في أزمة كورونا.. ماذا فعلت “تايوان” كي تُلهم العالم؟

محمود طلعت

كتب – محمود طلعت

بعد أكثر من 4 أشهر على ظهور فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” في الصين وتفشيه بعد ذلك بصورة سريعة في أوروبا ودول العالم، نبحث عن التجارب الناجحة في هذه الأزمة لاستخلاص العبر والدروس منها.

ولعل من أنجح التجارب التي شهدناها حتى يومنا هذا وبشهادة الجميع، تجربة تايوان، فرغم قربها الجغرافي من مركز الوباء، إلا أنها تعاملت مع الأزمة بشل نموذجي نجحت خلاله في تطويق الفيروس.

مقارنة بســيطة والفارق كبيـر

في 25 يناير الماضي وفيما كان العالم يتنبه للخطر المحتمل لتفشي كورونا، سجلت كل من أستراليا وتايوان، وكلاهما بعدد سكان 24 مليون نسمة، أربع إصابات.

وفيما الجزيرتان تضعان قيوداً صارمة على عبور الحدود، وكلاهما بروابط تجارية مع الصين، ظهرت 5 آلاف إصابة مؤكدة في أستراليا بعد أسبوعين من تفشي الوباء، في مقابل أقل من 400 حالة في تايوان.

وبالعودة لأرقام الإحصاءات الأخيرة، فإن عدد الإصابات في تايوان يقدر حتى تاريخ 5 أبريل 2020 بنحو 363 حالة إصابة و5 وفيات، مقابل 5687 حالة إصابة في أستراليا و34 حالة وفاة.

كيف استعدت تايوان لكورونا؟

سلط تقرير لشبكة “سي إن إن” الضوء على الطريقة المثالية التي تعاملت بها تايوان مع الوباء، وكيف استفادت من تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد “سارس” عام 2003، حيث كانت تايوان بين المناطق الأكثر تضررًا.

ومع بدء ظهور أخبار الفيروس التاجي من مدينة ووهان، تحرك المسؤولون في مركز قيادة الصحة الوطنية التايواني، وهو المركز الذي تم إنشاؤه في أعقاب تفشي “سارس”، للاستجابة السريعة لأي تهديد محتمل.

ونفذت تايوان على وجه السرعة لائحة من 124 بند عمل على الأقل في الأسابيع الخمسة الماضية لحماية الصحة العامة، وقد تجاوزت السياسات والإجراءات مراقبة الحدود بعد ملاحظة المسؤولين أن ذلك لم يكن كافيًا، هذا فيما كانت بلدان أخرى تناقش ما إذا كان يجب اتخاذ أي إجراءات.

إجراءات مبـكرة حاســـــــــــمة

من الإجراءات الحاسمة المبكرة لتايوان، كان قرار حظر دخول الأشخاص من الصين وهونغ كونغ وماكاو إلى أراضيها، وفي الوقت نفسه، حظر تصدير الكمامات الواقية لضمان أن يبقى في تايوان قدر كاف منها، ووقف السفن السياحية من الرسو في موانئها، وفرض عقوبات صارمة على كل من يخالف أوامر الحجر المنزلي.

بجانب ذلك، تحرك المسؤولون التايوانيون لزيادة إنتاج أقنعة الوجه لضمان الإمداد المحلي، وبدء إجراء الكشف على الأشخاص المحتمل إصاباتهم بالفيروس، بمن فيهم الأشخاص الذين عانوا من التهاب رئوي سابقا، كما أعلنوا عن عقوبات ضد أي شخص ينشر معلومات مضللة عن الفيروس.

ويمكن القول بأن استجابة تايوان السريعة والشفافية في التعامل، مع عقد مسؤولين طبيين لقاءات يومية موجزة كان مثالاً في كيفية كبح الوباء العالمي بين سكانها.

