الحرب ضد كورونا في فلسطين بين الواقع والمأمول‎

محمود
كتب – محمد عبد الكريم
“إذا احتجنا لأجهزة التنفس التي يتم تصنيعها حاليًا محليًا في المحافظات سنستخدمها سواء كانت مطابقة للمواصفات أم لا، نأمل أن تكون مطابقة ولكن إن ارتفعت الاصابات في ظل النقص الحالي لدينا في اجهزة التنفس سنكون مجبرين على استخدامها”، الكلام لمدير عام الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الفلسطينية.
انطلقت محاولات لتصنيع جهاز تنفس صناعي، في إطار دعم إجراءات مواجهة وباء كورونا المستجد، في عدد من المحافظات الفلسطينية، بسبب النقص الحاد عالميا في أجهزة التنفس الصناعي، الناتج عن أزمة تفشي فيروس كورونا، دفع خبراء ومتطوعين فلسطينيين إلى التفكير بحلول بديلة لتوفير هذه الأجهزة عبر تصنيعها محليا.
اجهزة تنفس في ظل الضائقة
ومع ازدياد تفشي وباء فيروس كورونا حول العالم ارتفعت أسعار أجهزة التنفس الاصطناعي إلى أرقام قياسية، هذا إن وجدت أصلا مع حجم الطلب الهائل عليها عالميا.
وشهدت كل من “الخليل وغزة، وبيت لحم، وجنين والقدس”، محاولات من الجامعات ومجموعات وشركات لبدء تصنيع جهاز تنفس صناعي، في ظل نقص الأجهزة فلسطينيًا ودوليًا.
فبدءًا من غزّة، أقدم المهندسان “إسماعيل أبو سخيلة، وعصام خلف الله”، على تنفيذ جهاز تنفس صناعي، وفقًا لاستشارة أطباء عمليات، ومختصين، وصفوه بالجيد.
وأعلن المهندسان أن تكلفة تصنيع الجهاز بلغت 200 دولار فقط، وأبديًا استعدادهما للأخذ بالنصائح بشأن التصحيح والتطوير.
وفي جنين شمال الضفة المحتلة، أنهى مهندسون فلسطينيون بالشراكة مع شركات هندسية وجهات صحية وأكاديمية تصنيع جهاز تنفس صناعي.
وأعلن المصنعون عبر “منبر المهندس الفلسطيني”، نجاح الجهاز الذي أسهم فيه المهندس فتحي المصلح من شركة الأثير للحلول التقنية، والمهندس نور حمارشة مستشفى جنين، والمهندس أنيس العيسة مديرية صحة جنين، والمهندس آرام أبو الرب الجامعة العربية الأمريكية، إضافة إلى مصطفى حمارشة من مستشفى جنين الحكومي كاستشاري.
ومن بيت لحم، المكان الذي شهد أول إصابات بفيروس كورونا، انطلقت محاولة لتصنيع جهاز تنفس صناعي بعد الحديث عن وجود نقص فيها حول العالم.
وأعلن المهندس رامي عزت المشني، تصنيعه لجهاز تنفس صناعي بإمكانيات محلية بسيطة، وبصناعة فلسطينية لأصغر جهاز تنفس اصطناعي، في إطار دعم مواجهة انتشار الوباء.
أما في الخليل جنوب الضفة، فباشرت شركة “رويال” الصناعية التجارية العمل في صناعة وإنتاج أول جهاز تنفس اصطناعي في الخليل، في إطار دعم المحافظة للمبادرات الخلاقة لمواجهة فيروس كورونا.
رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات رويال الصناعية التجارية نبيل الزغير، توقع إنتاج أول جهاز تنفس اصطناعي من قبل الشركة خلال أسبوع، موضحًا أن المختصين لديهم يتواصلون مع مهندسي أجهزة طبية وأطباء حتى تتكلل جهودهم بالنجاح.
وقال مساعد محافظ الخليل رفيق الجعبري، إن سعي الشركة الحثيث لإنتاج أول نموذج من أجهزة التنفس الاصطناعي، بالتعاون مع طواقم طبية ومهندسين طبيين، يأتي بسبب قلة توفره في الأسواق العالمية هذه الأيام.
