الإرهاب في عهد مبارك.. الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية يقودون مخططات الشر

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

خاضت مصر في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، معارك شرسة مع الجماعات التكفيرية المسلحة، التي نفذت عددًا كبيرًا من العمليات الإرهابية، واستهدفت رموز الدولة وفي مقدمتهم آنذاك الرئيس مبارك، الذي تعرض لمحاولة الاغتيال عدة مرات من قبل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، وشملت المواجهة مع التكفيريين عددًا من التنظيمات الإرهابية، والعمليات التي نفذتها جماعات العنف المسلح التي خرجت من رحم جماعة الإخوان.

العائدون من أفغانستان

ضمت القضية رقم 24 لسنة 1992، المعروفة إعلاميًّا بـ”العائدون من أفغانستان”، 25 متهمًا من أعضاء الجناح العسكري لـ”الجماعة الإسلامية”، بقيادة مصطفى حمزة، حكم على ثمانية منهم بالإعدام؛ سبعة منهم كانت أحكامهم غيابية، من بينهم محمد الإسلامبولي، شقيق خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس المصري السابق أنور السادات في 1981، والقيادي أحمد مصطفى نواوة الذي حصل على لجوء سياسي في هولندا، ولم يتم تنفيذ الحكم الإعدام إلا في متهم واحد هو شريف محمود.

تعود تفاصيل قضية “العائدون من أفغانستان”، إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي؛ إذ سافر قيادات وأعضاء من الجماعة الإسلامية، إلى أفغانستان؛ وأنشأوا “معسكر الخلافة”، للقتال بجانب الأفغان في حربهم ضد الغزو السوفيتي، حتى عام 1992.

ثم عادوا إلى مصر، لينخرطوا مجددًا في تنظيمات مسلحة، كان هدفها مناهضة الدولة وتنفيذ عمليات إرهابية، وطبَّقوا خلالها ما تعلموه من خبرات ومهارات في الاغتيال والتصفية الجسدية، وحرب العصابات التي تدرَّبوا عليها ومارسوها هناك.

ونفذ العائدون من أفغانستان عددًا من العمليات الإرهابية، منها، محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري زكي بدر في ديسمبر 1989، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري، اللواء عبدالحليم موسى، في أكتوبر 1990، ولقي فيها مصرعه رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور رفعت المحجوب، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي، في  إبريل1993.

وفي أغسطس1993، تعرض وزير إعلام حسني مبارك، صفوت الشريف، لمحاولة اغتيال، بحي مصر الجديدة، عن طريق الهجوم على سيارته بالأعيرة النارية، على يد عناصر من “الجماعة الإسلامية”، وفي نوفمبر1993، تعرض رئيس الوزراء المصري، الأسبق عاطف صدقي لمحاولة اغتيال بسيارة مفخخة، على أيدي مجموعة من تنظيم الجهاد.

وفي ديسمبر 1993، خططت الجماعة الإسلامية لاغتيال حسني مبارك، بزرع متفجرات في طريق الساحل الغربي أثناء توجهه لزيارة ليبيا برًا، لكن الأجهزة الأمنية اكتشفت أمر المتفجرات، وتمكنت من القبض على المتهمين، وهي القضية التي حملت رقم 2 لسنة 1994، ونظرتها المحكمة العسكرية، وأصدرت حكمًا بالإعدام على 3 متهمين، وبالسجن مدى الحياة على 3 آخرين.

وفي أواخر عام 1994 تم اعتقال نحو 30 من أعضاء تنظيم “الجهاد”، وهم يشقون نفقًا بالقرب من طريق صلاح سالم بالقاهرة، الذي كان موكب الرئيس مبارك يسلكه دائمًا، واعتزموا تفخيخ النفق وتفجيره بـ100 كيلو من المتفجرات عند مرور موكبه.

كما فشلت محاولة أخرى قامت بها الجماعة الإسلامية لاغتيال حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو 1995، حيث قام مسلحون تابعون للجماعة بإطلاق النار على موكبه خلال سيره في العاصمة الإثيوبية، لكنه نجا من المحاولة بسبب سياراته المضادة للرصاص.

