هل باتت أنقرة وحيدة في مستنقع إدلب؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي 

كان يظن أن اللعب على الأوتار سيأخذه حيثما يجد أحلامه المستعارة من تاريخ بلاده، وأنه حان الوقت لاستعادة أمجاد السلاطين العثمانيين، وبسط النفوذ على إرث الماضي، ولم يعلم أن أحلام اليقظة خاصته لا تتواءم مع مجريات الواقع، لاسيما هيكل النظام الدولي الخاضع لموازين القوة وحسابات أخرى لم يعرفها أردوغان يومًا.

في السنوات السابقة، وخاصة إبان اندلاع ثورات الربيع العربي راهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حسابات مغايرة للنهج التركي في سياسة بلاده الخارجية، من التوجه نحو المستعمرات العثمانية السابقة من البلدان العربية، ومحاولة لكسب نفوذ يثمن من الثقل التركي الدولي، ولكنه لتنفيذها راهن على أطراف خاسرة من تيارات الإسلام السياسي، كما أوقعته حساباته الخاطئة في خطأ استراتيجي من مواجهة أوروبا وحلف الناتو لحساب التقرب الروسي، حتى تركته الأخيرة في مستنقع سوريا وحيدًا بدون حليف.

أوروبا تشكك

جاءت ضربات الجيش السوري أول أمس للجنود الأتراك و أوقعت 33 جنديا وأصابت 30 آخرين، مربكة لأردوغان وحساباته في سوريا، الذي أيقن أن اتفاق سوتشي بات حبرًا على ورق، وأن موسكو تدعم تقدم نظام بشار للاستيلاء على إدلب، بما تدعمه من غطاء جوي لا تستطيع أنقرة منافسته وحدها.

لذا سارع أردوغان إلى حلف الناتو لعله يجد دعمًا قد ينقذه في موقفه الحرج، معلنًا عن فتح أبواب بلاده أمام اللاجئين في حالة لم يجد ردًا إيجايبًا لدى أعضاء الناتو، ولكن راحت توقعاته أدراج الرياح، منفذًا وعيده بتصدير اللاجئين لأوروبا، وهو ما لم يغير موقف بروكسل.

لم يكن هذا التحرك مفيدا لأنقرة، فقد كان من المتوقع ألا يؤتي ثماره في ظل خلاف أوروبي – تركي في عدة ملفات أولها ملف الأكراد، والتنقيب على الغاز في حقول قبرص، ناهيك عن اتفاقها البحري مع ليبيا والذي أزعج اليونان، وكلا الطرفين -أي قبرص واليونان- أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومن قبل تلك الأحداث إيقاف المفاوضات في البرلمان الأوروبي بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد.

ومن غير المستبعد  أن جزءا كبيرا من تهديدات أردوغان يأتي في سياق محاولة جديدة لابتزاز الاتحاد الأوروبي، وهنا لا يسع المراقب إلا أن يتساءل عن مدى قدرة أردوغان على الخروج بتركيا من دائرة التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما أن حجم الاستثمارات الأوروبية هو ركن أساسي في الاقتصاد التركي الذي يشكل الأساس في بناء قاعدة أردوغان السياسية في هذا البلد.

كما تتلخص نقاط ضعف أردوغان اليوم في الثقل الذي يسلطه اللاجئون على الوضع الاقتصادي والسياسي في تركيا، وتمسكه بعضوية الناتو كحلف عسكري لدعم تركيا في أي أزمة منظورة، وهو لن يرضى أن يضحي بهذا الحلف ببساطة، إضافة إلى تمسكه بالنمو الاقتصادي والرفاه الذي حققه خلال عقد من الزمن، وقطيعته مع أوروبا ستقضي على هذا النمو سريعا، وهذا النمو هو المسؤول عن صعود نجمه سياسيا، بعد أن نجح في خلق طبقة اقتصادية وسطى جديدة تدين له برفاهيتها، ولن يتمكن الرئيس من خيانة مصالح هذه الطبقة، وإلا فقدَ دعمها السياسي في كل أنحاء البلد. 

خسارة العرب

كان الحلفاء العرب أول من فقدهم أردوغان في ظل سياسته المغايرة بمساندة فصائل مسلحة داخل البلدان العربية وفرقاء سياسيين، بما أكسبه مزيدا من العداء له وربما قطيعة الدول الإقليمية المؤثرة، كما أودعه غباءه السياسي لاستمرار سياسته بمزيد من التصعيد وفتح جبهات جديدة للخلاف في ليبيا.

جدير بالذكر أن دوره في ليبيا الجديد من المحتمل أن ينال نفس الخسارة التي مني بها جيشه في إدلب، وهو ما أكده الجيش الليبي بمقتل 7 جنود أتراك على الأقل في القصف الذي شنته قوات الجيش على قاعدة معيتيقة ليل الأربعاء الماضي.

وعليه، واستنادًا لما سبقا لم يبق أمام الرئيس التركي سوى خيارات محدودة للخروج بأقل الخسائر من سوريا سواء بإعادة التفاوض على تنفيذ اتفاقية أضنة الخاصة بالتعاون التركي السوري لتعزيز الأمن بين البلدين، ومحاولة التفاوض مع روسيا بمحدودية الدور العسكري في مقابل تأمين حدودها ضد ما تعتبرهم تهديد لأمنها وهم القوات الكردية والتخلي عن فكرة الدور المستقبلي لتسوية النزاع السوري حيث إن موسكو تريد أن تستفرد به لنفسها.

ربما يعجبك أيضا