نصف الكوب الممتلئ.. كورونا يخلِّص سماء بكين من “التلوث”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بعد أن سجلت دول العالم أكثر من 3000 حالة وفاة بفيروس كورونا المستجد، ونحو 90 ألف إصابة، في أقل من 90 يومًا، وضرب الفيروس التاجي أسواق العالم بموجة خسائر لم تشهدها منذ الأزمة المالية بالعام 2008، خرجت علينا وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” لتؤكد أن لكل أزمة جانبًا إيجابيًا!

أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية لـ”ناسا” أن إغلاق مصانع “ووهان” و”تيانجين” و”شنغهاي” و”قواندونغ” وغيرها من المدن الصينية الشهيرة في مجال الأعمال والصناعة، وتوقفها شبه التام عن العمل لمدة تجاوزت الشهرين، وكذلك توقف حركة المواصلات العامة وقيود السفر عمومًا، جميعها عوامل أدت إلى تراجع حدة تلوث الهواء في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، بشكل هائل وغير مسبوق.

“كورونا” يعيد التوازن للهواء

وقالت ناسا إن مستويات ثاني أكسيد النيتروجين – على سبيل المثال – في شرق ووسط الصين تراجعت بنسب تتراوح ما بين 10% و30% مقارنة بمستويات العام الماضي، لافتة إلى هذه المستويات كما توضح الصور التي تم التقاطها تراجعت بشدة اعتبارًا من 10 فبراير مع فرض مزيد من قيود السفر وتشديد الحجر الصحي.

وأضافت “ناسا” التراجع في مستويات الغاز الضار المنبعث من السيارات ومحطات الطاقة والمنشآت الصناعية بدا واضحا بالقرب من مقاطعة “هوبي” مصدر تفشي “كورونا” وحيث طبقت السلطات الصينية أقصى دراجات الحجر الصحي وقيود الحركة والسفر، وتوقفت المصانع فيها بشكل تام.

 تقول فاي ليو الباحثة في جودة الهواء في الوكالة: هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها مثل هذا الهبوط الدراماتيكي لمستويات التلوث على مساحة واسعة ولمدة طويلة، رصدنا سابقا انخفاضًا في ثاني أكسيد النيتروجين في عدد من الدول خلال فترة الأزمة المالية للعام 2008، لكن الانخفاض كان تدريجيًا وغير ملحوظ على نطاق واسع، كما رصدنا انخفاضًا كبيرًا لمستويات التلوث في بكين خلال أولمبياد 2008، لكن مستويات التلوث ارتفعت مرة أخرى، وهذا ما يحدث عادة مع العطلات الكبرى أيضًا مثل عطلة العام القمري في الصين وعموم آسيا، لكن الأمر في عامنا هذا كان مختلفا مع تفشي “كورونا”.

 وتضيف معدل الانخفاض الذي أمامنا أكثر أهمية من الأعوام الماضية ويبدو أنه سيستمر لفترة أطول، وسيعم عدد من البلدان الأخرى، التي اتخذت بالفعل تدابير لتقليل انتشار الفيروس أهمها قيود السفر.

متلازمة “الضباب الدخاني” 

الصين تُصنَّف على أنها أكبر مصدر لانبعاثات الكربون، فهي أكبر منتج ومستهلك للفحم ولإنتاج الكهرباء اعتمادا عليه، لذا دائما ما تعاني سماء بكين وغيرها من المدن الصينية ذات الكثافة السكنية، من ظاهرة الضباب الدخاني، التي تنتج من زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين والجسيمات المنبعثة من مصانع الطاقة.

حتى العام 2014 كانت الصين تنتج نحو 73٪ من احتياجات الكهرباء اعتمادا على الفحم، وحاليًا تسعى لتقليل هذه النسبة إلى 45% بحلول 2030، وتشير دراسات إلى أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتقييد صناعة الفحم  وبناء محطات لتوليد الكهرباء من مصادر بدلية كالشمس والرياح ساهمت خلال الفترة من 2014 إلى 2019 في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين بأكثر من النصف.

 رغم هذا يحذر العديد من خبراء البيئة من أن التزام الصين ما زال غير كاف، وهناك حاجة لمضاعفة  التزامها الخاص بخفض الانبعاثات الضارة بموجب اتفاقية باريس بثلاث أضعاف ما هو عليه حاليا.

ووفقا للحكومة الألمانية أيضًا، في حال عدم مضاعفة جهود الصين للحد من تلوث الهواء والانبعاثات الكربونية، سيكون الكوكب أكثر دفئا بنحو 3 أو 4 درجات، متجاوزا أهداف اتفاقية باريس، بما يفاقم من أزمة الاحتباس الحراري.

 على مدار العشرين عاما الماضي كثيرا ما ضربت الصين عرض الحائط باللوائح البيئية، من أجل دعم الاقتصاد وإدارة ماكينات المصانع بأي شكل لانتشال نصف شعبها من دائرة الفقر، ونجحت في ذلك فعليًا، لكنها في المقابل باتت من أكثر البلدان تلوثًا حول العالم، ويحمل الهواء لساكنها جزيئات دقيقة قاتلة قد تتسبب في الوفاة المبكرة أو الإصابة بأمراض خطيرة كالربو وسرطان الرئة.

لكن يبدو أن فيروس كورونا، ورغم خطورته العالية، جاء ليذكر العالم بأن التوازن البيئي مطلوب وحتمي والأهم أن تقدم الإنسان ورغده لا يجب بأي حال من الأحوال أن يكون على حساب البيئة.

 

  
 

ربما يعجبك أيضا