كما تم تفجير السفارة المصرية بإسلام آباد في نوفمبر 1995 والذي زاد على أثره التعاون الأمني بين مصر وباكستان والولايات المتحدة لملاحقة الأفغان العرب، كما تم تنفيذ عملية إرهابية في 17 نوفمبر 1997 بمنطقة الدير البحري بمحافظة الأقصر، راح ضحيتها 62 سائح متعددي الجنسيات، وإصابة أكثر من 26 آخرين.

العائدون من ألبانيا

هي القضية رقم 806 لسنة 1998 حصر أمن دولة عليا، التي عوقب فيها 107 من الأصوليين، من بينهم 60 هاربًا تم محاكمتهم غيابيًا، وقضت المحكمة المحكمة العسكرية العليا في أبريل 1999، بالإعدام على 9 متهمين، والمؤبدة بحق 11 متهمًا، والسجن 15 عامًا على 67 متهمًا، في حين تم تبرئة 20 متهمًا.

تنظيم الوعد

ضمت قضية تنظيم “الوعد”، 94‏ متهمًا‏،‏ من بينهم 7 هاربون، تمت إحالتهم للقضاء العسكري، وتشكل من 7 خلايا تمركزت في مناطق الفرنواني، والشرقاوية، والمرج، والقناطر الخيرية، وبنها، وشبرا‏، والحوامدية.‏

أبرزهم أعضاء زعيم التنظيم الشيخ نشأت إبراهيم، والشيخ فوزي السعيد، و3 طيارين حصلوا على دورات تدريبية في الولايات المتحدة، واثنان من الغواصين، وعدد من خبراء مفرقعات، إضافةً إلى 27 متهم من جنسيات مختلفة أغلبها أفغانية وشيشانية ويمنيين، و3 داغستانيين، و4 متهمين يحملون الجنسيات الأمريكية والكندية والألمانية والهولندية.

شغلت قضية تنظيم “الوعد” الرأي العام في مصر منذ بداية عام 2001،  لعدة اعتبارات، أهمها أنها جاءت مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، إذ إنها شهدت أكبر عدد من جلسات المحاكمات في قضايا الأصوليين، فضلًا عن أن القضية لم تضم عناصر محسوبة على الجماعات التي اعتادت إحالة أعضائها للقضاء العسكري أمثال الجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد، وجماعة الإخوان.

وأشارت أوراق القضية إلى أن المتهمين وجهت لهم تهمة التخطيط للقيام بـأعمال رصد واغتيالات رجال الأمن والشخصيات العامة وتفجير وتخريب منشآت ومؤسسات مملوكة للدولة إضافة إلى حيازة أسلحة ومفرقعات دون ترخيص.

وفي سبتمبر 2002، برأت المحكمة العسكرية العليا، 43 متهمًا، من بينهم الشيخ نشأت إبراهيم، وعاقبت 51 متهما بالسجن 15 عامًا.

“الشوقيون”

كانت محافظة الفيوم مقرًا لأفكار جماعة “الشوقيون”، التي أسسها شوقي الشيخ، الذي تنقل قبل دخوله السجن، بين عدد من الجماعات مثل جماعة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي انضم إليها وهو طالب في كلية الزراعة بجامعة حلوان في السبعينيات، مرورًا بجماعة الجهاد، ثم الجماعة الإسلامية، ثم تنظيم الفرقة الناجية لأميرها مجدي الصفتي، وختامًا بجماعة “التوقّف والتبيّن”، المشهورة إعلاميًا بجماعة “التكفير والهجرة”.

قرّر شوقي الشيخ بعد خروجه من السجن المزج بين أفكار الجماعات التي احتك بها، فأسس جماعة “الشوقيون”، التي انتشرت دعوتها بين أبناء محافظة الفيوم، واستطاع شوقي الشيخ، تحويل قرية كحك، إحدى قرى مركز يوسف الصديق، مقرًا لتجنيد الكثير من الشباب، وتدريبهم على حمل السلاح، وقام بإرسال برقية للرئيس مبارك تحت عنوان: “من والي كحك إلى والي مصر”، دعاه فيها إلى الإسلام أو القتال أو الجزية.

