لكورونا مآرب أخرى.. كيف استغلت بعض الدول “الوباء” في التجسس؟

محمد عبد الدايم

رؤية – محمود رشدي

رغم أن تفشي وباء كورونا كان عالميًّا لكنه حاز على أثر إيجابي في توحيد الخطر الذي يهدد الجنس البشري، وتخضع الدول جميعها لتعليمات واحدة في الغالب للتصدي له، ويبدو أن هذا الأمر لا يعني كثيرًا للدول التسلطية، التي تحمل دائما هلاوس مخابراتية تتعلق بالأمن القومي.

عقب اندلاع الفيروس من مقاطعة هوبي الصينية، شرعت بكين في استخدام كافة إمكانياتها البشرية والتكنولوجية للسيطرة على انتشار الفيروس، بما في ذلك تطبيقات تكنولوجية تمكن المستخدم من تحديد إصابته بالفيروس سواء بالإيجاب أو السلب، بل وشجعت مواطنيها على استخدامه، ومنعت دخول الفرد للأماكن العامة دون الاطلاع على بيانات المواطن خلال تلك التطبيقات.

لم تكن الصين وحدها التي استخدمت مثل هذه التطبيقات لتحديد الإصابة وتحركات المواطن داخل البلاد، وإنما دخلت دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران على الخط، في تشجيع مواطنيها على استخدام هذه التطبيقات، واستغلالها في أمور التجسس عبر إرسال بيانات شخصية داخل الهاتف إلى السلطات المسؤولة. 

إسرائيل: الغاية تبرر الوسيلة

وفي إسرائيل، أعطى رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو المنتهية ولايته الضوء الأخضر للجهاز الأمني “الشاباك” للتجسس على المواطنين لوقف انتشار فيروس كورونا، وسمح له بالحصول على بيانات من أي هاتف دون إذن في محاولة السيطرة على هذا الفيروس المستجد ومنع تفشيه، وتعد التقنيات المستخدمة شبيهة بتلك التي تستخدمها هذه الأجهزة في حربها ضد الإرهاب.

أقرت إسرائيل إجراءات جديدة للحد من تفشي فيروس كورنا، تسمح للجهاز الأمني الداخلي “الشاباك” بالتجسس على هواتف المواطنين بالتصنت على مكالماتهم بهدف احتواء انتشار الوباء.

وقال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو -المنتهية ولايته، خلال مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي- “إن خطة استعمال تكنولوجيا مراقبة الإنترنت لتحديد الأشخاص الذين كانوا على اتصال مع أولئك الذين يحملون الفيروس، تنتظر موافقة مجلس الوزراء لنشرها”. وأضاف: “سنبدأ قريبا جدا في استخدام الوسائل الرقمية نفسها التي نستخدمها لمحاربة الإرهاب بموجب قانون الطوارئ”. 

بكين: الكل تحت رقابتها

ذهبت بكين إلى أبعد الحدود في مجال التقنيات المثيرة للجدل، من خلال تحليل البيانات على نطاق واسع والنشر الشامل لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي،  وفي أجواء محملة بالشكوك، قام عملاقا الإنترنت “علي بابا” و”تنسنت” بتصميم تطبيقات للهواتف المحمولة يبلغ من خلالها الصينيون السلطات عن مستوى الخطر المفترض.

ويمكنهم باستخدام التطبيقات الحصول على هواتفهم على رمز الاستجابة السريعة (QR) الذي يعتمد لونه على زيارتهم أو عدم زيارتهم لأماكن مصنفة على أنها تمثل تهديداً للصحة العامة: الأخضر (لا تُفرض قيود)، الأصفر (الحجر الصحي لمدة 7 أيام) أو الأحمر (الحجر الصحي لمدة 14 يومًا).

أصبح الحصول على رمز الاستجابة السريعة هذا الذي يعتمد على تحليل تنقلات المستخدم إلزاميًا تقريبًا في العديد من المدن من أجل الخروج من محطات القطار أو استخدام وسائل النقل العام.

لا يمكن لعمليات التجسس وأجهزة الاستخبارات علاج كورونا ولا وقف انتشاره، ولكن يمكنها تزويد صناع القرار بمعلومات تسهل اتخاذ القرارات المدروسة. وبهذا يمكن الحد من القلق، ويمكن التعرف على مكان انتشار المرض بشكل أفضل، وتقييم خطط وقدرات التنفيذ في الخارج أيضا بشكل أفضل. 

وبالطبع يتعلق الأمر أيضًا بتقييم الأضرار السياسية والاقتصادية والتعرف عليها، وينطبق هذا أيضًا على حملات التضليل المنتشرة واللوم المتبادل بحدة حول التسبب في ظهور الوباء العالمي.
 
في الواقع تقوم أجهزة الاستخبارات في أزمة كورونا بما تفعله دائمًا: فهي تقدم معلومات لا يمكن لأي شخص آخر الوصول إليها. وينطبق هذا بوجه الخصوص على دول مثل الصين أو إيران اللتين لا توجد عموما ثقة كبيرة في المعلومات الرسمية الصادرة عنهما.
 كما أن عمليات إغلاق الحدود وحظر التجول والحجر الصحي، التي يجري تنفيذها في أوروبا وأمريكا حاليا، تتسبب -بطبيعة الحال- في إغلاق قنوات معلومات واتصالات رسمية راسخة، وهنا يمكن لأجهزة المخابرات، التي تعمل بشكل جيد، أن تمد يد العون.

ربما يعجبك أيضا