“لا يوجد شيطان”.. عندما تفضح السينما نظام الملالي

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

“الفن يولد من رحم المعاناة ” يبدو أنها مقولة صحيحة، وهل هناك معاناة أكثر من السجن والاعتقال؟! هذا هو حال السينمائيين في إيران، وكأن النظام هناك يرفض كل ما هو راقٍ، السينما التي تعبر في معظم الأحيان عن الواقع عن حياة البشر حكايات الأوطان ليست مجرد شاشة، هي نافذة أخرى على العالم ولكن في إيران ممنوع الاقتراب من هذه النافذة، فعلى الرغم من فوز الفيلم الإيراني “لا يوجد شيطان” بجائزة الدب الذهبي بمهرجان برلين السينمائي إلا أن مخرج الفيلم “محمد سارلوف” لم يحضر فهو ممنوع من السفر بسبب أفلامه السابقة التي تهاجم النظام الإيراني،”لا يوجد شيطان” تم تصويره سرا بعيدا عن أعين السلطات الإيرانية.

تقول “باران” -ابنة رسولوف والتي تسلمت الجائزة بالنيابه عنه- “إنني مرتبكة وسعيدة جدا بهذه الجائزة، ولكن في نفس الوقت أنا حزينة؛ لأنها لمخرج لم يستطع التواجد هنا الليلة، ولذلك فبالإنابة عن كل الفريق أقول ‘هذه له”.

عبر الفيديو

في مؤتمر صحفي شارك فيه عبر اتصال بالفيديو، أشار رسولوف إلى أن فيلم “لا يوجد شيطان” يتعلق بـ”تحمل الناس مسؤولياتهم”.

يضيف “رسولوف”: “أردت التحدث عن الناس الذين ينأون بأنفسهم عن ويقولون إن القرار اتخذته قوة عليا”، مستطردا “لكنهم يستطيعون في الواقع أن يرفضوا، وهذه قوتهم، قصة كل جزء في الفيلم مستوحاة من تجربتي الشخصية” .

وروى “رسولوف” كيف استوحى أحد أجزاء الفيلم الأربعة بعد رؤيته رجلاً، أجرى معه تحقيقات خلال فترة سجنه، خارجاً من مصرف.

وقال رسولوف إنه تابع الرجل لبعض الوقت، مضيفا “أدركت كم هو شخص طبيعي وكيف يشبه الآخرين، أدركت عدم وجود وحش، لم يكن هناك شرّ أمامي، وإنما مجرّد شخص لا يشكّ في تصرفاته”.

نظام مستبد

يصف رئيس لجنة التحكيم في مهرجان برلين “جيريمي أيرونز” الفيلم قائلا: “إنه يحكي أربع قصص تظهر كيف يلقي نظام مستبد بشباكه على المواطنين العاديين بغرض جرهم نحو الوحشية ، الفيلم يطرح أسئلة عن مسؤولياتنا وخياراتنا التي نقوم بها في الحياة”.

لا مفر 

منع “رسولاف” من السفر أتى عقب إعلانه في خطاب وجهه لجريدة “هوليود ريبورتر”: “أن السلطات الإيرانية في طهران رفضت إصدار جواز سفر خاص به، في حين تمت مصادرة جواز سفره السابق في صيف عام 2017 بعد عودته من مهرجان كان السينمائي الدولي، حيث فاز فيلمه السابق “رجل متسق مع نفسه” (a man of integrity) بجائزة أفضل فيلم في قسم “نظرة ما”.

يعتبر فيلم “لا يوجد شيطان” هو العمل السادس للمخرج رسولوف، الذي أنتجه سراً بسبب منعه من إخراج الأفلام منذ عام 2017.

لا يوجد شيطان

بعد أكثر من عامين ونصف العام فوجئت طهران بفيلم محمد رسولاف الجديد “لا يوجد شيطان”، وتدور أحداثه في إطار معارضة عقوبة الإعدام التي ما زالت تطبق داخل أرجاء إيران، وتدور أحداثه حول أب يذهب كل يوم إلى عمله، ليفاجأ بحادثة تغير مصيره وتجعله مجبرا على القتل، وعاشق يريد أن يتقدم لحبيبته في يوم ميلادها، وطبيب خائف من ممارسة الطب.. ومن خلال الحكايات المتداخلة للشخصيات التي تنتهي الى منصة الإعدام، يبرز الفيلم الهشاشة الأخلاقية لهذه العقوبة، وتكشف ثقل الكابوس المخيم على الشعب الايراني.

أعلن “رسولاف” في مجلة “فرايتي” الأمريكية أنه يرى أن فيلمه الجديد “لا يوجد شيطان” في حقيقة الأمر لا يدور فقط حول عقوبة الإعدام، ولكنه يدور حول تكلفة مقاومة النظام في إيران.

وأشار “رسولاف” أن مقاومته للنظام الإيراني قد كلفته كثيرا على المستوى الشخصي والمهني، لكنه في النهاية ما زال مؤمنا بأن المحصلة إيجابية، وهو ما يدفعه للاستمرار في المقاومة ضد الرقابة على الفن وحرية التعبير في المجتمع الإيراني.

على الرغم من أن أفلام “رسولاف” تنافس في المهرجانات السينمائية على مستوى العالم إلا أنه ينتظر تطبيق حكم السجن الذي قد صدر بحقه في العام الماضي، حيث استقبل المخرج الإيراني أخيرا رسالة من الحكومة الإيرانية تفيد بأن طلب النقض قد تم رفضه، مما يهدد محمد رسولاف بالسجن لمدة عامين بدلا من عام واحد.

ليس وحده

ليس “رسولاف” فقط الذي تعرض لقمع النظام بل هناك أسماء كثيرة كان النظام الإيراني لهم بالمرصاد ولكن اللافت للنظر أن كبارالمبدعين الإيرانيين، الذين صنعوا لها إسمها وشهرة، يعملون إما خارج أوطانهم، أو تمنع أعمالهم من العرض . لتستفيد إيران من شهرة مبدعيها، دون أن تقدم لهم التقدير الكاف والقائمة طويلة كان أشهرهم “جعفر بناهي” أحد أكبر المخرجين الإيرانيين شهرة الذين عانوا من قمع النظام لهم، حيث تم الحكم عليه بالسجن 6 سنوات ومنع من تصوير أيه أعمال فنية لمدة 20 عاما، وذلك بعد أن وجهت له الحكومة الإيرانية تهمة الإشتراك في الثورة الخضراء عام 2009، والتي أتهمت الرئيس الإيراني “أحمدي نجاد” بتزوير نتيجة الانتخابات الرئاسية.

ربما يعجبك أيضا