دحض القوميات..هل يمهد كورونا للتعاون الدولي؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

لا شك أن لهذا الوباء من زوال، ولكن لا أحد يعلم كم من الخسائر البشرية والاقتصادية سيكبد العالم بها، ومن المؤكد أن توحيد المصائر والمخاطر الذي تواجه الأمم جمعاء، خلق نوع من التعاون والتكاتف البشري لصد تفشي فيروس كورونا المستجد، كما يثبت فشل التيارات الأخرى المنادية بالانغلاق على الذات والقوميات المتطرفة، التي صعد صيتها قبيل اجتياح الفيروس العالم.

تقول فيديريكا موغيريني، الممثلة السامية السابقة للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن، إن فيروس  كورونا  كشف عيوب القومية المتطرفة، وبالمثل، يعتبر رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود الوباء مثالًا نموذجيًّا على الحاجة إلى التعددية، ويحث القادة السياسيين إلزامية تغيير نمطية القوالب العنصرية. ويقول آرفيند سوبرامانيان، كبير المستشارين الاقتصاديين السابقين للحكومة الهندية، إن نظام التعاون الدولي الحالي الذي يركز على الدولة يجب أن يتم تجديده لصالح السلع العامة العالمية؛ مثل منع الأوبئة والتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري.

وهناك يجادل كمال درويش وسيباستيان شتراوس من معهد بروكينغز بأن كل كورونا وتغير المناخ يبرزان ضرورة وجود تعاون دولي أوثق بكثير للحد من التهديدات العالمية وإدارتها، وعلى شاكلته، أعلن جيروت واجنر من جامعة نيويورك أن النقطة الأساسية في هذا الصدد هي أن التخفيضات الصغيرة والفورية في معدل نمو العدوى أو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ستؤتي ثمارها بشكل متزايد بمرور الوقت.

مشهد عالمي منقسم

كان من المتوقع من المجتمع الدولي أن يسارع في مواجهة فيروس “كورونا”، إلى إنشاء جبهة موحدة لمكافحة وباءٍ تسبب في مثل هذا الذعر، إلى درجة بات معها يُعتبر تهديدًا وجوديًّا. لكن بدلًا من ذلك، كشف اندلاع الوباء الجامح عن مشهد جيوسياسي منقسم وقاسٍ، غارق في الاتهامات والمهاترات والغموض، يكاد يخلو من أي مؤشرات إلى وجود استجابة عالمية عاجلة وفعالة.

لم يكتفِ المسؤولون الصينيون بالتغطية على حجم المشكلة في وقت مبكر فحسب، بل حاولوا أيضًا إسكات العاملين الطبيين الذين حذّروا ممّا سيحدث. من جهتها، قلّلت المؤسسة الإيرانية من انتشار المرض في مدينة قم ذات القدسية لدى الشيعة، حتى أصبح من المستحيل إخفاؤه.
وتخلّفت كوريا الجنوبية واليابان عن الدول المجاورة في فرض حظر على السفر من الصين، وفشلت طوكيو في التعامل مع انتشار الفيروس على متن السفينة السياحية “دايموند برينسيس”. ويواجه الاتحاد الأوروبي اتهامات بالفشل في مساعدة إيطاليا، البلد الأكثر تضررًا في أوروبا.

 ثم هناك بالطبع دونالد ترامب، الذي ادّعى في البداية أنّ الفيروس عبارة عن “خدعة جديدة” من قبل الديمقراطيين، وأنه “تحت السيطرة” و”يمكن أن ينتهي نهاية جيدة للغاية بالنسبة إلينا”، وأن “يعزّز الوظائف”. كما حظر السفر إلى الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي، الذي يراه خصمًا، وزعم أنه عرض على شركة ألمانية “مبالغ كبيرة من المال” مقابل تسليم لقاح تعمل عليه للاستخدام الحصري في الولايات المتحدة، بيد أن مسؤولين أميركيين نفوا عمومًا هذه التقارير. 

