مروحية الأموال.. “ملاذ تضخمي” في مواجهة كورونا

حسام عيد – محلل اقتصادي

مع تصاعد الهلع والمخاوف من احتمالية دخول اقتصادات العالم في أزمة عاصفة، قد تستمر لعقود، مع التفشي الرهيب لعدوى فيروس كورونا بمفاصل الدول، وتسببها في نزيف اقتصادي ضخم، قد ينتهي بانكماش حاد، لجأت بعض الدول إلى حلول غير تقليدية لتنشيط اقتصادها وتحريك المياه الراكدة بدورة الإنتاج.

مروحية الأموال أو الـ Helicopter money؛ وسيلة قد تجد فيها بعض الدول المتضررة من تداعيات كورونا، ملاذًا لتجاوز الأزمة الاستثنائية التي تنذر بركود متسارع على المدى القريب.

ويختلف مفهوم الـ Helicopter Money تمامًا عما يُعرف ببرنامج التيسير النقدي، فعندما يقوم البنك المركزي بالتيسير النقدي، فهو بذلك يخلق احتياطيات إلكترونية جديدة للبنك، ويشتري شيئًا ما بهم، وعادة ما تكون الديون الحكومية، ويحصل على شيء في المقابل، ما يعني أنه يجب أن تكون أصول البنك والتزاماته بنفس القدر.

ماذا تعني مروحية الأموال؟

مصطلح اقتصادي يقوم على إعطاء المواطنين مبلغًا ماليًا بشكل مباشر، ولمرة واحدة، بهدف تحفيزهم على الإنفاق، وبالتالي تنشيط الاقتصاد عبر زيادة مستويات الطلب.

وصاحب هذه الفكرة هو الاقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان الذي أطلقها عام 1969، إلا أنها اكتسبت شعبية أكبر عندما استخدمها رئيس مجلس الفيدرالي الأمريكي “البنك المركزي” الأسبق بن برنانكي في عام 2002 ليطلق عليها حينها “هيلكوبتر بن”.

ومن الأكثر الأمثلة شيوعًا على Helicopter money ما قامت به اليابان عام 1999 عندما وزعت قسائم استهلاكية على المواطنين لإنفاقها في غضون ستة أشهر.

هل تصبح وسيلة فعالة بأزمة كورونا؟

صانعو السياسة في الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام “مروحية الأموال” كحافز لتعزيز الاقتصاد. عادة ما تكون مروحية الأموال هي الملاذ الأخير في التحفيز النقدي وتتضمن طباعة كمية كبيرة من الأموال لزيادة الاستهلاك والاستثمار في الاقتصاد.

حتى الـ27 من مارس الجاري، كان البنك المركزي الأمريكي قد اتخذ تقريبًا جميع السياسات النقدية التي استخدمها منذ عام 2008. بالإضافة إلى شراء الأصول، قام الاحتياطي الفيدرالي أيضًا بإعادة فتح بعض تسهيلات التمويل مثل “سي بي أف أف” (مرفق تمويل الأوراق التجارية).

بالإضافة إلى أن الرئيس دونالد ترامب وقع على حزمة حوافز اقتصادية بقيمة تريليوني دولار في سبيل مواجهة بلاده لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد على أراضيها.

وتعد هذه الحزمة الاقتصادية الأكبر إطلاقًا في التاريخ الأمريكي.

تهدف هذه التدابير إلى تقديم قروض قصيرة الأجل للبنوك والوسطاء لمنع النظام المالي من الانهيار. في الوقت نفسه، تخطط إدارة ترامب الأمريكية لتسليم أكثر من تريليون دولار أمريكي نقدًا إلى الأمريكيين.

ليمضي بعدها الدولار على مسار تسجيل أكبر انخفاض أسبوعي في أكثر من عشرة أعوام؛ إذ أسهمت جهود تحفيز بتريليونات الدولارات من جانب حكومات وبنوك مركزية في تهدئة حالة الفوضى في الأسواق العالمية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا.

وكان الدولار ارتفع في مارس في ظل سعي المستثمرين الحصول على أكثر عملات العالم سيولة، والتي تعد ملاذًا آمنا.

لكن تعهدات بإنفاق كبير للحكومات، وجهود منسقة من جانب بنوك مركزية في أنحاء العالم لزيادة إمدادات الدولار ساندت ارتفاعا في بقية العملات الرئيسة.

وأبرزت قفزة غير مسبوقة في طلبات إعانة البطالة الأمريكية وبلوغها 3.3 مليون طلب، تأثير فيروس كورونا على اقتصاد البلاد، ما أضعف الدولار أكثر.

وفي الوقت نفسه، قامت إدارة ترامب بخفض الضرائب على الأمريكيين قبل عامين، وهو شكل من أشكال التحفيز المالي. فطباعة المزيد من الأموال تعد مهمة سهلة، بيد أن المستوى الصحي للوظائف المالية الأمريكية يفقد ثقة الناس به إلى حد كبير.

محفزات بأعراض تضخمية

– لم تخلُ فكرة توزيع الأموال المجانية من الانتقادات، فالبعض يرى أن ضخ هذه الكميات من الأموال قد يتسبب في ارتفاع الأسعار والتضخم على المدى الطويل، كما أنه يثير مخاوف من تقويض استقلالية البنوك المركزية مع تداخل السياسات المالية والنقدية.

– أوراق البنكنوت تمثل التزام على البنك المركزي، ومع طباعة النقود، سيقوم البنك بخلق المزيد من الالتزامات الجديدة، ولن يحصل على شيء في المقابل، وعندما تزيد الالتزامات عن الأصول يؤدي ذلك إلى الإفلاس، والذي هو مشكلة كبيرة للبنك المركزي، الذي يقوم بدفع الفوائد على الالتزامات، من الفوائد التي يحصل عليها من الأصول الثابتة له، وتلعب الفوائد التي يدفعها البنك على التزاماته دور حيوي النسبة لتحكمه في السياسة النقدية وبالتالي معدلات الفائدة.

– بسبب عدم قدرة البنك المركزي على تحمل دفع الفائدة على التزاماته، قد تؤدي طباعة النقود إلى عدم قدرة البنك على رفع اسعار الفائدة مستقبلًا، وبالتالي معدلات التضخم.

– لتعزيز أصول البنك وبالتالي ليتمكن من دفع الفوائد، تتدخل الحكومة وتعطيه أصل دون مقابل، وقد يكون عبارة عن سندات خزانة، ويعني ذلك ان البنك قد قام بخلق نقود جديدة، حصل على سند حكومي في المقابل، وقد يكون ذلك أشبه بالتيسير النقدي التقليدي.

– طباعة النقود أشبه بالدوامة التي قد تخرج عن السيطرة، حيث تكون طباعتها لسداد فوائد النقود المطبوعة سابقًا.

وختامًا، يمكن القول إنه في ظل استمرار معدلات التضخم أدنى من الأهداف المحددة في أغلب الاقتصادات المتقدمة، بالإضافة إلى معدلات الفائدة المنخفضة عند أدنى مستوياتها تاريخيًا، ولجوء البنوك المركزية إلى “مروحية الأموال” في الأزمات الاستثنائية الطارئة، مثل كورونا، فإن مضاعفة الأموال لدى المواطنين والأسواق ستساهم في غلاء الأسعار ومن ثم حدوث موجات تضخمية لا يحمد عقباها.

ربما يعجبك أيضا