في سوق النفط الحرة.. السعر العادل “يؤرق” المنتجين الكبار

حسام عيد – محلل اقتصادي

قرار جديد يتخذه عملاق النفط السعودي، أرامكو، في وقت تشهد فيه الأسعار العالمية هبوطًا غير مسبوق منذ 16 عامًا، وبلوغها مستويات الـ 30 دولارًا للبرميل الواحد، مع فشل صفقة تحالف أوبك ومغادرة روسيا.

أرامكو ستقوم حسب الإعلان من رئيسها بتزويد عملائها بـ 12.3 مليون برميل يوميًا بداية من شهر أبريل المقبل، وتم الاتفاق مع العملاء على هذه الكميات، وبالتالي ستزيد السعودية 300 ألف برميل يوميًا عن الطاقة الإنتاجية المستدامة لديها بـ 12 مليون برميل.

هذه ضمن التطورات الأخيرة التي أعلنتها أرامكو، والتي طلبت فيها من هيئة السوق المالية أن توقف السهم عن التداول، ليعود اليوم لقفزة تقارب 8% بعد هذه الأخبار.

لكن ما زالت تتوالى التصريحات من وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، بأن بلاده لا تستبعد رفع الإنتاج بما يقارب الـ 300 ألف برميل يوميًا، وأن ردة الفعل الأولية على ما يحدث بالأسواق لا تزال أكثر توازنًا، ما يعني أن روسيا قد تتخذ إجراءات مشتركة لتحقيق الاستقرار بالأسواق مع منظمة أوبك بعد انسحابها من عمليات خفض الإنتاج التي كانت التزمت بها لعدة سنوات.

أسعار النفط اليوم على ارتداد، لكن إلى أي مدى سيكون هناك تأثير على المملكة العربية السعودية، روسيا، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تلجأ للارتفاع بنفطها وإنتاجها الصخري لأعلى مستوياته؟. هذا ما سنتعرض له بالتحليل في التقرير التالي.

النفط الرخيص وإشكالية السعر العادل

بعد فشل اجتماع أوبك الأخير، اشتعلت حرب نفط بين المنتجين الرئيسيين الكبار في العالم، المملكة العربية السعودية، وروسيا.

الآثار والتداعيات المترتبة على الأسواق والمنتجين الكبار، ستعتمد في الأساس على سعر التعادل، وهو السعر الذي تحقق به دولة نفطية تعادل الإيرادات مع المصروفات.

ووفقا لآخر تقديرات صادرة عن صندوق القد الدولي، تحتاج السعودية إلى سعر 83.6 دولارًا للبرميل حتى تتعادل الموازنة، وروسيا بحاجة إلى 42.4 دولارًا، بينما إيران تحتاج رقم خيالي يصل إلى 194.6 دولارًا للبرميل، ثم بعد ذلك الكويت 54.7 دولارًا، والإمارات 70 دولارًا، والعراق 60 دولارًا للبرميل.

جميعها أسعار بعيدة تمامًا عن الأسعار التي تسود الأسواق اليوم، وبالتالي كل الدول النفطية ستواجه هذه المشكلة.

 بداية الأزمة من روسيا

تكمن مشكلة روسيا الرئيسية في نمو معدل الدخل الحقيقي، فعلى مدار السنوات الماضية تعرضت البلاد للكثير من العقوبات، ولكن في السنوات الأخيرة وبعد ارتفاع أسعار النفط نسبيًا، تمكنت روسيا من تحقيق بعض الفوائد، وهذا مكن الدخل الحقيقي للمواطن الروسي من الارتفاع مؤخرًا.

والمفارقة هنا أنه في نفس الفترة التي تراجعت فيها معدلات الدخل في روسيا، كانت تتراجع شعبية الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.

الأمر الذي دفع الحكومة والإدارة الروسية للدخول في جولة من الإصلاحات الاقتصادية والتحفيز والإنفاق وبالتالي تحتاج إلى هذه الفوائض حتى تتمكن من الإصلاح.

