مؤتمر ميونخ ..”لا يوقف تفكيك الأمن الدولي و لايوقف إرهاب”

جاسم محمد

كتب – جاسم محمد

ينعقد مؤتمر ميونيخ للأمن بنسخته 2020، وسط أزمات عالمية، أكثر تعقيدًا من السنوات الماضية، لكن يبدو أن الملفات هذا العام أصبحت أكثر صعوبة، أبرزها: ملف سباق التسلح النووي بين أمريكا وروسيا والصين، والملف الليبي الذي حضر بشدة على أجندة المؤتمر، وكذلك ملف الدفاع الأوروبي المشترك، وتهديدات إيران للأمن الاقليمي والدولي، ومكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش.

تمثل سوريا وليبيا قضيتين من أهم القضايا التي تتناولها فعاليات مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، الذي أكد رئيسه أن “الدبلوماسية القوية تقتضي التهديد بالوسائل العسكرية في حالة الضرورة”.

الخلافات بين ضفتي الأطلسي ما زالت الشغل الشاغل لبعض دول أوروبا -تحديدًا ألمانيا وفرنسا- وهذا ما عبر عنه الرئيس الألماني، شتاينماير قائلًا: “أما أقرب حليف لنا، الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها ترفض فكرة وجود مجتمع دولي في ظل الإدارة الراهنة”.

وقال: إن نتاج ذلك هو “انعدام ثقة أكثر وتسليح أكثر وأمن أقل… وكل هذا يفضي إلى سباق تسلح نووي جديد”. وأضاف أنه لا يصح أن تتعايش أوروبا مع مزيد من العزلة بين بلدانها، وهي إشارة إلى حالة الانقسام التي تعيشها أوروبا من الداخل خاصة بين شرق أوروبا وغربها.


انعدام التوجه الغربي

ظهر، مصطلح جديد في مؤتمر ميونيخ لهذا العام وهو “انعدام التوجه الغربي”،  “العالم يفقد من ثقله الغربي”. وهو مصطلح أو عبارة فضفاضة، ربما تقبل أكثر من تفسير، ويمكن أن يكون أحدى التفاسير هو تهديد الديموقراطيات في أوروبا، والعودة الى الدول القومية، وتمدد اليمين المتطرف.

التفسير الآخر، يمكن أن يكون، هو انخفاض تأثير دول أوروبا تحديدًا في حل الأزمات الدولية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وفي أوروبا.

القوة العسكرية، بدون شك، تعزز المواقف الدبلوماسية، وهذا ما جاء على لسان الدبلوماسي المخضرم رئيس المؤتمر فولفغانغ إشينغر، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو يتماشى مع طروحات ومقترحات وزيرة الدفاع الألمانية، التي دعت وتدعو إلى ضرورة أن تكون مشاركة أوروبية عسكريًّا وسياسيًّا في دول المنطقة تحديدًا، سوريا وليبيا والعراق ومناطق أخرى، من أجل تعزيز “الثقل” الدبلوماسي إلى أوروبا.

لقد أدركت دول أوروبا جيدًا، في أعقاب الانسحابات الأمريكية عسكريًّا من سوريا، والانسحاب المحتمل في أفغانستان ومن أفريقيا، دول الساحل، بأن هناك فراغًا عسكريًّا وأمنيًّا يجب أن تنهض بنفسها، عسكريًّا، وهذا عني أن دول أوروبا خلال السنوات القادمة يمكن أن تزيد إنفاقها العسكري من 1,2 إلى 1و5 أو 2,0% من الناتج القومي.

وتصاعد “الفراغ” العسكري والأمني في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فأوروبا تسعى أن تنهض بمسؤولياتها، وأن لا تكون عبئًا على الولايات المتحدة في قضايا الدفاع والأمن، رغم أن هناك إجماعًا لدى المعنيين في قضايا الأمن والدفاع، بأن أي قوة أوروبية خلال المستقبل القريب، لا يمكن أن تعوض “الحماية ” أو المظلة الأمريكية.
 