وها هي تايوان اليوم في وضع قوي، وبعد أسابيع من حظر تصدير أقنعة الوجه لضمان الإمداد المحلي، أعلنت الحكومة تبرعها بـ10 ملايين قناع للولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وتسع دول أوروبية أخرى، وكذلك الدول الأصغر التي لديها علاقات دبلوماسية معها.

ربط بيانـات الصحة مع السـفر

ويرى جيسون وانغ، الخبير في سياسة الصحة العامة في جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة، أن تايوان أدركت الأبعاد المحتملة للأزمة في الوقت المناسب وكانت دائما تستبق تطورات الموقف بخطوة أبعد.

يضيف وانغ “تايوان قامت بدمج بيانات التأمين الصحي الوطني في بيانات الهجرة والجمارك وقد مكَّن ذلك مقدما العاملين في القطاع الصحي من التعرف على المرضى المحتملين بناءً على أنشطة سفرهم”.

كما طورت الحكومة التايوانية برنامجًا يتيح للمسافرين العائدين إلى تايوان الإبلاغ عن خط سيرهم. وإضافة لذلك يتحتم عليهم مسح “كود” معين، ومن ثم يتلقى المسافرون رسالة حول كيفية تقييم حالتهم الصحية.

وهذا يسمح للمسؤولين في كافة منافذ الدخول والخروج في البلاد بالتركيز على أولئك المعرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا وإغفال أولئك الأقل عرضة للخطر.

تشــــجع الســـكان بقدر كبيــر

يقول تشونوي تشي، أستاذ الصحة العامة بجامعة ولاية أوريغون بالولايات المتحدة: إن الاستعداد الكبير لدى المواطنين للامتثال للتعليمات الحكومية سهّل على المسؤولين التايوانيين الاستجابة بشكل مناسب لتفشي فيروس كورونا.

ويضيف “معظم التايوانيين مروا بأوقات صعبة خلال وباء سارس، ولا يزال كثيرون منهم يتذكرونه والوضع الحالي يساعد على تعزيز روح الجماعة”.

 ويوضح أن تايوان استثمرت في قدراتها البحثية في مجال الطب الحيوي خلال العقود القليلة الماضية، وأن فرق بحث قامت أيضا بالعمل على تطوير اختبار تشخيصي سريع لمرض “كوفيد-19”.

تفاؤل بتطويــــر اختبار سريع

قبل أيام قليلة، طور فريق من الباحثين بأكاديمية “سينيكا” التايوانية أجساما مضادة يمكن استخدامها لتحديد البروتين الذي يتسبب بفيروس كورونا. والهدف من ذلك هو إنتاج اختبار سريع جديد لفيروس كورونا، تظهر نتيجته بعد 20 دقيقة فقط من إجرائه.

ووفقا لقائد الفريق يانغ آن سوي، فإن الخطوة التالية هي التحقق من سلامة المنتج قبل طرحه للبيع.

عضويـة “الصـحة العالمــية”

ورغم كونها ليست عضوًا في منظمة الصحة العالمية، حتى اليوم، إلا أن تايوان تواصل تبادل خبرتها مع دول أخرى في مكافحة فيروس كورونا، كما يقول جيسون وانغ الخبير في سياسة الصحة العامة بجامعة ستنافورد بالولايات المتحدة.

ومن خلال اجتماعات عبر الهاتف يتبادل خبراء تايوان معارفهم ويساعدون البلدان ذات الموارد الطبية الأقل لفحص عينات المرضى.

ومن غير المؤكد ما إذا كانت تايوان يمكنها أن تنضم من جديد إلى منظمة الصحة العالمية، بسبب احتوائها الناجح لفيروس كورونا.

يقول وانغ: “يجب أن تعرف منظمة الصحة العالمية أن مفتاح مكافحة وباء عالمي هو التعاون. وإذا تجاهلت مناطق معينة من العالم، فهذا ليس بالشيء الجيد”.

ربما يعجبك أيضا