وأعلن الدكتور عماد أبو كشك رئيس جامعة القدس، ومقرها مدينة القدس المحتلة، نجاح الاختبارات، التي أجريت لإنتاج جهاز تنفس طبي قابل للتصنيع محليًا وسد النقص في الأجهزة، وقال في بيان صحافي إن الجهاز من تصميم وإنتاج مشترك بين كليتي الهندسة والطب، لافتًا إلى أن الإضافة النوعية في الجهاز، أنه من مكونات متوافرة في السوق المحلي.
ويشير أبو كشك إلى أن الجهاز محوسب بالكامل، ويوفر أنواعًا مختلفة في دعم عملية التنفس حسب حاجة المريض، وقال إن “جامعة عاصمة فلسطين تضع الجهاز تحت تصرف رئيس دولة فلسطين الذي بارك هذا الإنجاز”، معلنا كذلك أن تكلفة إنتاجه منخفضة، وسريع التصنيع، وسهل الحمل والنقل، وقال إنه مخصص للعمل في غرف الطوارئ والعناية المركزة، ونقاط العلاج الميداني.
ويقول أبو كشك إن “حوالي 20% ممن يصابون بالفيروس يتعرضون لالتهابات في أعضاء الجهاز التنفسي، تضعف وظيفة الرئة، وتستوجب وضعهم على أجهزة تنفس طبية لإنقاذ حياتهم، مما أدى إلى الطلب العالمي الكبير على الأجهزة الطبية، وقصور عملية إنتاجها”، مؤكدا أن الاختبارات الخاصة بالجهاز أشرف عليها فريق مشترك من كلية الطب وكلية الهندسة، ضم عددًا من أكفأ الأطباء المختصين في الأمراض الباطنية والصدرية.
وكشف رئيس الجامعة أنه قبل انتهاء الاختبارات على النموذج، حضر إلى حرم الجامعة في بلدة أبو ديس بالقدس المحتلة، قائد أحد الأجهزة الاستخبارية السيادية، والذي تتحفظ الجامعة على ذكر اسمه بناءً على طلبه، للاطلاع على نتائج الاختبارات، باعتبار توفير أجهزة التنفس الاصطناعي قد باتت مسألة تخص الأمن القومي الفلسطيني.
صناعة الكمامة الفلسطينيّة الأولى لمواجهة كورونا

بدأ مصنع فلسطيني في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية في إنتاج كمامات طبية، لتوفيرها للسوق الفلسطينية، لمواجهة فيروس كورونا.

وقال مدير المصنع، أمجد الزغيّر إن فكرة التصنيع نشأت منذ تسجيل أولى الإصابات بفيروس كورونا في مدينة بيت لحم (جنوب)، بداية الشهر الماضي، وأرسلنا عينة من إنتاج المصنع للجهات الفلسطينية الخاصة، وتم فحصها، حيث وجدت أنها مطابقة لمواصفات عالمية، وبدأنا بالعمل”.
وتابع “اليوم هو أول يوم عمل، نأمل أن ننجح في تزويد السوق الفلسطيني بحاجته من الكمامات الطبية”.
وقالت وزارة الاقتصاد الفلسطيني، إن المصنع بدأ إنتاج الكمامات حسب المواصفة الفلسطينية المبنية على المواصفة الأوروبية بقدرة إنتاجية يومية 7-8  ألف كمامة.
وأشارت إلى أن العمل يجري بإشراف مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية لضمان تطبيق المواصفات المطلوبة.
تصنيع أجهزة تعقيم محليًا للوقاية من كورونا
يقول عبد الله حماد من بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله الفلسطيني حماد، الذي يعمل مديرًا لشركة الوفاق للجرانيت: “جاءتني فكرة عمل جهاز التعقيم وهو عبارة عن صندوق يوضع في الشوارع والأماكن العامة يبدو كممر، ويسهم في تعقيم العابرين فيه، بعد رؤيته في تركيا عبر فيسبوك، عرض صديق الفكرة عليّ، وبدأت بالبحث أكثر حولها والمباشرة ببدء خطوات التنفيذ والتواصل مع سبّاك للمساعدة في إعدادها.