كانت تلك البرقية بداية النهاية لشوقي الشيخ، إذ كلفت الأجهزة الأمنية في أبريل 1990، العميد في القوات الخاصة، خيري طلعت، قائد قوات الأمن المركزي لشمال الصعيد، ضمن قوّة تكوّنت من 30 مجموعة قتالية لمحاصرة القرية، وتمكنت من قتل الخليفة المزعوم، و14 من رفاقه، وفقًا لتصريحاته لصحيفة “المصري اليوم”، في فبراير2017.

تعتبر جماعة “شوقي الشيخ” أو “الشوقيون”، هي البذرة الأصلية في تشكيل جماعة “التوحيد والجهاد”، داخل سيناء، والتي تحولت فيما بعد إلى جماعة “بيت المقدس”، وأصبحت فرعًا لتنظيم داعش.

بعد وفاة قائد التنظيم، اشتدت وتيرة الصراع مع الأمن، وانتشرت موجة عنف واسعة في القرية، وكان للتنظيم السبق في ارتكاب أول عملية اغتيال لضباط بجهاز أمن الدولة عام 1991، أعقبها عملية فاشلة ضد مأمور سجن اسقبال طرة المقدم محمد عوض عام 1992، مستخدمين القنابل اليدوية في عملياتهم الانتقامية في الفترة من 1990 حتى 1994، بمساعدة القيادي الجهادي نزيه ضاحي.

ونجح رائد شرطة سابق، يدعى حلمي هاشم، المفتي الشرعي لتنظيم داعش، في جمع شمل “الشوقيون” بعد مقتل قائد التنظيم، وسعى لتجنيد الشباب في التنظيم مستغلًا كتيباته التي جمع فيها أفكاره وشروحاتها، ونشرها تحت اسم مستعار “شاكر نعمة الله”، إلى أن اكتشفت الشرطة أن أتباعه يحوزون كمية كبيرة من الأسلحة المتطورة، ليصدر أمر باعتقاله وأتباعه نهاية 1998.

طلائع الفتح

حملت أوراق القضية رقم 18 لسنة 93 والمعروفة بـ”تنظيم طلائع الفتح”، اتهمت لعدد من العناصر الأصولية العائدة من أفغانستان بعد تلقيهم تدريبات مسلحة، وتخطيطهم للاستياء على الحكم في مصر، وإعلان إقامة الخلافة الإسلامية، محاولة تنفيذ عدد من الاغتيالات ضد الرموز السياسية.

وبحلول منتصف عام 1993 بلغ عدد المقبوض عليهم 1000 شخص، تم تقديم 800 للمحاكمات في 5 قضايا اشتهرت باسم تنظيم “طلائع الفتح”، تراوحت الأحكام ضدهم بين الإعدام والمربد.

ووفقًا لتحقيقات القضية، فقد أعطى أيمن الظواهري تكليفات إلى عبدالحميد حب الله، بتشكيل عدد من الخلايا والمجموعات النوعية، لتنفذ عمليات إرهابية، وكانوا يتداسون فيما بينهم “الرسائل الصفراء”، للدكتور فضل، وجمعت فيما بعد تحت عنوان “العمدة في إعداد العدة”، وتم طباعتها في مطبعة “القيمة”، بشارع مصر والسودان، التابعة للتيار القطبي، بقيادة مصطفى الخضيري، إضافةً لكتاب “الحصاد المر”، وكتاب “حرب العصابات”.

تمركزت  خلايا “طلائع الفتح” في الإسكندرية والبحيرة والشرقية وشبرا وأبوزعبل والهرم وكرداسة وأمبابة، وتدربوا على حمل السلاح في صحراء الهايكتسب، مرتدين الزي العكسري كنوع من التمويه، واقتحموا أحد المعسكرات التابعة للجيش المصري بطريق الشرقية الصحراوي، واستولوا على 300 قطعة سلاح، بهدف تخزينها، واستعمالها في مخطط إسقاط الدولة المصرية.

 تشكلت المجموعة الأولى لتنظيم طلائع الفتح من عبدالحميد حب الله، ومحمد حسام، (والده القنصل المصري في السعودية سابقًا)، وخالد بركات (رفضت أسرته استلام جثته بعد تنفيذ حكم الإعدام)، ومحمد محمود (والده طبيب جراح شهير).

وكشفت الأجهزة الأمنية المصرية التنظيم، عقب القبض على محمد حسام، وبحوزته مخطط مرسوم لصناعة القنبلة اليدوية والتدريب على صناعتها واستخدامها، أثناء مروره بكمين بمنطقة إمبابة.

