دول النزاعات على صفيح ساخن.. والعالم محاصر بالكورونا

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في ظل تصعيد وتفاقم انتشار وباء كورونا المستنجد (كوفيد-19) في دول العالم، تتجه الأنظار بعين القلق لتأثير الفيروس القاتل على النزاعات المشتعلة في سوريا وليبيا واليمن وأفغانستان، فانتشاره في تلك الدول سيخلف عواقب مُدمرة  قد يؤدي لحدوث وفيات بالملايين تزامنًا مع انشغال دول العالم بأزماتهم الداخلية مع كورونا، فكيف سيؤثر الفيروس القاتل على تصعيد الأوضاع في تلك الدول؟

بالرغم من عدم انتشار الفيروس في تلك الدول بصورته الحادة بصورته في الصين ودول أوروبا، فإن اشتعال أي نزاعات محلية جديدة مع انتشار الفيروس، لن تمكن القوى الكبرى الغارقة في أزمتها الصحية والاقتصادية من مواجهة الوضع ووقف النزاعات، لتزداد الأوضاع خطورة تزامنًا مع خشية الأمم المتحدة من سقوط ملايين الضحايا في تلك المناطق.

أفغانستان

شكل الوباء عائقًا كبيرًا أمام إرسال قوات لوقف النزاعات، فالعمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان توقفت واضطر الجيش الأمريكي لسحب قواته إلى مناطق آمنة من المرض.

واليوم ورغم عدم تعدي إصابات كورونا لـ 24 حالة، فهناك مخاوف كبرى من تفشي الفيروس بسبب وجود قوات أجنبية على الأراضي الأفغانية، والتي قد تشكل مصدرًا لتفشي الفيروس.

ووفقا لمصادر أمريكية فقد تم عزل 21 من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف بعد ظهور أعراض تشبه الأنفلونزا عليهم وهم يتلقون الرعاية الطبية، ولم تثبت إصابة أي منهم بفيروس كورونا.

 ويرى روبرت مالي -رئيس مجموعة الأزمات الدولية التي يوجد مقرها بواشنطن- أن “إرسال قواتهم سيعرض الدول والجماعات التي تقوم بأعمال عنف إلى الإصابة، وبالتالي لخسائر بشرية قد تكون كارثية”.

يذكر أن هناك أكثر من 12 ألف جندي أمريكي في أفغانستان، لكن من المفترض أن يقل هذا العدد تدريجيًا إلى 8600 جندي تقريبًا خلال الشهور القليلة المقبلة كجزء من اتفاق السلام مع طالبان.

اليمن

رغم الإجراءات الاحترازية التي قامت بها اليمن لمنع تفشي فيروس كورونا، فالقلق ما يزال مُستمرًا بسبب الأوضاع الإنسانية المتفاقمة التي يعانيها اليمنيين جراء الحرب، والتي قد تشكل بيئة خصبة لسرعة انتشار الفيروس، لاسيما مع وجود الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران (أكثر الدول الموبوءة والتي سجلت أعدادًا كبيرة في الإصابات والوفيات).

من جهته، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث -في بيان صدر في الآونة الأخيرة- “فيما يحارب العالم الوباء، يتعين على الأطراف الخروج من التركيز على مواجهة بعضها بعضًا لضمان ألا يواجه السكان مخاطر أكبر”.

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن غالبية حالات الإصابة بفيروس كورونا في الشرق الأوسط مرتبطة بالسفر إلى إيران، مؤكدا أن دول المنطقة تصرفت بشكل أسرع من الأوروبيين في التعامل مع تفشي الوباء، فيما جاءت التدخلات غير العادية لإيران “متأخرة للغاية”.

والمشكلة الأكبر لا تكمن في عدم انتشار المرض، ولكن في ضعف طرق الرعاية والوقاية والكشف عنه، لاسيما بعد تقارير وأخبار تناولت هروب أول مصاب بالفيروس في اليمن.

سوريا

انتشار وباء كورونا سيدفع بعض الأطراف لانتهاز الفرصة لتحقيق مكاسب، في وقت يشل الفيروس حركة الأسرة الدولية، ومثال على ذلك ما يحدث في إدلب المستمرة في مواجهاتها بعد أن كانت محل نشاط دبلوماسي مُكثف لوقف المعارك.

بالنسبة للمقاتلين أو الجماعات المتطرفة، فإن “المكاسب واضحة” كما يقول برتراند بادي -الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس (سيانس بو)- وصرح بأنه “في منطق أصبحت فيه القوة عاجزة” بات من الممكن رؤية “انتصار الضعف على القوة”.

ولفت دبلوماسي إلى أن المرض وبغض النظر عن الأطراف المتحاربة، “سيكون خارجًا على السيطرة” مضيفًا: “الوباء يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات مع خطر تفاقم الوضع الإنساني وتحركات سكان”.

ووفقًا للدبلوماسيين، فإن ملخص تقرير الأمم المتحدة بشأن قصف مستشفيات في سوريا، والذي كان منتظرًا في هذه الأيام بعد إرجائه عدة مرات منذ مطلع السنة، لم يعد متوقعًا الآن قبل أبريل.

وبرغم إنكار النظام السوري لأي حالات كورونا وحجره على العشرات من المواطنين بحسب المرصد السوري، قد يثير المخاوف بشأن تفشي الفيروس في مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية الواقعة ما بين الميادين والحدود العراقية بالقرب من مدينة البوكمال والتي تعد بؤرة لانتشار الفيروس.

ليبيا

لم تعلن ليبيا حتى الآن عن تسجيل أي إصابات بفيروس كورونا، إلا أن منظمة الصحة العالمية عبرت عن قلقها إزاء الأوضاع في سوريا واليمن وليبيا، وأرجحت سبب عدم تسجيل سلطات الدولتين أي إصابات بفيروس كورونا حتى الآن ربما لا يكمن في عدم انتقال المرض إليهما، بل في ضعف نظام الرعاية والرقابة الصحية.

ومن جانبها، حثّت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، في بيان، جميع الأطراف في ليبيا على “اتخاذ هذه الخطوة الشجاعة لتوحيد جهودهم في مواجهة هذا الوباء”، مؤكدة أنّ “فيروس كورونا لا يعترف بأية حدود أو انتماءات وقادر على اختراق كل الجبهات”، داعية جميع الليبيين إلى “توحيد صفوفهم فورا وقبل فوات الأوان لمواجهة هذا التهديد المهول والسريع الانتشار، الأمر الذي يتطلب تضافر جميع الجهود والموارد للوقاية منه والتوعية به وتوفير العلاج لمن قد يصيبهم هذا الفيروس”.

وبحسب الخبراء، فإن استمرار المواجهات في تلك الدول مع تركيز الإعلام العالمي على وباء (كوفيد -19) ستصبح هذه النزاعات الوحشية بعيدة عن الاهتمام وغير مسموعة، رغم تأكيد دبلوماسيين أن مراقبة تطورات النزاعات والأوضاع في الدول التي تشهد أزمات مستمرة.
وبين المنظمات غير الحكومية التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان مثل “هيومن رايتس ووتش”، فإن القلق يتزايد من احتمال جمود تحركات بأكملها.

ورغم ذلك فمن المتوقع أن تنفجر الأوضاع في تلك الدول، لصعوبة الوصول إلى المناطق وصعوبة تنظيم مفاوضات في دول محايدة وتحويل الاستثمارات المالية، فأي حكومة سترغب في الاستثمار لتحقيق السلام في اليمن أو سوريا أو أفغانستان في وقت تواجه فيه أزمة اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل تقريبًا؟

ربما يعجبك أيضا