وتابع: “بدأت التجربة بنموذجٍ بسيط، محاكاة للتصميم، بالرغم من أن الكثير أحبطوني ووصفوني بالجنون وبالاستغناء عن المال، لكنني عرضت الأمر على رئيس بلدية بيتونيا ربحي دولة، وقد أبدى إعجابًا وتشجيعًا، وأثنى على فكرة وضع واحد بمجمع فلسطين الطبي”.
الجهاز عبارة عن ممر يعمل أوتوماتيكياً بحيث يدخل فيه الإنسان وتبدأ عملية التعقيم، ثم يخرج منه في الاتجاه الآخر بعد انتهاء العملية، يتكون الجهاز من المِرش وماكينة هواء وماكينة ماء وخزان ماء يعمل بالضغط، ويحتوي على المادة التعقيمية.
وتبلغ سِعة الخزان من المادة التعقيمية 10 لترات إلى 50 لترًا، ويمكن لكمية 50 لترًا من السائل تعقيم عدد 300-400 شخص تقريبًا، كما أثبتت تجربة مستشفى فلسطين الطبي.
محمود أبو غوش .. مبرمج يبتكر برنامجًا لتشخيص كورونا
وضع الشاب محمود أبو غوش من مدينة غزة صورًا التقطت بواسطة الأشعة CT أو Ultrasound أو x-ray لمنطقة الصدر “الرئة تحديدًا”، وهي إحدى الصور التي وصلته بعد عناء من أطباء في 13 دولة بأنحاء متفرقة في العالم لمصابين بفايروس كورونا COVID19، على الخوارزمية التي طورها ليتم تشخيصها في برنامجه الذي أنشأه؛ ليكون بديلاً عن الآلية المتبعة في دول العالم عبر نظام الشرائح التي تحتاج 24 ساعة لظهور النتائج.
بعد إدخال تلك الصورة على البرنامج، ظهرت النتيجة أمام شاشة حاسوب أبو غوش خلال 38 ثانية، بأن الحالة مصابة، ففتح قائمة المعلومات المرفقة للحالة ذاتها المُشخصة مسبقًا بأنها مصابة بفايروس كورونا، لتكون المفاجئة بنسبة عالية من الدقة للتشخيص عبر نظام الشرائح. بحسب قوله.
ويتم الاختبار بأخذ عينات (مسحات) من حلق المريض أو من أنفه، أو من مسالك التنفس العليا، أو من المجاري التنفسية العميقة مثل إفرازات الشعب الهوائية أو الرئة، كما يوصي معهد روبيرت كوخ.
فيما تخضع العينات لفحوصات على فيروس كورونا داخل مختبرات. وهذا النوع من الاختبارات يستمر لساعات طويلة، وهو من الأساليب التقليدية داخل المختبرات.
وفي حال وجود نتيجة إيجابية للفحص، فإنه إضافة إلى المريض تبلغ وزارة الصحة المعنية فورًا وبعدها يأتي الحجر الصحي بإجراءات العزل والحماية الضرورية. وفي حالات المرض السهلة بإمكان المرضى الخضوع للعزل داخل البيت ما داموا لا يعرضون آخرين للعدوى.
لم تكن الطريق أمام فكرته سهلة، كما يقول، فذهب إلى البحث عن تشخيص فيروس كورونا ليجد أنها تتم عن طريق العينات، كما وجد أن تلك الطريقة تواجه مشكلة لكونها تحتاج وقتًا طويلاً يصل لـ 24 ساعة للخروج بنتيجة الفحص، وتصل كلفة “slide testing kit ”  5 آلاف دولار وتستوعب من 50-200 شخص، أما في غزة من 20- 30 حالة.
ذهب أبو غوش إلى التفكير في تطويع مجاله في معاجلة الصور الطبية للخدمة، لكن قلة المصادر التي تحدثت عن الفايروس شكلت عائقًا كبيرًا؛ لكون أن الوباء جديدًا، فوجد أن الصين تشخص عن طريق “أولترا ساوند – Ultrasound”.