تأخر إعلان حالة الطوارئ

كانت هناك أيضًا أسئلة حول تأخر منظمة الصحة العالمية في إعلان حالة “طوارئ صحة عامة مثيرة للقلق عالميًا”. وقد انقسم أعضاء لجنة الطوارئ التابعة للمنظمة حول هذه المسألة، وتُرك القرار النهائي للمدير العام، فقرر غيبريسوس الانتظار على الرغم من أنه أجبر على الاعتراف بوجود “حالة طوارئ في الصين” في ذلك الوقت. في الأسبوع التالي، أُعلن عن “حالة طوارئ صحة عامة مثيرة للقلق عالميًّا”، وذلك بعدما زادت وطأة وباء الوباء بـ 10 أضعاف وسُجلت 7781 حالة في 18 دولة.

ربما كان من الممكن، حتى في الوقت الراهن، تجنب أسوأ النتائج المتوقعة من حيث التكلفة المالية والصحية لفيروس كورونا، وذلك من خلال التعاون والقيادة الدوليين المناسبين. فأثناء الأزمة المالية لعامي 2008 و2009، تراجعت التجارة العالمية والنمو الاقتصادي في البداية بقدر أكبر ممّا تمخّض عنه الكساد الكبير. ومع ذلك، تعاونت الحكومات وكان هناك تنسيق. وبعد عام شاق، استقر الاقتصاد العالمي، وتمكنا من تجنب كساد كبير آخر وتفادي كارثة أكبر.

وأشار محللون إلى أن الفارق بين اليوم وتلك الفترة، هو أن الدول قبلت حينذاك بوضع الخلافات جانبًا، انطلاقًا من اقتناعها بأن الحاجة إلى دعم الصالح العام تستحق الأولوية على التظلمات الفردية، وهو نهج مختلف جذريًا عن ذلك المتبع في الثلاثينيات من القرن الماضي خلال موجة القومية السياسية العنيفة الموسومة بسياسات “إفقار الجار” الاقتصادية.

ترامب والبريكست

وجاء كورونا تزامنًا مع عودة الشعبوية من خلال ترامب و”بريكست”، والحرب الاقتصادية وتفكيك المؤسسات المتعددة الأطراف. وهو أتى أيضًا في الوقت الذي يجري فيه بثّ معلومات مضلِّلة وشعار يُروَّج له في هذه البلاد أكثر من معظم البلدان الأخرى، ومفاده بأنه “لا يمكنك الوثوق بالخبراء”.

أدى الحجم الهائل للتحديات التي يواجهها العالم بالضرورة إلى إجراء قدر من التنسيق، على الرغم من محدوديته حتى الآن بين دول مجموعة السبع. ويشارك ترامب، الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة، على مضض في هذا التنسيق، إذ بذل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعض الجهد لإقناعه بالانضمام إلى اجتماع عبر الفيديو للزعماء الأوروبيين.

كان هناك تخوف من أن الرئيس الأمريكي لن يوافق على مسودة بيان مشترك قبل المؤتمر، إذ لم يغِبْ عن البال بعد، سحبه توقيعه بأثر رجعي من بيان مجموعة السبع بعد قمة كيبيك الكارثية لعام 2018. لكن مع تزايد القلق بشكل حاد في أميركا بسبب الفيروس، إلى درجة أن شبكة “فوكس نيوز” غيّرت تغطيتها من اتهامات بالتآمر إلى تصوير ما يحدث في أزمة خطيرة، عدّل ترامب نبرته  للتعبير عن القلق. مع ذلك، ليس من الحكمة الاعتماد على الرئيس الأمريكي للعب الدور القيادي اللازم دوليًّا. ومن المؤكد أن مجموعة العشرين، وليس مجموعة السبع فقط، ستحتاج إلى تنسيق الاستجابة.

هناك ضرورة لقيادة حملة هائلة للعثور على لقاح، ليس فقط لبلد واحد أو للقلة الغنية، ولكن لتوزيعه على أوسع نطاق ممكن. حينها يمكن تخفيف القيود المفروضة على السفر تدريجيًّا، والتي قد تلحق قدرًا كبيرًا من الضرر بالاقتصاد العالمي إذا بقيت موضع تطبيق لفترة طويلة. ينبغي إدراك الحقيقة المهمة أنّ التصدي لأزمة بهذا الحجم ممكن فقط  من خلال تكاتف المجتمع الدولي، لا عبر القومية الضيّقة قصيرة النظر.

ربما يعجبك أيضا