التوحيد والجهاد

ظهر تنظيم “التوحيد والجهاد” نهاية تسعينيات القرن الماضي، بمدينة العريش في شمال سيناء، على يد طبيب الأسنان خالد مساعد، الذي اعتنق فكر الجهاد من خلال كتاب “العمدة في إعداد العدة”، للدكتور سيد إمام، منظِّر تنظيم الجهاد المكنى بـ”الدكتور فضل”، وكتب المنظر الجهادي الأردني “أبومحمد المقدسي”.

ينتمي خالد مساعد إلى قبيلة السواركة بدينة العريش ويعد واحد من أكبر وأكثر الشخصيات تأثيرًا في شمال سيناء وقد قُتل في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في 28 سبتمبر2005، وعلى الرغم من وفاته، كانت مساهمته الرئيسية تتمثل في تحويل التيار الأيديولوجي المذكور في الكتب والخطب إلى هيكل تنظيمي عنقودي، في مناطق العريش ورفح والإسماعيلية ووسط سيناء وجبل الحلال ونخل.

نفذ تنظيم “التوحيد والحهاد”، سلسلة من التفجيرات المتزامنة في أكتوبر 2004، شملت الهجوم بسيارة ملغومة استهدفت فندق “هيلتون طابا”، وأسفر عن مقتل أكثر من 30 قتيلًا وعشرات المصابين من السائحين، في نفس التوقيت تم استهداف منتجعين سياحيين، بمدينة نويبع بسيارتين مفخختين، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من السائحين.

ونفذ التنظيم في يوليو 2005، تفجيرات شرم الشيخ، استهدفت فندق غزالة، والسوق التجاري وخليج نعمة، وأسفرت عن مقتل 68 شخصًا، معظمهم مصريين، و11 بريطانيًا، و6 إيطاليين، و4 أتراك وألمانيان وأمريكي وإسرائيلي وتشيكي.

واستهداف التنظيم في أغسطس 2005، حافلة تابعة للقوات متعددة الجنسيات في سيناء، بجوار مطار الجورة، بعبوتين ناسفتين مصنعتين يدويًا، أسفرت عن إصابة جنديين كنديين من القوات المتعددة الجنسيات.

وعقب تفجيرات 2005، نفذت الداخلية المصرية لأول مرة، في تاريخها حملة مكبرة لاقتحام جبل الحلال للقبض على أهم قادة تنظيم وهم خالد مساعد ونصر خميس الملاح، وأسامة النخلاوي، تحت قيادة اللواء أحمد رأفت، نائب جهاز أمن الدولة، الذي أشرف على تنفيذ المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد.

وخلال المطاردات التي قامت بها أجهزة الأمن في سيناء، قتل مؤسس التنظيم خالد مساعد، وسلام عطية الشنوب، المسؤول العسكري.

كما تم الكشف عن هوية 3 فلسطينين بالتنظيم وهم، إياد سعيد صالح، الذي قتل بسيارة متفجرة في عملية طابا، وياسر عبدالله محيسن، وأحمد إبراهيم محيسن، اللذين لعبا حلقة الوصل مع التنظيمات الجهادية في غزة.

وفي أبريل 2006، نفذ التنظيم ثلاثة تفجيرات في منتجع ذهب السياحي، أسفرت عن مقتل 12 مصريًا، وسائحين روسيين، وسائح ألماني وسائح سويسري وسائح مجري وآخر يمني، وإصابة 58 مصريًا و32 سائحًا من جنسيات مختلفة.

وفي 26 أبريل 2006، استهداف التنظيم سيارة مأمور قسم الشيخ زويد، وسيارة تابعة للقوات متعددة الجنسيات في سيناء، بعبوات ناسفة دون خسائر.

تم قتل نصر خميس الملاحي، في مايو 2006، الذي تولى قيادة التنظيم بعد مقتل خالد مساعد، وتم اعتقال 181 من عناصر التنظيم الإرهابي، وعقب أحداث يناير 2011، تحول تنظيم “التوحيد والجهاد”، إلى “أنصار بيت المقدس”، الموالي لتنظيم “القاعدة”، ثم بايع تنظيم “داعش”، وتحول إلى “ولاية سيناء”.

ربما يعجبك أيضا