من هنا انطلقت أولى خطواته، في التواصل مع أصدقاء له في دول مختلفة، بضرورة توفير صور “أولترا ساوند” لمصابين بفيروس كورونا، وأثناء بحثه توصل إلى أن إيطاليا تستخدم تشخيص x-ray  الأشعة السينية، ومن خلال تلك الصورة تُشخص بشكل مبدئي بالنظر إلى متغيرات الرئتين.
بدأ في تجميع المعلومات لتكوين رؤية، حتى توالت الصور المطلوبة لبحثه بشكل يومي، من 13 دولة حول العالم منها: الصين وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا ونيويورك والإمارات والكويت وماليزيا وتركيا، وباتت ترسل المستشفيات صور حقيقة لأشخاص تم تشخيصهم بالإصابة بفيروس كورونا، بعد رفعها على الإنترنت، مصحوبة بتقرير كل حالة وتاريخ ميلادها وعمرها وجنسها.
“بدأت بجمع البيانات والصور التي كانت أكبر عائق، إلى أن وصلني 60 ألف صورة، بعد التعاون”.. كانت ترفع لي من عدة مستشفيات في الخارج على البريد الإلكتروني ومع تلك الصعوبة في الأعداد الكبيرة والآلية المرهقة على البريد الإلكتروني، وفرت لي شركة سيمنس الألمانية الدولية “SIEMENS” بنية تحتية كاملة بشكل مجاني وكنوع من المساهمة في مواجهة فيروس كورونا ولخدمة البشرية، سيرفرات سحابية (Cloud Servers) تستقبل ملفاتك على أكثر من جهاز حول العالم”، كما يقول.
بعد تجميع كل تلك المعلومات، عمل أبو غوش وكما يذكر، على نقل تجربة الإنسان في التشخيص إلى الكمبيوتر باستخدام (خوارزميات- برامج) الشبكات “العصيبية” عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تفكر بنفس طريقة تفكير الإنسان، ويوضح: “الطبيب لو سئل عن صورة الأشعة سيقول شكل ولون وكثافة الرئة يلعبون دورًا، وحجم الكتلة تلعب دورًا، لأشياء تكون ظاهرة خارج الصندوق، وكل تلك العوامل ننقلها للكمبيوتر.. وتبدأ الخوارزمية بالتفكير مثل الإنسان”.
عمليًا، الآن بدأت مهمة محمود أبو غوش، في إنشاء البرنامج وبرمجته على لغة Python، وهي من اللغات المشهورة في عالم البرمجة والقابلة للتطوير، وينصب الجهد الأكبر في تركيز جزئية الخوارزمية على الألوان والتغييرات في إحدى صور الأشعة المرسلة له.
يوضح، أنه يدخل عدة قواعد على البرنامج بأنه إذا كان هناك لون أبيض على الرئتين، أو إذا كان هناك حجم في منطقة منها، بأن يخرج بقرار معين، وإذا كان عصب مع جزئية بأن يخرج بقرار، ثم تخرج النتيجة بناء على القواعد الموضوعة للخوارزمية لتوضح أن الشخص مصاب بفيروس كورونا أم لا، وتصل أقصى مدة لتشخيص الصورة الواحدة 38 ثانية، على عكس التشخيص العادي الذي تصل أقل مدة في إجراء فحص العينات 24 ساعة.
كما يوضح، أن تلك القواعد وضعت من خبرة أطباء على أرض الواقع، وعمل على نقلها كقواعد وشروط لتنفيذ الخوارزمية، وبمجرد تحميل صورة الأشعة على البرنامج يبدأ في تحليل الصورة ومقارنتها بصورة أخرى تمت برمجتها داخله لتوضح الإصابة من عدمها.
يقول أبو غوش، إن طموحه من هذا البرنامج بأن يسهم بالحد من انتشار فيروس كورونا في العالم، وأن تنتهي الأزمة، مشيرًا إلى تواصل وزارة الصحة معه رسميًا من أجل بحث تعاون مشترك لتنفيذ الخوارزمية على أجهزة وزارة الصحة في فلسطين خلال وقت قريب.

ربما يعجبك أيضا