“لم يتبق لنا شيء”.. الفرار من جحيم إدلب

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

تحت حمم القنابل التي تلقيها الطائرات الحربية الروسية والسورية، خرج الآلاف من سكان ريف إدلب في طريق النزوح الشاق دون وجهة، خلفهم القصف والنيران، وأمامهم البرد والصقيع، يبحثون عن مأوى آمن لهم لكن دون جدوى.

أمام بيتها تتكدس الحقائب، لكن ليس للسفر وقضاء إجازة مع العائلة وإنما هربا من القصف، فللمرة الثانية خلال شهرين، دفعت القنابل التي تنفجر في إدلب القريبة الأم “مزنة” التي يبلغ عمرها 32 عاما، إلى الهرب لكنها هذه المرة لا تعلم إلى أين ستذهب”.

وعلى بعد 10 كيلومترات إلى الشمال من مدينة إدلب، يقع منزل “مزنة” بالقرب من شوارع معرة مصرين الباردة، التي تزدحم بسيارات تقلّ عائلات تكابد من أجل الهرب من القصف، لكن ليس أمامها سوى خيارات محدودة جداً”، بحسب صحيفة “فايننشال تايمز”.

“لو كان بإمكاني لحملت حجارة منازلي أيضًا، فعندما تصل قوات النظام ستحرق كل شيء، وحين نغادر بلدتنا لن يبقى فيها كوخ واحد”، بحسب “مزنة”.

لم يتبق لنا شيء

ما تعانيه “مزنة” لم يختلف كثيرًا عن حكايات آخرين في إدلب؛ فالمدينة التي كانت ملاذا لمئات الآلاف من الناس الذين نجوا من معارك أخرى أصبحت اليوم مسرح كارثة إنسانية، وشاهدة على موت الثورة السورية، بحسب الصحيفة.

يقول أحمد ندور، الذي يعيش الآن في خيمة بالقرب من الحدود مع ستة من أفراد عائلته “بعد أربع سنوات من التحركات التي شملت دمشق، وغرب حلب وشمال إدلب، إن كل مكان كان بإمكاننا اللجوء إليه تم تسويته بالأرض بواسطة الروس، لم يتبق لدينا شيء، ولم أقل ذلك حتى بيني وبين نفسي في أي وقت منذ عام 2011”.

ومع تقدم القوات السورية وحليفتها الروسية، وإغلاق الحدود التركية، لم يعد للسوريين المحاصرين هناك مكان يلجأون إليه، حيث تعرضت المستشفيات والمدارس والمنشآت التي جُمعت فيها المساعدات، بل حتى مخيمات اللاجئين الهاربين من القصف، للقصف الجوي من قبل القوات النظام أو القوات الموالية له”.

تقول عضوة المؤسسة المشاركة لمنظمة الإغاثة والتنمية السورية، جمانة قدور: إن إدلب هي المنطقة الوحيدة التي يمكن فيها لهؤلاء الناس أن يكونوا أحرارا، ولذلك فإن مصيرها مهم للغاية، ليس فقط بالنسبة للذين يعيشون فيها، بل بالنسبة لجميع السوريين الذين خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة”.

من جانبه يقول المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة بسوريا، مارك كاتس: إن حجم الأزمة هائل.

ويقول المصور عارف طماوي، وهو من إدلب وسبق له أن هرب من حلب وشهد عمليات نزوح جماعي: “ما يحدث الآن لم يحدث من قبل والكارثة الأكبر أنه لا يوجد مكان نذهب إليه، الوضه أصبح وكأنه يوم الحشر”.

وضع مخز

وصفت الصحيفة تعامل المجتمع الدولي مع مأساة إدلب بـ”المخز”، مطالبة الدول الغربية بمواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأدلة جرائم الحرب في سوريا.

وتسببت الحرب السورية بهجرة نصف مليون شخص ونزوح نصف عدد سكان البلاد الذي كان 22 مليون قبل بداية الحرب، 6 ملايين منهم عبروا الحدود.

وتعتبر موجة النزوح الجديدة نحو الحدود التركية هي الأكبر منذ بداية النزاع، ويمكن أن تفجر أزمة مهاجرين جديدة مثل تلك التي عاشتها أوروبا في 2015 و2016، والتي أذكت نيران معاداة الأجانب، وتشير الصحيفة إلى أن روسيا تعرف ذلك وتستعمله لإخافة الاتحاد الأوروبي ودفعه إلى قبول نظام الأسد.

وحسب الصحيفة، فإن تركيا، تستضيف حاليا 3.6 مليون لاجئ سوري وتتلقى دعما ماليا من الاتحاد الأوروبي من أجل استضافتهم، وتهدد بفتح طرق الهجرة إلى أوروبا أمام اللاجئين السوريين، ما لم تحصل على دعم لبناء منطقة عازلة على الحدود السورية ضد المليشيا الكردية.

وتقول “فايننشال تايمز”:، إن إدلب تمثل النموذج الصعب الذي جعلا كل من أمريكا وأوروبا تمتنع عن دعم المعارضة السورية التي كانت شاملة في البداية قبل أن يختطفها العناصر المسلحة، فالمدينة فيها نحو 20 ألف من المسلحين، ولكن فيها أيضا 3 ملايين مدني ليس لهم مفر وأطفالهم يموتون من البرد.

وتضيف: “القنابل والصواريخ تسقط على بيوتهم ومستشفياتهم ومدارسهم، وأسواقهم، إنهم ضحايا جرائم الحرب التي يقترفها نظام الأسد وداعميه”.

وتصف ردود الدول الغربية على “مأساة إدلب” بـ”المخزية”، وتشير إلى أن روسيا استخدمت حق النقض في مجلس الأمن لحماية سوريا 14 مرة بين 2011 و2019، وأيضًا بدعم من الصين، أما أمريكا اكتفت بالمراقبة ولا حركة للأوروبيين.

فالغرب، يملك أشياء تريدها روسيا وإيران، من بينها رفع العقوبات، وتقول الصحيفة: “لابد من مواجهة بوتين بأدلة عن جرائم الحرب قبل أن تتحول إدلب إلى حمام دم، وقبل أن يتشرد مليون آخر من السوريين”.

حمام دم

حذرت الأمم المتحدة من أن القتال في شمال غرب سوريا قد “يتحول إلى حمام دم”، ودعت لوقف إطلاق النار، في الوقت الذي نفت فيه روسيا تقارير عن نزوح جماعي للمدنيين نتيجة هجوم لقوات النظام السوري بدعم من روسيا.

وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ينس لايركه، إن الأطفال يشكلون نحو 60 في المئة من 900 ألف شخص نزحوا وتقطعت بهم السبل في مساحة آخذة في التضاؤل، وندعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار لمنع مزيد من المعاناة، وما نخشى أن ينتهي بحمام دم”.

وأشار إلى أن خطوط القتال الأمامية والعنف المستمر، يستمر في الاقتراب من هذه المناطق المكتظة بالنازحين، مع تزايد القصف على مواقع النزوح والمناطق المجاورة لها.

مصير مجهول ينتظر ملايين السوريين في ظل استمرار العمليات العسكرية السورية بغطاء روسي، وسط صمت المجتمع الدولي واكتفاءه بالشجب والتنديد الإعلامي، ولا يزال المدنيون هم من يدفع الفاتورة الأكبر للصراع هناك.

ربما يعجبك أيضا