الملف الليبي: اعتراف بالفشل

النقاشات الجانبية داخل المؤتمر تركزت على الملف الليبي، وبدا واضحًا من خلال النقاشات والرؤى أن برلين فشلت في دورها في ليبيا، وهي إشارة إلى مخرجات مؤتمر برلين الذي عقد خلال شهر يناير الماضي 2020.

وهناك إجماع لدى المراقبين، أنه لا يمكن تنفيذ مخرجات برلين ونشر قوات على الأرض، مالم يكن هناك وقف إطلاق نار، وتناقلت المناقشات الجانبية، عبر البث المباشر لمؤتمر ميونيخ للأمن، تعقيد الملف الليبي، ليمكن وصفه بالملف الشائك.

تسعى الدول الأوروبية، إلى تحقيق مصالحها في ليبيا، وكذلك في أفريقيا، بدلًا من إطلاق يد تركيا وروسيا في دول المنطقة وأفريقيا، لقد وجدت أوروبا نفسها متأخرة أمام واقع حالي، يتعلق، بخطوات عملياتية على الأرض، خاصة الوجود العسكري، وهذا ما تفتقده دول أوروبا، ربما ما عدا فرنسا.

الملف الليبي، يدفع بدول أوروبا إلى السعي لإيجاد نهج دفاعي مشترك، وكذلك سياسات متقاربة في موضوعات الأمن والهجرة، بسبب انعكاسات تردي الوضع في ليبيا وتمدد الفوضى، وبدون شك التدخل التركي العسكري المباشر ونقل الجماعات الإرهابية والمرتزقة، يمثل تصعيدًا جديدًا، لا يتماشى مع مساعي أوروبا في ليبيا ومناطق الصراع الدولية الأخرى.

مؤتمر ميونيخ وتحدي تفكيك الأمن الدولي

رغم أن مؤتمر ميونيخ: “لا يعزز أمنًا، ولا يمنع إرهابًا”، فإنه يبقى منتدى هامًّا لعقد اللقاءات والاجتماعات بين كبار اللاعبين في مجال السياسة والأمن، بعيدًا عن قيود الدبلوماسية، وهذا يعني أن مؤتمر ميونيخ تكمن أهميته في نوع الشخصيات المشاركة، ويمكن اعتباره: فرصة ليس فقط لتقييم الوضع الأمني الدولي، بل أيضًا وضع الغرب على وجه الخصوص.

الجميع يدرك الآن، مخاطر، تفكيك الأمن الدولي، ويتحمل المسؤولية بدون شك أقطاب دولية فاعلة، وهي أمريكا وروسيا والصين، وهو تخلي أخلاقي وقانوني، عن قواعد السياسات والعلاقات الدولية، ومبادئ الأمم المتحدة، التي تدعو إلى إقرار السلم الدولي وتجنب الصراعات، وتجنب سباق التسلح.

يبقى دور مؤتمر ميونيخ للأمن منحصرًا في التحذير والتنبيه إلى المخاطر التي تهدد الأمن الدولي، مؤتمر ميونيخ يضرب جرس الإنذار لتفكك الأمن الدولي، وما يعنيه مؤتمر ميونيخ هو تفكك التحالف بين دول أوروبا والولايات المتحدة، وتهديدات موسكو لشرق أوروبا، التي تصاعدت، بعد تخفيض حلف الناتو التزاماته في حماية أوروبا.

تكمن أهمية مؤتمر ميونيخ، في كونه مؤتمرًا غير رسمي، يحرر القادة من بروتكولات الدبلوماسية، ويعطيها حرية ومرونة الحركة بين أروقة المؤتمر لعقد اجتماعات ثنائية، وفرصة للمعنيين بالأمن على مستوى الخبراء لتبادل الرأي والمشورة.

يذكر أن مؤتمر ميونيخ عادة لا يخرج بمخرجات أو قرارات، بقدر ما يخرج بتنبيهات أو توصيات لحل مشكلات الأمن الدولي، تبقى الاستخبارات والأمن هو العنوان الفاعل في مؤتمر ميونيخ.

ربما يعجبك أيضا