الفوائض في صندوق الثروة القومي الروسي تبلغ 150 مليار دولار، وتقول روسيا إنها تستطيع التعامل مع النفط الرخيص لمدة تتراوح بين 6 و 10 سنوات عند مستويات 25 – 30 دولارًا للبرميل، ولكن هذا سيعني أن روسيا بدلًا من أن تنفق على خطط التوسع والإصلاح الحكومي، فستنفق ذلك لتعويض أثر الانخفاض في أسعار النفط.

ضغوط وإفلاس محتمل في أمريكا

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فالوضع مختلف، فأسعار النفط الصخري الأمريكية كما تبدو من الحقول المختلفة، مرتفعة، حيث تتراوح بين 48 و50 دولارًا للبرميل، وبالتالي تتعرض شركات النفط الصخري اليوم لكثير من الضغوط كما لم يحدث من قبل.

قد يقول البعض إنه في 2014 تمكنت هذه الشركات من النجاة، ولكن الوضع حاليًا مختلف، فالفارق بين الأسهم والسندات بالنسبة لشركات النفط الصخري أصبح لا يمثل إلا جزءًا يسيرًا من السندات، فهذه الشركات تعيش على القروض، وبالنسبة لمستقبل هذه الصناعة الذي أصبح اليوم مهددًا فإنهم لن يستطيعوا اليوم الحصول على المزيد من القروض، وهو ما يعني أن أسواق رأس المال قلقة من قطاع الطاقة الأمريكي.

وبطبيعة الحال، القطاع البنكي منكشف على شركات النفط الصخري الأمري، معظمها من البنوك الصغيرة والمتوسطة، لكن البنوك الكبرى ليست منكشفة بشكل كبير على شركات النفط الصخري.

وتقول التقارير أن 50% من شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية قد تتعرض للإفلاس.

أفضلية “حذرة” للسعودية

النفط الرخيص يؤثر أيضا على السعودية، فرغم أن تكلفة الاستخراج المنخفضة وفائض الطاقة الإنتاجية المرتفع، قد يعطي المملكة أفضلية في حرب النفط، إلا أنه مع هذه المرونة وقدرة أعلى للمنافسة وكسب حصة سوقية أكبر، حسبما أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، بقوله: “في سوق حرة، يجب أن يبدي كل منتج للنفط قدرته على المنافسة ويحافظ على حصته في السوق ويعززها”، هناك مخاوف لأن الاقتصاد السعودي ليس كغيره من اقتصادات العالم، فهو يعتمد بنسبة 62% على النفط، وهكذا تأتي الإيرادات بالنسبة للموازنة.

وبالتالي التراجع في أسعار النفط، حتى ولو زادت الحصة السوقية للسعودية، فإنه سيتسبب في اتساع عجز الموازنة.

السيناريوهات الأسوأ

– روسيا؛ ستقوم بإلغاء برامج اجتماعية، بالإضافة إلى عودة الضغوطات السياسية من جديد على الرئيس فلاديمير بوتين، ما يعني احتمالات كبيرة بتراجع مستويات دخل الأفراد.

– الولايات المتحدة الأمريكية؛ ستفلس بعض شركات النفط الصخري، بالإضافة إلى تولد الضغط على البنوك الصغيرة المنكشفة، وهذه أمور ربما تسبب خسارة سياسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولايات النفطية تحديدًا، وعلى رأسها ولاية تكساس، بالمقابل المواطن الأمريكي سيشعر بأنه سيوفر من مصروفات الطاقة، وبالتالي توجيها إلى سلع أخرى، ما يعني ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي.

– المملكة العربية السعودية؛ المتوقع هو ارتفاع عجز الموازنة وبالتالي فتح الباب لمزيد من الإصلاحات الاقتصادية، وهذا يعني رفع الإيرادات غير النفطية، ومن ثم تعزيز دعم نهج الاقتصاد النوعي ذات مصادر الدخل المتعددة.
 

ربما يعجبك أيضا