب فيها تتبع جزيرة قبرص، وتتذرع تركيا بأن للجزء الشمالي من الجزيرة الحق في استثمارها.

وتصاعدت ميول القبارصة الأتراك لقبول إعادة توحيد الجزيرة، خصوصاً بعد الاعتماد التركي المتزايد على التشكيلات الإرهابية لتحقيق أهداف سياسية.

غضب تركي

وأثارت تعليقات أكينجي غضبًا في تركيا؛ حيث قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو: “لم أعمل في حياتي مع مسؤول سياسي قلما صدق القول مثل أكينجي”.

وأضاف خلال مؤتمر صحفي في أنقرة أن أكينجي “يستخدم تركيا لأهداف انتخابية”.

وسبق أن نددت تركيا بتصريحات أكينجي، مشيرةً إلى أن “الشعب التركي سيلقن مصطفى أكينجي درساً” خلال الانتخابات المقررة في أبريل.

ومنذ فشل قمة في سويسرا بين الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس واكينجي في يوليو 2017، توقفت المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام في الجزيرة المتوسطية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تصطدم فيها أنقرة مع أكينجي الذي انتقد العملية العسكرية التركية في سوريا في أكتوبر، مثيرا غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقال أردوغان حينذاك: إن الزعيم القبرصي التركي “تجاوز حدوده بشكل كامل”.
 

ربما يعجبك أيضا